عشرون عاما على إنتربال: عمل في ظل التحديات

تساءل أليكس ديلمار- مورغان وبيتر أوبورن في صحيفة "ديلي تلغراف" عن السبب الذي صنفت من أجله المنظمة الخيرية العاملة في إغاثة الفلسطينيين في الداخل والمخيمات في العالم العربي منظمة إرهابية. فالمنظمة الفلسطينية للتنمية والإغاثة المعروفة اختصارا بـ"إنتربال"، ومقرها مدينة لندن العاصمة البريطانية، تقوم بعمل مهم في إغاثة الفلسطينيين.

 ويقول الكاتبان "هذه أيام صعبة بالنسبة للجمعيات الخيرية المسلمة في بريطانيا، فلكل العمل الجيد الذي تقوم به فهناك خطر لأن تتعرض للقدح واللعن، وتلطخ سمعتك وتوصم بصمة الإرهاب".

ويشير الكاتبان إلى أن "إنتربال" قد تعرضت للتشويه، إذ أن  العمل الإنساني الذي تقوم به، عمل خيري وإنساني وإغاثي وتعليمي للمجتمعات الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وغزة وفي الأردن ولبنان.

عشرون عاما

وجاء المقال احتفالا بمرور عشرين عاما على تأسيس الجمعية، ولديها مقرات في لندن وبيرمنجهام ومانشستر وبرادفورد وليستتر، ولديها مكتب مسجل يعمل فيه فريق في قطاع غزة. 

وتذكر الصحيفة أن منظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تعترف بالدور الذي تلعبه "إنتربال"، وتعدها شريكا لا يستغنى عنه. ولهذا فعمل المنظمة حيوي، خاصة في ظل الأزمة السورية التي دفعت آلاف اللاجئين السوريين والفلسطينيين للهروب من جحيم الحرب، وفي ظل الحرب في غزة وتداعياتها الإنسانية.

ويضيف التقرير ان "إنتربال" لديها الكثير من الداعمين، عاملين في مجال الإغاثة، أكاديميين معروفين وأطباء، الذين وصفوا عملها بالبطولي. 

وينظر كل من سير تيرنس إنكلش، جراح القلب المعروف وأوليف ماكتيرنان، الذي شارك في محادثات السلام أثناء أزمة كوسوفو في التسعينيات من القرن الماضي ويدير منظمة "تفكير متقدم" العاملة على تحسين العلاقات المسيحية- الإسلامية، للمنظمة نظرة تقدير واحترام.

معركة

ويستدرك التقرير بأن المنظمة خاضت خلال الـثمانية عشر شهرا الماضية معركة طويلة ومثيرة؛ للدفاع عن حقها في استمرار العمل. وأدت تكهنات إعلامية وسلسلة من الاتهامات، التي لا أساس لها والمزاعم الخبيثة التي بدأت من عام 1996 واتهمت "إنتربال" بدعم حركة حماس، المنظمة الفلسطينية بمفوضية الجمعيات الخيرية لفتح عدة تحقيقات، وبرأت كلها ساحة المنظمة من أي عمل آثم أو إساءة في استخدام أموال التبرعات. 

ويلفت التقرير إلى أن الولايات المتحدة قامت في عام 2003 بتصنيف "إنتربال" منظمة إرهابية، ما قيد من حركة تعاملاتها البنكية. ومنذ عام 2008 لم تستطع "إنتربال" الحصول على تعاملات بنكية منظمة أو بطاقة إئتمان للتبرعات، ولا حتى بطاقة للخصم المباشر من الحساب الجاري. وتعتبر المشكلة البنكية لمنظمة تصل ميزانيتها السنوية 5 ملايين جنيه إسترليني مشكلة كبيرة. ولهذا السبب يقول الكثير من المراقبين إن حقيقة استمرار المنظمة بالعمل حتى هذا الوقت رغم القيود المصرفية كلها يعد معجزة في حد ذاتها. 

ويتابع التقرير أنه في الخريف الماضي وقع 38 نائبا على مشروع قرار لمناقشة عمل "إنتربال" والاعتراف بجهودها الإنسانية في فلسطين، ودعا القرار "الحكومة للضغط على الولايات المتحدة لإلغاء تصنيفها المضر بـ(إنتربال)". وعلى ما يبدو فهذا كله لم يؤد إلى اهتمام، وسقط على آذان صماء. 

