عماد عفت، حالة استثنائية، تروح السكرة، وتأتي الفكرة، تتبدل المواقع والأدوار، تغربل الأيام الصفوف، وتفضح، تدور الرحى، تتبدل القناعات، تبهت الثقة، وينزوي الوضوح، أيام مسممة بالتناحر، ومستقبل وضعوه على رفوف الماضي، وعدمية تدير عجلة التاريخ، إلا الشيخ عماد، ابتسامته هي هي، حضوره، صوت دعائه: "اللهم ما أنعمت لنا في هذه الثورة المباركة فأكمل".
صور الشهداء متناثرة في القلوب وعلى الحوائط، المشترك الأكبر "عماد"، جرافيتي، من تحب بجوار الشيخ عماد، على المقاهي، بوسترات، فوق الأجساد، تي شيرتات، حالة من الوجد الثوري لا تنتهي، قل عماد عفت تجد الجميع وراءك، الثورة ذاتها لا تلقى اليوم هذا الإجماع!!
لماذا الشيخ عماد؟
تنفجر الثورة، وهو أمين الفتوى بدار الإفتاء، ارتباطات مؤسسية، أزهرية، ضغوط نفسية وأدبية تتمثل في فتاوى الشيوخ المعلمين، آراؤهم، توجيهاتهم، أوامرهم، دعوا الشرعية تعمل، النزول حرام حرام حرام، ينزل عماد عفت إلى الميادين، إيمان أكثر صلابة من العوالق، لا زالت بشاشته، لا زال صوته الدافئ الخفيض، أدبه مع شيوخه، لم يزايد عليهم، لم يصرخ في وجوههم، صادق، لهم فقههم، ولي ثورة.
في موقعة الجمل، يقف مدافعا عن الميدان، ليس شابا مثل شباب الأولتراس والإخوان، لكنه أقوى، لا بكثرة هتاف، ولا حراك، ولكن بشيء هو في قلبه.
في محمد محمود يزداد الضغط، الابتزاز، المزايدات، تزداد صلابته، جوار حلمه، ينزل، يشارك، ينحت على حوائط التاريخ مجدا لن يمحوه زمان العسس، نختلف، الإخوان ليسوا هنا، تخلفوا، أعينهم على الصناديق، يفرح بعضنا بغباء قياداتهم، فرصة للاستبعاد، يحزن البعض، يتألم، أما هو فيفكر، يقول:
"الفرحة الحقيقية ليس بوصول الإسلاميين إلى السلطة، بل في وصول الإسلام إلى السلطة، مجلس الشعب والحكم ليس إلا وسيلة، ولكن توصيل الإسلام النقي الحق وسعادة الناس به هو الهدف، ووسيلة ذلك قبل المجلس وكرسي الحكم هو اجتماع الناس قدر الإمكان؛ ولذلك لما قال موسى لهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: {يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعنِ أفعصيت أمري} رد عليه: {إني خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل}؛ فاجتماع الناس أدعى للوصول بهم إلى التوحيد المنشود ودين ربنا المعبود، والعكس صحيح، فالصواب هو جمع الكلمة قدر الإمكان والطاقة، لا أن يكون المجلس والكرسي هو القبلة، وهذا هو الدرس الذى لا ينبغي نسيانه، ولا يجوز التململ من تكراره (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)".
من أخبره أننا سننسى، من أخبره أننا سننكر، من أخبره أن فرقتنا ستكون أحب إلينا من الثورة وما فيها، من أخبره أن الجميع سينسى، من أطلعه على أحوالنا بعد 3 سنوات من محمد محمود؟، نخاصم ولا نمل، فيكرر هو علينا ولا يمل، يوصينا بالتكرار، دون ملل، الصواب هو جمع الكلمة، هذا هو الدرس.
لماذا يحبه إذن كل من نسى .. كل من مل؟
الخوف من التعليمات مثل الخوف من المزايدات، عماد عفت تعرض للاثنين ولم يهتز، لا تعليمات المرشد، ولا مزايدات رفاق الدرب، أن ترى الحق، فتتبعه، وإن كان الذي بينك وبين العالمين خراب، أنت الآن الشيخ عماد.. ولكن هيهات.
تفرقت بنا السبل، وظل كما هو، أصابنا رصاص الغدر في ضمائرنا، ولم يصبه منه إلا ما يليق بوليّ، هي الشهادة شهادته، وهو الفشل فشلنا، تنازعنا ففشلنا، هكذا قال نقلا عن ربه، وهكذا سمعنا وعصينا.
ينتقد الشيخ عماد الإسلاميين أكثر من غيرهم، لا ينافق بمآخذه عليهم خصومهم، ولا يفتئت عليهم، يقول كلمته ويمضي، لن تجد بينهم من يحمل في نفسه شيئا منه على كثرة ما يحملون، الصادق يصل، الصادق ينجو، الصادق عماد.
في مشهد مغلق على الفحش في الخصومة، وغياب الحقيقة، وتشوش الهدف، وضبابيته، تبدو كلماته "تسريبات" من الضوء في فضاء مظلم، أيها الكارهون تجاوزوا وأحبوا، أيها المتناحرون تجاوزوا واصطفوا، أيها الإسلاميون، دينكم لا السلطة، أيها الثائرون أوطانكم لا الخصومة، في واقع مسمم باللامبالاة، يبدو وحده مسؤولا، لحظة .. عُد إلى وارف الأيام، واسأل عنه العيال، تلامذته، البنات، والأولاد، يخبرونك أنه لم يكن يُفت أحدا على كثرة ما عنده من علم وإجازات، قبل أن يعين في دار الإفتاء، لماذا؟ لأنها مسؤولية، الله أعلم، يقولها دون ملل، حتى لأهله، زوجه، لست مخولا، لم يأذن الله بعد، الشيخ لا يتجزأ، مسؤولية الفتوى، مسؤولية الثورة، مسؤولية التوحد، يموت في مذبحة مجلس الوزراء، وهو يدافع عن الميدان من عدو واضح،
حكم العسكر، لم يشوش عليه شيء من كل ما يحيط به، الإخوان، الفلول، المندسون، يعرف ما يريد، جاء الجنزوري، رجل مبارك، رئيسا للوزراء، عاد العسكر للسيطرة، هذا هو العدو إذن .. أين أنت يا مولانا؟ .. مدد.
اسمعوه ثانيا وثالثا ومليونا، اسمعوه ولا تملوا: "الصواب هو جمع الكلمة.. هذا هو الدرس الذي لا ينبغي نسيانه، ولا يجوز التململ من تكراره (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).