نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا مطولا للصحافي الاستقصائي نفيز أحمد حول مطامع
إسرائيل في
غزة، وعلاقة هذه المطامع باكتشافات
الغاز في البحر المتوسط وفي غزة، الأمر الذي دفع بعض السياسيين والكتاب الإسرائيليين للدعوة إلى "تطهير عرقي في غزة"، وكيف تعد كل من إسرائيل وأميركا والرباعية
حماس هي العقبة أمام تحقيق الأحلام الإسرائيلية.
يقول الكاتب إن عملية الجرف الصامد الإسرائيلية خلال الصيف الماضي ضد القطاع، الذي يصل عدد سكانه إلى 1.8 مليون نسمة، أدت إلى تدمير أكثر من 100 ألف بيت، وأثرت على أكثر من ثلث سكان القطاع. ويرى أن هذا الدمار الواسع لم يكن صدفة.
ويذكر في مقاله ما قاله رئيس بلدية بيت حانون، محمد الكفارنة: "الحياة أصبحت مستحيلة في هذه البلدة.. فلا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات، والبلد يفتقد لمقومات الحياة الأساسية".
ويشير الموقع إلى ما قاله تقرير للأمم المتحدة عام 2012 من أن "الحياة في القطاع ستكون مستحيلة بحلول عام 2020"، وكذلك ما قاله المفوض العام للأونروا، فليبو غراندي، بعد ذلك بعام إن "غزة تتحول بسرعة إلى مكان تصعب الحياة فيه".
ويبين الكاتب أنه بينما لا يعترف الإسرائيليون بأهدافهم الاستراتيجية من تدمير القطاع، إلا أن تصريحات المسؤولين الرئيسيين في إدارة نتنياهو تشي بالحقيقة، مشيرا إلى ما كتبه مارتين شيرمان في "جيروساليم بوست" خلال الحرب على غزة "الحل الوحيد القابل للاستمرار هو تفكيك غزة، وإعادة توطين العرب غير المحاربين (خارج القطاع)، وبسط السيادة الإسرائيلية على المنطقة"، واشتكى شيرمان في المقالة ذاتها من الضغوط التي يمارسها اليسار غير المنتخب والمتمسك بما يسمى "حل الدولتين.. والأرض مقابل السلام".
ويعلق الكاتب أنه بالنسبة لشيرمان فإن "قص العشب" لم يعد يكفي، بل يجب اقتلاع العشب من الجذور.. مرة وإلى الأبد.
ويؤكد أن شيرمان الذي قال هذا الكلام ليس شخصا منبوذا، بل إنه يمثل فكر المسؤولين الإسرائيليين الكبار في الحكومة، وهو المدير المؤسس لمعهد الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية، وبين من يؤيد أفكاره يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي حتى عام 2013 وعوزي لانداو وزير السياحة ووزير
الطاقة السابق وموشي يعلون، نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع.
ويوضح التقرير أن أميدرور مثلا لطالما دعا إسرائيل إلى إعادة احتلال غزة "لمنع وجود وضع تقوى فيه حماس في غزة، كما تقوى حزب الله في جنوب لبنان"، كما أن خليفته يوسي كوهين، الذي أشرف مع يعلون على عملية الجرف الصامد، والذي احتل سابقا منصب نائب رئيس الشين بيت، قال لراديو الجيش الإسرائيلي إن العملية خلقت جوا في غزة يمكن للسلطة الفلسطينية من العودة إليها على حساب حماس، فهي كانت بحاجة "لنزع السلاح".
بينما قال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان: "ما دامت حماس تسيطر على غزة، فلن نستطيع توفير الأمن لمواطنينا في الجنوب، ولن نستطيع التوصل إلى اتفاقية سلام"، وكان ليبرمان اقترح خلال آخر هجوم على غزة أن يعاد احتلالها للقضاء على الهجمات الصاروخية، بحسب الموقع.
هل تهدد الدولة الفلسطينية السيطرة الإسرائيلية على الطاقة؟
ويفيد التقرير إن مؤيدا آخر لشيرمان هو عوزي لانداو، وزير السياحة الحالي، الذي شغل منصب وزير الطاقة بين عامي 2009 و 2013، حيث كان يشرف على السياسات الإسرائيلية المتعلقة بمصادر الطاقة، وخاصة ما يتعلق باكتشافات الغاز وخيارات إسرائيل في التصدير. وعندما كانت السلطة الفلسطينية تسعى للحصول على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية عام 2011، قال لانداو للإذاعة الإسرائيلية إنه يجب على إسرائيل إعلان ضمها لوادي الأردن ومستوطنات الضفة الغربية وغزة من طرف واحد؛ لقطع الطريق على المحاولة الفلسطينية. كما أنه أرسل قبل ذلك لتشيلي وأستراليا وكولومبيا لإقناعها بالتصويت ضد الدولة الفلسطينية.