وتذهب الصحيفة إلى أن الحقيقة تفيد أن الجمعيات الخيرية المسلمة في بريطانيا تجد نفسها في بحر من الأمواج المتلاطمة، حيث تواجه عمليات تدقيق وضغوط لا حصر لها. ففي الأسابيع القليلة الماضية قام ديفيد كاميرون بمنح مفوضية الجمعيات الخيرية صلاحيات إضافية للتحقيق في "التطرف".

البداية

ويتحدث الكاتبان بأن مصاعب "إنتربال" بدأت عام 1996، عندما فتحت مفوضية الجمعيات الخيرية أول تحقيق لها في مزاعم اتهمت المنظمة بدعم حماس وبعلاقتها بأعضاء في الحركة. ومن ثم صنفت الجمعية منظمة إرهابية في الولايات المتحدة في آب/ أغسطس عام 2003، حيث اتهمتها السلطات الأميركية بدعم الجناح السياسي والعسكري لحماس.

وقال المتحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية إن "الخزانة قررت تصنيف الجمعية تحت تصنيف المنظمات الإرهابية لدعمها منظمة إرهابية، حماس التي تقوم باستغلال القطاع الخيري لجمع الأموال وبناء دعم لنشاطاتها الإرهابية، ولم تكن (إنتربال) سوى منظمة رئيسية استخدمت لإخفاء تدفق المال لحماس، بما في ذلك استخدام المنظمات الخيرية الأخرى". 

ويتساءل الكاتبان: لكن ما هو السبب وراء قرار الولايات المتحدة لوضع "إنتربال" على القائمة السوداء، وهل كان مبررا؟

ويجيبان أن كل هذا مرتبط بهجمات سبتمبر، وما تبع ذلك من ملاحقة للجمعيات الخيرية الإسلامية، أي جزء من "الحرب على الإرهاب"، فهناك الكثير منها أغلق وجمدت حساباته مثل "هولي لاند فاونديشن" أو جمعية الأرض المقدسة، التي كانت تعد من أكبر الجمعيات الخيرية المسلمة في أميركا في ذلك الوقت. وفي عام 2008 تمت إدانة خمسة من أعضائها بقائمة طويلة من الاتهامات، بما فيها دعم جماعة إرهابية.

ورغم أن الجمعية لم يوجه إليها الاتهام مباشرة بدعم الإرهاب، ولكن الاتهام كان دعما مباشرا للبنية التحتية التابعة لحماس ويقول النقاد إن الاتهامات كانت تقف وراءها دوافع سياسية، بحسب الصحيفة.

ويشير التقرير إلى أنه في الأشهر التي سبقت تصنيف "إنتربال" منظمة إرهابية، تعرضت الولايات المتحدة لضغوط شديدة من إسرائيل لملاحقة تمويل حماس، وذلك بعد عملية انتحارية نفذها شابان بريطانيان مسلمان في "مايك بار" في مدينة تل أبيب – نيسان/ إبريل 2003، التي  قُتل فيها ثلاثة إسرائيليين.

تحقيق ثان

ويبين التقرير أن القرار الأميركي أدى بمفوضية الجمعيات الخيرية لفتح تحقيق ثان في نشاطات "إنتربال" عام 2003،  الذي برأ ساحة الجمعية مرة ثانية من أية مخالفات. 

وقالت المفوضية إن السلطات الأميركية فشلت بتقديم أدلة لدعم مزاعمها. ورغم كل هذا فقد أدى قرار الولايات المتحدة لخلق مشاكل مالية ضخمة لـ"إنتربال"، ولا تزال وأدت لظهور لاتهامات خبيثة لها، التي دعمتها تسريبات وردت في تقارير إعلامية زائفة، وفق التقرير.
 
ويشرح الكاتبان أنه في عام 2005 حققت "إنتربال" انتصارا قضائيا ضد مجلس الممثلين اليهود بعدما وصف "إنتربال" بالمنظمة الإرهابية، واضطر المجلس لسحب اتهامه. وفي عام 2006 قامت عائلات ضحايا العمليات الانتحارية برفع دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد بنك ناتويست، واتهمته بتقديم خدماته لمنظمة مرتبطة بحماس. وفي العام الماضي رفض قاض أميركي هذه الدعاوى التي تربط ناتويست بالإرهاب، وقالت "إنتربال" إنه لم يتم تقديم أدلة عن وصول أموال منها لجمعيات مدعومة من حماس، أو أن البنك قام بتحويل الأموال المزعومة لهذه الجمعيات. لكن محكمة الاستئناف الأميركية أعادت القضية من جديد ضد ناتويست في أيلول/ سبتمبر.

كما وأجبرت صحيفة "جيروزاليم بوست" للاعتذار لـ"إنتربال" وناتويست في عام 2006، بعد نشرها مقالات احتوت على تعليقات تصف الجمعية بالمنظمة الإرهابية.

