بعد 20 عاما على توقيعها، ما تزال معاهدة السلام بين الاحتلال
الإسرائيلي والأردن غير مرحب بها بين أوساط
الاردنيين، لكنها تشكل ميثاقا استراتيجيا بين طرفين مصممين على الدفاع عنه، بحسب عدد من الخبراء.
ومنذ توقيع كل من إسحق رابين والأردني عبد السلام المجالي المعاهدة في السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 1994 برعاية الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون، عانت العلاقة الحساسة بين البلدين العديد من المصاعب الناجمة معظمها عن تداعيات الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.
وإذا كان النص، الذي وضع حدا لحالة الحرب بين الأردن والاحتلال منذ عام 1948، فإنه لا يزال مصدر إحباط عميق في الأردن، حيث نصف السكان من أصول فلسطينية، كما أن العلاقة بين البلدين ذات الصبغة البراغماتية، تعززت بهدوء مجددا مع صعود التنظيمات الإسلامية المسلحة في المنطقة مؤخرا.
ويقول الخبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، إن "إسرائيل والأردن يشتركان في نفس الرؤية حيال الجماعات الجهادية التي تقاتل في مكان قريب في سوريا والعراق".
وقال إن "هذا يقرب دائما بين البلدين، كما يقرب مصر من إسرائيل".
وأضاف أنهم "يرون أن تبادل المعلومات الاستخباراتية أصبح أمرا مهما، بحيث كلما أصبحت العلاقات العسكرية أقوى كلما أصبح أمن البلدان مصانا".
لكن الخبراء يتفقون بأن القضية الفلسطينية تعرقل حسن سير العلاقات بين الأردن والاحتلال.
فقد أدت حادثة مقتل القاضي الأردني من أصول فلسطينية على يد الجيش الإسرائيلي والعدوان على قطاع غزة في تموز/ يوليو وأب/ أغسطس واستشهاد أكثر من 2100 فلسطيني إلى توجيه ضربة لهذه العلاقات.
ومنذ عام 1996 تدهورت العلاقات بين البلدين مع تسلم بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في إسرائيل، حتى وصلت إلى نقطة الانهيار عندما حاولت المخابرات الإسرائيلية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، خالد مشعل، في عمّان، ثم ألهبت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005)، والحرب في لبنان عام 2006 وثلاثة حروب في قطاع غزة الرأي العام في الأردن.
وتراقب عمّان عن كثب الإجراءات الإسرائيلية في الحرم القدسي، حيث تشرف المملكة بحسب
اتفاقية السلام على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس المحتلة، وهذا الموضوع حساس جدا للمملكة.
ويقول السفير الإسرائيلي السابق في عمّان، عوديد إيران، وهو يعمل خبيرا في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، إنه "من وجهة النظر الأردنية، تكمن المشكلة الرئيسية في عدم التوصل إلى حل شامل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. لذا، فإن عمان تواجه صعوبات سياسية في بدء عملية تطبيع كامل" للعلاقات بين البلدين.
من جهته، يقول النائب الأردني، خليل العطية، الذي أحرق في أحد الأيام العلم الإسرائيلي داخل مجلس النواب إن "إسرائيل لاتزال تعتبر بمثابة عدو".
وأضاف أنها "تحتل الأراضي الفلسطينية وتنتهك معاهدة السلام من خلال اعتداءاتها على الأقصى، وقتل الفلسطينيين الأبرياء وتدمير منازلهم. وتواصل بناء المستوطنات".
لكن شينكر يرى أنه رغم التصريحات المتشددة أحيانا فإنه لاتزال لدى إسرائيل والأردن الرغبة في الحفاظ على العلاقة بين البلدين.
من الناحية الاقتصادية، وإن اقتصر التبادل الثنائي على أرقام محددة بلغت 365 مليون دولار عام 2013، إلا أن تعرض أنبوب الغاز المصري الذي ينقل الغاز للأردن للتخريب ساهم في تحسن التجارة بين البلدين.
فقد وقّع الإسرائيليون والأردنيون خطاب نوايا من شأنه أن يجعل إسرائيل المورد الرئيسي للغاز للمملكة للسنوات الـ15 المقبلة.
ويقول شينكر إن "صفقة الغاز هو أحسن مثال بأن العلاقات التي تربط المملكة مع إسرائيل قوية وأنهم يعملوا على تعزيزها".
وأضاف أنها "ليست شعبية، وإنما هي معقولة من منظور المملكة، وذلك يدل على متانة العلاقات".
وأشاد سفير إسرائيل في الأردن، دانيال نيفو، مؤخرا عبر إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، بـ"العلاقات الجيدة" بين البلدين.
وقال نيفو: "لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يجب العمل على تحسينها. الوضع ليس مثاليا، ولكن ما نفعله يسير في الاتجاه الصحيح (...) الأردن جزيرة من الاستقرار والاعتدال في منطقة مضطربة، ولا يمكننا أن نبحث عن جار أفضل".