لماذا اختير لانداو الذي كان يشغل حينها وزير الطاقة والماء للقيام بهذا العمل؟
ويجيب الكاتب بأن إسرائيل اكتشفت في السنوات القليلة الماضية حقول غاز تحتوي على تريليونات الأمتار المكعبة، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2010 اكتشفت شركة نوبل الأميركية للطاقة وجود حقل غاز وحقل ليفياثان في البحر الأبيض المتوسط، وقالت إنه يحتوي على 25 ترليون قدم مكعب من الغاز، مع أن مسحا آخر من مؤسسة المسح الجيولوجي الأميركي قدرت المخزون بعد ذلك بـ 17 تريليون قدم مكعب. كما أن المؤسسة ذاتها قدرت أن حوض المشرق العربي يحتوي على حوالي 122 تريليون قدم مكعب، وهذا الحوض تشترك فيه إسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص وغزة، وقال المتحدث باسم مؤسسة المسح إن هذا أكبر من أي شيء قدرناه في الولايات المتحدة.
ويجد التقرير أن هذه الاكتشافات قد تحول إسرائيل إلى أحد كبار مصدري الغاز في العالم، ولكن هناك مطبات، فقد قدر علماء الطاقة عام 2012 أن هذا المخزون من الغاز لا يكفي للتصدير والاستخدام المحلي، حيث أشاروا إلى أن احتياطي الغاز هذا قد ينضب في أقل من 40 سنة حتى لو اختارت إسرائيل ألا تصدر الغاز.
ويلفت الكاتب إلى أنه مما يزيد الأمور تعقيدا تهديد الحرب، فبعض حقول الغاز المكتشفة حديثا تقع في مناطق غير واضحة الملكية، وكان لانداو قال عام 2010 إن إسرائيل لن تتوانى عن استخدام القوة لحماية حقول الغاز البحرية، ردا على كلام بأن حقل ليفياثان يمتد إلى المياه الإقليمية اللبنانية.
كما أن بئرين يمتدان إلى حدود غزة المائية وهما "ماري-ب"، والذي استنفذ تقريبا، وبئر "نوا نورث"، وكلاهما بإشراف شركة نوبل للطاقة.
هل غاز عزة هو مفتاح السلام؟
ويذكر الموقع أن تقريرا نشرته مؤسسة المارشال فند الألمانية الأميركية من تأليف سايمون هندرسون عام 2014 قبل الحرب على غزة بأشهر، قال فيه في موجز السياسات إن مارينا غزة يحتوي على أكثر من تريليون قدم مكعب من الغاز تم اكتشافه عام 2000، من مؤسسة بريتيش غاز، ويمكن لهذا الحقل أن يمد الفلسطينيين بحاجتهم للطاقة لمدة 20 عاما، ولكن انتخاب حماس عام 2006 أوقف أي مباحثات بشأن هذا الحقل مع السلطة، وبحسب هندرسون فإن إسرائيل أبدت اهتماما في نهاية عام 2011 وبداية 2012 في ابتكار طريقة لاستغلال الغاز من الحقل.
ويظهر التقرير أن الاهتمام الدبلوماسي الدولي ازداد عام 2013، عندما اعتبر كل من مبعوث الرباعية الدولية توني بلير ووزير الخارجية الأميركية جون كيري أن مارينا غزة لا بد أن يشكل جزءا من أي صفقة سلام وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2013، حيث اعترف المسؤولون الإسرائيليون بأن الحكومة الإسرائيلية تؤيد المشروع، وهذا ما تثبته وثائق الخارجية البريطانية، التي خرجت للرأي العام بناء على قانون حرية المعلومات.
ويبين الكاتب أن إسرائيل تنظر إلى مارينا غزة على أنه سيرفع بشكل كبير دخل السلطة، كما أن استخدام غاز غزة، بحسب تقرير هندرسون سيوفر "على إسرائيل استخدام غازها لتوليد كهرباء للفلسطينيين .. كما ان استخدام إسرائيل لهذا الغاز سيوفر عليها استخدام غاز الحقول الأخرى، الذي تحظى شركة نوبل بحقوقه وحقوق أي حقول إسرائيلية قد تكتشف في السنوات القليلة القادمة".
ويواصل هندرسون "سيكون غاز غزة متوفرا للنقل إلى الشبكة الإسرائيلية للغاز، ويغذي محطات التوليد والبتروكيماويات في طول البلاد وعرضها"، مضيفا أنه يمكن استخدام الغاز لتشغيل محطة التوليد في غزة وحتى للضفة الغربية، حيث يحول الغاز لمحطات توليد الكهرباء الإسرائيلية التي تزود الضفة بالكهرباء.