ويوضح التقرير أنه بعد ثلاثة أعوام اتهم برنامج "بانوراما" في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) "إنتربال" بدعم منظمات فلسطينية إرهابية، التي تدعم أيديولوجية حماس المتطرفة. 

ويذكر التقرير أن البرنامج زعم وجود صلة شخصية بين عضو مجلس الأمناء عصام مصطفى وحماس. وأدى البرنامج لردة فعل شديدة من النائب العمالية فيليس ستاركي، التي وصفت الفيلم بـ "العار" واتهمته بـ "إعادة انتاج اتهامات وجدت مفوضية الجمعيات الخيرية أن لا قيمة لها". وقالت ستاركي إن الفيلم اعتمد على أدلة تشير "لجرم بالتبعية"، مشيرة إلى أن مسؤولي حماس ستكون لهم علاقة بالجمعيات الخيرية، وذلك بعد فوزهم الساحق في الانتخابات البرلمانية. 

تحقيق ثالث

ويقول الكاتبان إن فيلم "بانوراما" أدى بمفوضية الجمعيات الخيرية لفتح تحقيق ثالث ما بين 2006- 2009، والذي حاول البحث في نفس الاتهامات، وهي أن الجمعية دعمت أيديولوجية حماس من خلال التعاون مع جمعيات محلية مرتبطة بالحركة.

ويلفتان إلى أنه وللمرة الثالثة لم تعثر المفوضية على أدلة تدعم المزاعم، لكنها أي المفوضية وجدت أهمية التدقيق الشديد عندما تختار الجمعية شركاءها المحليين، وأكدت ضرورة مراقبة عملها. وطلبت من "إنتربال" قطع علاقاتها مع "ائتلاف الخير"، الذي صنفته الولايات المتحدة عام 2008 منظمة إرهابية، وقالت إنه قام بنقل أموال لجمعيات تديرها حماس. 

وينقل التقرير عن المفوضية قولها إن عصام مصطفى لا يمكنه المواصلة في عمله سكرتيرا عاما لائتلاف الخير. وطلبت من الجمعية إعداد إرشادات وأنظمة عمل تتعلق بعملها مع شركائها في الشرق الأوسط. وفعلت "إنتربال" ما طلب منها بالضبط، وهو ما دعا مفوضية الجمعيات الخيرية عام 2012 لنشر تقرير تقول فيه إنها راضية عن عمل "إنتربال" وانصياعها  للأوامر القانونية بعد التحقيق الذي قامت به.

صعوبات مالية

ويجد الكاتبان أن تصنيف الولايات المتحدة لوث سمعة "إنتربال" وإن كان بطريقة ظالمة لكنه أيضا أثر على عملياتها المالية. فقد قال بنك ناتويست عام 2007 إنه لن يكون قادرا على مواصلة التعامل مع "إنتربال". وفي 2008 قال بنك لويدز تي أس بي إنه لن يقدم خدماته لـ"إنتربال"، التي فتحت حسابا في البنك الإسلامي البريطاني، رفض لويدز التعليق.  

ويبين التقرير أن بنك أتش أس بي سي وكوبوريتف بانك رفضا التعامل مع "إنتربالط. ومنذ ذلك الوقت لا توجد لدى "إنتربال" عمليات بنكية عادية، ولا يوجد لديها حساب وبطاقة إئتمان يمكن من خلالها التبرع مباشرة. وتعتمد على جمع الأموال نقدا، ويمنع كل من عصام مصطفى وإبراهيم هيويت رئيسي مجلس الأمناء من السفر لكل من كندا وإسرائيل والولايات المتحدة واستراليا.

ويفيد التقرير أنه منذ التحقيق الثالث، الذي قامت به مفوضية الجمعيات الخيرية، ذهبت "إنتربال" لأبعد الحدود في اتخاذ الإجراءات لتأكيد الشفافية في تعاملاتها.

شفافية

ويورد التقرير أن "إنتربال" أصدرت دليلا من 80 صفحة حددت فيه التعليمات والإرشادات التي يجب أن تقود عمل الجمعية. ويتم من خلاله تقييم مشاريع الجمعية الكبيرة وتحديد مخاطرها. وتوقفت الجمعية عن التعامل مع شركاء محليين في قطاع غزة، حيث يتولى مكتبها هناك التعامل مع المشاريع ويقدم لها الدعم مباشرة.

