نشرت صحيفة "جويش تلغراف" مقالا لمراسلها في أوروبا كنان ليفشيز، حول احتمال توقيع السلطة
الفلسطينية على نظام
روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي تتردد السلطة وسفيرها في
لاهاي على الإقدام عليه؛ لعلمهم بأن "توقيع المعاهدة يعني توقيع أوراق الطلاق بينهم وبين
إسرائيل.. وذهاب 24 سنة من المفاوضات هباء".
يقول المراسل إن سفير السلطة الفلسطينية في لاهاي، نبيل أبو زنيد، كان يشاهد على هاتفه الذكي فيديو لـ "داعش" يقطع رأس أحد المخطوفين لديها، ويهز رأسه ويقول "إنهم حيوانات"، ويسأل "أتظن أن الإسرائيليين محصنون من هذا الجنون؟ حتى أنا أخاف من هذه الأصولية".
ويرى سفير السلطة في هولندا، أبو زنيد، إن هذه الوحشية هي إشارة بأن على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يحلوا خلافاتهم سلميا، وأن يقفوا معا في وجه الخطر المشترك المتمثل في التطرف.
ويستدرك ليفشيز قائلا: يوجد في درج مكتب أبو زنيد، الذي تعلوه صورة كبيرة لزعيم منظمة التحرير الراحل ياسر عرفات، وثائق ذات علاقة بتحرك، إن تم فإنه سينهي 24 عاما من الجهود لإيجاد أرضية مشتركة، إنها تتعلق بتعريض إسرائيل للاتهام بارتكاب جرائم حرب في
محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
ويشير أبو زنيد إلى أنه يقوم بهذا التحرك وهو غير متشجع له، ولكن إن صدق كلام وزير خارجية السلطة رياض المالكي فإن السلطة قد توقع خلال عام على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تم إنشاؤها عام 1998، بحسب الصحيفة.
ويضيف أن كلا من السلطة وإسرائيل يعتبران أن توقيع هذا النظام سيغير اللعبة بشكل جذري، وهو خطوة سيكون التفاوض بعدها على حل الدولتين أمرا مستحيلا.
ويتابع أبو زنيد: "إن هذا ليس هو الخيار الذي يفضله الفلسطينيون؛ لأن الذهاب للمحكمة الجنائية الدولية يعني الطلاق النهائي، وهو تحرك باتجاه واحد ولا مجال للعودة فيه".
وينقل التقرير عن أبو زنيد، البالغ من العمر 60 عاما من الخليل، وقد عمل محاضرا للعلاقات الدولية، وسجن في السجون الإسرائيلية لعدة أشهر في الثمانينيات لعضويته في منظمة التحرير الفلسطينية، قوله: "لا أظن أن الفلسطينيين أو الإسرائيليين جاهزون لطلاق نهائي".
ويلفت مراسل الصحيفة إلى أنه إن عزم الفلسطينيون في التقدم في موضوع توقيع النظام فسيكون أبو زنيد هو من يتولى الأمر، ويؤكد أبو زنيد أن عائلته عاشت في حيفا قبل قيام إسرائيل عام 1948، عندما غادروا مع مئات آلاف الفلسطينيين، الذين هربوا أو أخرجوا من المناطق التي سيطر عليها اليهود.
وكان أبو زنيد في شبابه ممن يؤمن باللون المتطرف من فكر المنظمة، وكان يصف نفسه بالثوري الذي يريد لإسرائيل أن تدمر، ولكن مع مرور الزمن توجهت سياسته نحو الاعتدال، واليوم حتى من ينقده من الإسرائيليين يعتبره براغماتيا، وفق التقرير.
ويمضي أبو زنيد قائلا: "دع من يعيش في بيت عائلتي في حيفا يستمتع بشاطئ البحر هناك، وأنا سأستمتع بحياتي في الخليل، ويمكننا أن نكون أصدقاء، وليس أمامنا خيار إلا أن نقتسم الأرض".
