تباطأ تقدم مقاتلي "تنظيم الدولة" في بلدة
كوباني السورية الحدودية بعد يومين من الغارات الجوية المكثفة التي شنتها
الطائرات الحربية الأمريكية.
وقال مسؤولون أتراك وأمريكيون، الأسبوع الماضي، إن "تنظيم الدولة" على وشك الاستيلاء على كوباني، وانتزاعها من الأكراد الأقل تسليحا الذين يدافعون عنها، بعد أن سيطر التنظيم على مواقع استراتيجية في عمق البلدة.
وزادت وتيرة الغارات الجوية للتحالف زيادة كبيرة، وقالت القيادة المركزية الأمريكية إن طائرات أمريكية مقاتلة وقاذفة قنابل نفذت 14 غارة على أهداف لتنظيم الدولة قرب مدينة كوباني الحدودية يومي الأربعاء والخميس.
وأضافت في بيان أن الغارات الجوية أبطأت فيما يبدو من تقدم التنظيم، لكن "الوضع الأمني على الأرض في كوباني ما يزال هشا".
وينظر إلى الهجوم المستمر منذ أربعة أسابيع على أنه اختبار لاستراتيجية
الضربات الجوية للرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وقال الزعماء الأكراد مرارا إن بلدة كوباني المحاصرة لن تنجو دون وصول أسلحة وذخيرة للمدافعين عنها وهي خطوة لم تسمح بها تركيا حتى الآن.
ويسعى "تنظيم الدولة" للسيطرة على كوباني لتعزيز موقفه في شمال
سوريا بعد أن سيطر على مساحات كبيرة من الأراضي السورية وأيضا الأراضي العراقية، وإذا هُزم "تنظيم الدولة" في كوباني فستكون هذه نكسة كبيرة لمقاتلي التنظيم، وتعطي دفعة لأوباما.
وسمعت أصوات إطلاق نيران أسلحة ثقيلة وخفيفة من الجانب الآخر للحدود في تركيا بعد ظهر الخميس، وأصابت قذيفة هاون (مورتر) الأرض التركية بالقرب من خيام مهجورة.
وقامت قوات الأمن التركية بنقل المدنيين ووسائل الإعلام بعيدا عن التلال المطلة على كوباني مع احتدام المعارك.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنه حدثت خلال الليل ست ضربات جوية على شرق كوباني، وإن الاشتباكات بين المقاتلين الأكراد ومقاتلي التنظيم استمرت خلال الليل الأربعاء. ولكن لم يحقق أحد من الجانبين المتصارعين مكاسب ملموسة.
وقال المرصد إن المقاتلين الأكراد تمكنوا بعد ذلك من الاستيلاء على شارع في كوباني كان يسيطر عليه مقاتلو "تنظيم الدولة".
وقال صحفي في كوباني إن الضربات الجوية مكنت القوات الكردية من شن هجمات للمرة الأولى منذ بدء هجوم "تنظيم الدولة" قبل أربعة أسابيع.
وقال عبد الرحمن جوك في اتصال هاتفي إنه شاهد بعض مواقع وحدات حماية الشعب في شرق البلدة، الأربعاء، والتي كان "تنظيم الدولة" يسيطر عليها قبل يومين فقط.
وأضاف أن المسؤولين في كوباني يقولون إن الغارات الجوية كافية، لكن هناك حاجة لتحرك بري لطرد "تنظيم الدولة"، وأن وحدات حماية الشعب قادرة تماما على القيام على ذلك، لكنها بحاجة إلى مزيد من الأسلحة.
واستبعد المسؤولون الأمريكيون إرسال قوات برية لمكافحة مقاتلي "تنظيم الدولة"، لكن القوات الكردية توصف بأنها من الشركاء الذين يعول عليهم للتحالف.
وتلقى الأكراد في العراق شحنات أسلحة غربية لتعزيز موقفهم. ولكن لم تصل أسلحة أو ذخيرة إلى كوباني حسبما يقول المقاتلون هناك.
وقال المرصد السوري إن القوات الكردية قتلت ما لا يقل عن 20 من مقاتلي "تنظيم الدولة"، الأربعاء، إلى الغرب من رأس العين، وهي مدينة سورية أخرى على الحدود إلى الشرق من كوباني.