وينفي عضو مجلس الأمناء عصام مصطفى الاتهامات وبشدة التي تقول إن الجمعية أساءت استخدام أموال التبرعات. ويقول إن الجمعية كانت تعمل مع الجمعيات المحلية التي حصلت على ترخيص من السلطات المحلية. فقبل عام 2006 كانت الجمعيات الخيرية كلها مسجلة لدى السلطات المحلية، مبينا أن "الإسرائيليين بإمكانهم شطب وعزل أي عضو في مجلس إدارة الجمعية إن كان غير مناسب أو له علاقة بنشاطات حماس، والسؤال لماذا سمحوا لها بالعمل إذا؟". 

ويعرف جوناثان بينتهول، الزميل الباحث في مركز الرد على الكوارث الإنسانية والنزاع في جامعة مانشستر "إنتربال" جيدا، وعمل في مجال جهود المصالحة بين الحكومات الغربية والجمعيات الخيرية الإسلامية، وقال "احتفظت (إنتربال) بالسجلات الدقيقة كلها، مثل الجمعيات الدولية التي تعمل في الشرق الأوسط. وعندما يرسلون مالا ليتيم في الضفة الغربية  فإنهم يسجلون رقم الطفل الأمني، حتى ولو كان المبلغ 50 دولارا. ويبدو لي أنهم يقومون بعملهم بطريقة لا تدعو للشك ويحاولون لعب الأمور بنظافة".

لماذا تعاني؟

ويقول الكاتبان إن تبرئة الجمعية من أكثر من ثلاثة تحقيقات يعني الكثير، وكذلك الكم الهائل من المقالات والتقارير ومزاعم الصحف خلال السنوات الماضية التي قادت لاعتذار الصحف للجمعية وسحب اتهاماتها. ويجد المعلقون أنه لو كان لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أدلة تؤكد دعم "إنتربال" لحماس لكانت أغلقت الجمعية منذ زمن طويل، ولحاكمت العاملين فيها.

ويرى الكاتبان أن المثير هو موقف الحكومة البريطانية الموزعة بين قرار الحكومة الأميركية ومفوضية الجمعيات الخيرية، فماذا فعلت لممارسة الضغط على الولايات المتحدة كي تشطب اسم الجمعية من قائمة الإرهاب، إن كانت فعلت شيئا، وهل كان بإمكانها فعل شيء؟ وإذا كانت المصالح التجارية على المحك فالحكومة البريطانية كان يمكنها التحرك، ولكن "إنتربال" ليست شركة معروفة، وليست هناك صفقة تنتظر التوقيع.

ويذهب التقرير إلى أن عصام مصطفى يثير الشكوك حول علاقته بحماس، ففي نهاية عام 2013 تعرض لهجوم إعلامي؛ نظرا لظهوره في شريط فيديو إلى جانب زعيم حماس في غزة إسماعيل هنية، وشارك في أغنية تمجد الجناح العسكري لحماس، كتائب عز الدين القسام والاستشهاد. لكن مصطفى يقول إنه رفع أصبعه مرة واحدة عندما ورد اسم الإسلام في الأغنية. 

ويرى إبراهيم هيويت وغيره ممن لهم معرفة بالعمل الخيري في غزة إنه من غير الممكن تجنب التعامل مع حماس التي تحكم القطاع.

وتنقل الصحيفة عن أوليفر ماكتيرنان مدير "التفكير المتقدم"، الذي يصف معاملة "إنتربال" بأنها خارج التصور، قوله إن لقاء مصطفى مع قائد حماس "مقبول جدا، فأي شخص بارز يزور غزة ويقوم بعمل خيري ولديه فريق عمل هناك ويعتمد على أمن الحكومة في غزة فمن المناسب أن يجد وقتا ويقابل رئيس الوزراء هنية، فالتعامل لا يعني الموافقة".

ويخلص الكاتبان إلى أن عمل "إنتربال" في الشرق الأوسط هو تحد كبير، ويواجه صعوبات بسبب القيود عليها. بريطانيا تحب نشر العدل والتسامح، لكن هاتين الكلمتين لم تطبقا على تجربة "إنتربال" طوال العقدين الماضيين. وإن كانت "إنتربال" أو أي من فريقها مذنب او ارتكب جريمة فيجب أن يواجه العدالة، وإن لم يكن فيجب تركه وشأنه كي يواصل عمله. 

ويختم الكاتبان تقريرهما بالإشارة لقول إبراهيم هيويت "إن كانت هناك نشاطات غير مشروعة، فيجب وقفها بالوسائل كلها، لكن يجب ألا تمنع من يريد عمل الخير. عيد ميلاد سعيد، وواصلي العمل الإنساني الجيد".