هل يشكل غاز غزة مفتاح التصدير؟
ويستدرك الكاتب أن هناك بعدا آخر لأهمية غاز مارينا غزة لطموحات إسرائيل التجارية، أشار إليه آرئيل إزراحي، المستشار الأول في شؤون الطاقة في مكتب توني بلير للبعثة الرباعية في القدس الشرقية، حيث قال إن أصعب التحديات أمام إسرائيل في أن تصبح مصدرا للغاز في المنطقة، هو معارضة الشعوب العربية في الأردن ومصر وتركيا وغيرها.
ويضيف إزراحي أنه يمكن تجاوز هذه المقاومة إن وجدت إسرائيل طريقة تدخل فيها غاز غزة في المعادلة؛ كي تستطيع الشعوب العربية تقبل صفقات غاز مع إسرائيل، وقال: "أظن أنه من الخطأ أن تدخل إسرائيل في عقود في المنطقة دون اعتبار للبعد الفلسطيني وكيف يمكن أن ينفع إسرائيل .. يجب على إسرائيل استخدام مارينا غزة في محاولاتها للانضمام إلى شبكة مصدري الطاقة، وليكون جسرا بينها وبين العالم العربي (عن طريق بيع) الغاز الفلسطيني في الأسواق المختلفة"، أو عن طريق التوصل إلى صفقة تبيع فيها الشركة المسؤولة عن حقل تامار وليفياثان تسمح ببيع الغاز بأسعار رخيصة للسلطة الفلسطينية، وفق التقرير.
ويرى الكاتب أن حماس تبقى هي العقبة الأكبر لأي من هذه السيناريوهات، فبحسب هندرسون: "إن أهم تحد لرؤية الوزير كيري حول الغاز الطبيعي في حقل مارينا غزة هو أن الحقل قبالة سواحل غزة، التي تسيطر عليها حماس، والتي لا تعترف السلطة في رام الله بشرعيتها، كما أن الولايات المتحدة تعد حماس منظمة إرهابية، ولذلك فإن واشنطن ممنوعة قانونيا من التعاون معها".
ويذهب الموقع إلى أن هذا يعني من وجهة نظر الصقور الإسرائيلية والرباعية الدولية أن استمرار وجود حماس في قطاع غزة يشكل العائق الأكبر الذي يمنع السيطرة الإسرائيلية على سوق الطاقة في المنطقة.
وينقل التقرير عن وزير الدفاع الحالي يعلون ما قاله في عام 2007 "من الواضح أنه ودون عملية عسكرية تقضي على سيطرة حماس على غزة فلا أعمال تنقيب يمكن القيام بها دون موافقة هذه الحركة الإسلامية المتطرفة".
ويقول الكاتب إنه منذ ذلك الوقت سعت إسرائيل، ومن خلال حروبها المتكررة، لأن تضعف قوة حماس في غزة، من خلال الضغط على المدنيين وجعلهم يدفعون ثمنا باهظا، وعن طريق أعمال عسكرية متجاوزة للحد، فقد استطاعت إسرائيل تدمير البنية التحتية لغزة حتى أصبحت معظم مساحات غزة غير صالحة للعيش تقريبا.
ويؤكد الكاتب أنه بعد الحرب الأخيرة والهدنة التي وقعت مع حماس تمكنت إسرائيل من تشديد الحصار على غزة بتثبيت منطقة عازلة بعرض 100 متر داخل غزة وإنشاء لجنة مشتركة من إسرائيل والسلطة والأمم المتحدة، لمراقبة إدخال مواد البناء إلى غزة، للتأكد من أن حماس لا تستفيد من أي مواد تدخل لأغراض عسكرية، ولا تزال إسرائيل تشترط تجريد حماس من السلاح قبل إعمار غزة.
ويجد التقرير أن هذه الخطة غير العادية ستبقي غزة تحت مراقبة الطائرات الإسرائيلية، وتحت رحمة اللجنة الأممية المشتركة مع السلطة، التي ستقدم طلبات إعادة إعمار البيوت لإسرائيل للموافقة عليها.
ويتوصل الكاتب إلى أنه في ضوء هذا السياق نستطيع فهم ما قامت به المحكمة الأوروبية العامة من حذف اسم حماس من قوائم الإرهاب، وسعي البرلمان الأوروبي للاعتراف بفلسطين فهْمًا مختلفًا.
ويخلص الكاتب إلى أن إضعاف حماس عسكريا يسهل من رؤية كيري والرباعية لاستغلال غاز غزة في صفقة "سلام"، ويبدو أن تحرك الاتحاد الأوروبي الأخير مصمم لحث الفلسطينيين وحماس للخضوع لتلك الرؤية، وهي غزة منزوعة السلاح، وحل دولتين تحت السيطرة الإسرائيلية، وهذه الجزرة والعصا هي التهديد الدائم بتحطيم غزة تماما، بحيث تصبح غير قابلة للحياة بتواطؤ من الاتحاد الاوروبي وأميركا من خلال التجارة والتعاون العسكري.