ويبين التقرير أن أبو زنيد، الذي يتقن اللغة الإنجليزية، ويحمل شهادة في العلوم السياسية من جامعة جيمس ماديسون في فرجينيا، قد تدرج في المناصب في منظمة التحرير، وكان مستشارا لعرفات خلال مفاوضات أوسلو، وعاد بعدها إلى الولايات المتحدة ليكون نائب السفير الفلسطيني هناك، ولا تزال زوجته لبنى وابناه يعيشون هناك.
يقول ابو زنيد "عندما أكون في الخارج يفرش لي السجاد الأحمر، وعندما أعود لبلدي يفرض علي أن أنتظر في سيارتي، ويعاملني صبي لا يزيد عمره عن ولدي وكأني شبه إنسان"، في إشارة إلى معاملة الجنود الإسرائيليين على جسر اللنبي، الذي يربط الضفة الغربية بشرق الأردن.
ويرى ليفشيز أنه وبالرغم من شكواه هذه، والتي يشاركه فيها الفلسطينيون بشكل عام، إلا أن رأيه بشأن المحكمة الجنائية الدولية لا يتناغم مع التوجه العام في رام الله، ولكن رغم التصريحات النارية فإنه ليس من الواضح كيف يمكن للفلسطينيين لعب بطاقة المحكمة الجنائية.
ويذكر التقرير أنه في تموز/ يوليو أرسل وزير العدل في السلطة الفلسطينية والمدعي العام في غزة طلبا رسميا للمحكمة الجنائية الدولية، يطلبان فيه من المحكمة التحقيق فيما "يدعى أنه جرائم حرب" ارتكبتها إسرائيل خلال حربها في غزة، وبعد ذلك وخلال زيارة المالكي لمدينة لاهاي قال للصحافيين إن توقيع نظام روما هو مسألة وقت فقط وأنه سيتم خلال هذا العام.
ويكشف التقرير عن أن رسالة سربها الشهر الماضي مدعي المحكمة الجنائية فتوح بنسودة ذكرت أنه طلب من المالكي خلال زيارته في تموز/ يوليو المصادقة على ما ورد في رسالة وزير العدل والمدعي العام الفلسطينيين، إلا أنه رفض ذلك.
ويعقّب أبو زنيد "نعم، هناك قرار بالمضي في تحرك المحكمة الجنائية الدولية، ولكن هذا القرار لن يكون نهائيا حتى يتم تسليم الأوراق، لذلك فهو أمر يمكن تجنبه؛ لأنه إن وصلنا إلى خيار المحكمة الجنائية فماذا بعد؟ كيف سنتقدم في عملية السلام؟ ففي اليوم الذي نوقع فيه ستختلف الأمور بيننا وبين الإسرائيليين".
ويعلق المراسل قائلا: من الصعب معرفة فيما إذا كان التردد الذي أبداه أبو زنيد هو جزء من استراتيجية تبقي خيار المحكمة الجنائية قائما كورقة في اللعبة الدبلوماسية الفلسطينية مع إسرائيل، أم أنه يبدي نفورا حقيقيا من تحرك معنوي كبير ولكنه لن يكون فعالا.
السفير الإسرائيلي في هولندا حاييم ديفون يعتقد أن الجواب الثاني هو الصحيح، ويقول: "إن السيد أبو زنيد وكشخص براغماتي يعلم أن تحرك الجنائية الدولية لن يؤدي إلى نتيجة ولكنه سيسمم الجو"، بحسب الصحيفة.
ويختم ليفشيز تقريره بالإشارة إلى أن كلا من أبو زنيد وديفون يعرفان بعضهما جيدا، وظهرا معا في أكثر من مناسبة، لدرجة أن ديفون أشار إلى ظهورهما معا ممازحا "بالعرض الثنائي لحاييم ونبيل". نعم لديهما خلافات ومنها تشبيه أبو زنيد لنكبة 1948 بالمحرقة ولكن بقيت العلاقة ودية.
وعندما سئل أبو زنيد عن علاقته بديفون قال: "لو كان الأمر عائدا له ولي، فأظن أننا سنوقع اتفاقية سلام في القريب العاجل".