عاد ماهر إلى منزله في إحدى قرى
جبل الزاوية في يوم مشمس، بعد مرور ثلاثة أيام على البرد والصقيع والثلج، لكنه لم يجد إلا بقايا لمنزله الذي كان مدمراً بشكل كامل، كما دمرت ثلاثة منازل أخرى بالقرب منه، مما أدى إلى مقتل اثنين من أقربائه، وإصابة عدد من الأطفال.
يقول ماهر: "معظم أبناء القرية نزحوا إلى خارجها لتعرضها للقصف المستمر والغارات الجوية، لكننا هذه المرة كنا مطمئنين بأن النظام لن يقصف بسبب العاصفة الثلجية التي ستحول بيننا وبين طائراته، ولكن (النظام) هو الآخر استغل صفاء الجو ليشن عدداً من الغارات على عدة مناطق في جبل الزاوية، وكانت إحدى هذه الغارات على منزل ماهر وأقاربه".
وفي أثناء محاولة ماهر البحث عن بعض الأغراض والأشياء بين ركام منزله، قال: "لقد عادت العاصفة الثلجية اليوم من جديد، ولم نعد ندري أين نذهب، فحتى الطرق المؤدية إلى القرية كلها أغلقت، ولم يعد بالإمكان الذهاب إلى مكان آخر، إضافة إلى أنني مع زوجتي وأولادي لا نملك إلا الثياب التي نرتديها، فقد دُمرت كل أغراضنا، وأحرقت في المنزل، فلم نكتف بالغارات الجوية والقصف الذي لا يتوقف، فكانت العاصفة الثلجية مأساة جديدة تضاف إلى مأساة النزوح والقتل والدمار المستمرة".
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن البسمة لم تفارق شفاه ماهر، الذي قال ممازحاً أحد أقاربه: "عندما بلغني أن الطائرة قصفت هنا خشيت أن تموت في هذا الجو البارد والثلج الكثيف، فإن حفر القبر صعب جداً، فكنت ستتعبنا حياً وميتاً".
وفي نهاية حديثه معنا، قال ماهر: "لا يهم، كل شيء يعوض طالما أنني وعائلتي بخير، وأسأل الله أن يرحم أقربائي وأن يشفي الأطفال الذين جرحوا من غير ذنب اقترفوه، إلا رغبة النظام المجرم في سفك المزيد من الدماء". ثم ودعنا وذهب ليبحث عن مكان يأوي إليه مع عائلته مع اقتراب درجات الحرارة من الصفر.
أما الحاج أبو عبد الرحمن، الذي التف بشماغه الأحمر ولبس فروته السميكة، وخرج ليتمشى في شوارع القرية ويتفقد أحوالها بعد أن غطى الثلج كل شيء، فيقول: "لم تشهد المنطقة منذ أعوام كثيرة شتاء مثل هذا الشتاء، فعندما كنا أطفالاً صغاراً تعرضت المنطقة لشتاء قاس استمر فيه الثلج والصقيع طول فترة الشتاء، وهذا العام يكاد يكون قريباً من ذلك العام، لكن الفرق أننا لم نستطع أن نهيئ أنفسنا".
وبيّن أن معظم الناس نزحوا من بيوتهم إلى المخيمات في المناطق الحدودية، وقسم آخر إلى الكهوف والمغاور التي قاموا بتجهيزها بشكل بسيط ليقيموا فيها ويتخذوها مكاناً للسكن.
ونتيجة لاستمرار القصف والغارات الجوية على قرى جبل الزاوية، فإن معظم أهلها قد هجروها، إلا البرد الشديد والثلج المستمر دفع عدداً كبيراً من الناس للعودة إلى بيوتهم، وخاصة التي لم يطلها الدمار، لكي يقوا أنفسهم البرد الذي لا يمكن احتماله. فانخفاض درجات الحرارة في الجبال المرتفعة أدى إلى تحول الثلج إلى جليد يستغرق وقتاً طويلاً حتى يذوب.
ونتيجة لانقطاع الطرق المؤدية إلى القرية، فإن احتياجات الناس لم تعد تصل إليهم وخاصة مادة الخبز التي تصلهم من القرية المجاورة، حيث قال أبو يوسف إن "الثوار قاموا بإيصال الخبز إلى القرى التي قطعت طرق الوصول إليها عن طريق استخدام سيارات خاصة، وفتح بعض الطرق الضرورية لتأمين احتياجات الناس".
ويضاف إلى معاناة أبي يوسف عدم القدرة على تأمين مواد التدفئة، حيث إن ارتفاع سعر الوقود غير المتوفر أصلاً، مع عدم وجود الحطب نتيجة اعتماد معظم الناس في المنطقة عليه في عملية التدفئة، زاد الطين بلة، على حد قوله.
ولم ينس أبو يوسف أن يذكرنا بخرافه التي ما زال منذ الصباح يحبسها في الحظيرة، وقد أزعجه ذلك كثيراً، حيث إنه لم يجد ما يطعمها حتى الآن لعدم وجود علف لها وعدم مقدرته على شراء العلف. ونتيجة استمرار سقوط الثلج لم يستطع إخراجها من أجل الرعي في الأحراش القريبة.
وحسب قوله، فإن هذه الخراف هي مصدر رزقه الوحيد، وأنه لا يجد له عملاً آخر، وقال إنه يستشعر بأن هذه الخراف تعيش مأساة قريبة من مأساته ومآسي الناس في المنطقة.