وأضاف المرصد قوله إن اثنين على الأقل من مقاتلي وحدات حماية الشعب قتلا أيضا في المعارك التي استولى فيها المقاتلون الأكراد على بنادق كلاشنيكوف وبنادق آلية وأسلحة أخرى.
منطقة آمنة
وترفض تركيا الإذعان للضغوط لمساعدة كوباني إما بإصدار أوامر إلى الدبابات والقوات التركية التي تصطف على امتداد الحدود بدخول المدينة أو السماح بوصول الأسلحة والذخائر إلى المدينة.
وتأبى أنقرة أن تنجر إلى مستنقع الحرب السورية قبل الحصول على ضمانات من حلفائها الغربيين بأنه سيجري بذل مزيد من الجهد للمساعدة في إعادة 1.6 مليون شخص فروا عبر الحدود من سوريا إلى بلادهم.
ويخشى المسؤولون أيضا مغبة تسليح المدافعين الأكراد عن كوباني الذين تربطهم روابط وثيقة بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا عمره عقود على الحكومة التركية في الجنوب الشرقي الذي يغلب الأكراد على سكانه.
ويشعر المسؤولون الأتراك باستياء متزايد من الانتقادات الموجهة إلى تصرفاتهم بشأن كوباني قائلين إنهم يتحملون الأعباء الإنسانية الناجمة عن المعارك التي أدت إلى فرار 200 ألف شخص عبر الحدود من منطقة كوباني.
وهم يقولون أيضا إن الضربات الجوية لا تقدم استراتيجية شاملة لمكافحة الدولة الإسلامية التي قوي وجودها بفضل فراغ السلطة الذي خلقته الحرب السورية.
وتلقي أنقرة باللوم على الرئيس بشار الأسد في هذا وتريد أن يتم الإطاحة به من الحكم وهو ما يرفض الحلفاء الغربيون في الوقت الحالي قبوله.
وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، الأربعاء، إن دعوات وجهت للمقاتلين الأكراد الذين فروا إلى تركيا للعودة إلى كوباني للدفاع عنها لكنهم رفضوا.
واستعرض أيضا تفاصيل "المناطق الآمنة" التي تريد تركيا إقامتها في سوريا بالقرب من حدودها حتى يتمكن اللاجئون من البدء بالعودة إلى ديارهم.
وقال داود أوغلو إن هذه المناطق يجب إقامتها بالقرب من مدينة حلب التي شهدت بعضا من أشد المعارك ضراوة في الأشهر الأخيرة.
وأضاف أن مناطق أخرى يجب إقامتها بالقرب من الحدود التركية في محافظة إدلب في الحسكة وجرابلس وكوباني.
وذكر أنه يجب على الأمم المتحدة لتعزيز الشرعية أن تتولى تنفيذ هذه المناطق الآمنة، ولكن إذا لم يحدث هذا فإن التحالف الدولي يمكنه توفير الغطاء الجوي اللازم لهذه المناطق.
وقال: "تركيا يمكنها تقديم كل المساعدات اللازمة إذا تقرر إنشاء هذه المناطق الآمنة، ولكن حينما لا توجد مثل هذه المناطق فإن مطالبة تركيا بالتدخل من تلقاء نفسها هو مطالبة لها بأن تتحمل هذه المخاطر وحدها".
ويشعر المسؤولون الأتراك بالتفاؤل بأنه يمكنهم إقناع شركاء التحالف بتلبية بعض مطالبهم بحيث يمكن لأنقرة القيام بدور أكثر فعالية، ولكن لم يتضح كم من الوقت ستستغرق المفاوضات.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن إنشاء مناطق آمنة ليس أولوية في نظرهم، وقال حلف شمال الأطلسي إنه لا يناقش مثل هذه الخطوة.
وكررت وزارة الخارجية السورية، الأربعاء، معارضة دمشق "للمناطق العازلة" وهو التعبير الذي استخدمه بعض المسؤولين الأتراك، محذرة من إنها ستكون انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وذلك حسبما أوردته وكالة الأنباء العربية السورية.
وقال بيان وزارة الخارجية إن الشعب السوري لن يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه، وهو حريص على الدفاع عن سيادته.