استشهدت شيماء الصّباغ على أيدي مجرمي الداخلية، فانهال طوفان التصريحات الرخيصة على ألسنة زمرة من المنافقين.
كان مشهد استشهاد شيماء مزلزلاً لقلوب المصريّين الذين ما زالت عقولهم وقلوبهم لم تتلوث بجرثومات الإعلام العسكري الموجهة على أيدي الإعلاميين "بتوعهم".. شابة وأم لطفل صغير، تحمل وردا وحلم ثورة نهشها السرطان العسكري الذي تفشى في المحروسة منذ الثالث من يوليو 2013.
خرج تجار سياسة الدم -الذين رقصوا على جثث و أشلاء الآلاف من الشهداء الذين قتلوا على يد جنرالهم المعبود- عن صمتهم، يذرفون الدمع المزيف على الشهيدة الطاهرة، وكأنهم لم يرقصوا ويهللوا ويحرضوا ويباركوا قتل أسماء البلتاجي والآلاف من إخوانها وأخواتها المعتصمين عند الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة ومسجد الفتح ورمسيس والمنصورة ودلجا وناهيا وحلوان والمطرية وسيناء، و..و..و..
كأنهم لم يروا الشهيدة سندس أبو بكر، هذه الملاك البريء الطاهر ذات السبعة عشر ربيعا التي استشهدت قبل الشهيدة شيماء الصّباغ بساعات قليلة. هل لأن سندس أبو بكر كانت ترتدي غطاء للرأس فأعمى هذا الغطاء قلوبهم؟ هل ارتداؤها غطاءً للرأس يجعلها من الإرهابيين الواجب قتلهم دون أن يتحرك لهم طرف.. هل الملاك البريء أسماء البلتاجي تستحق القتل برأيهم للسبب ذاته؟ أم لأن والدها -فك الله أسره هو وكل المعتقلين- خصمهم السياسي؟! لماذا لم نسمع لهؤلاء همساً لاستشهاد الملاك الطاهر حبيبة عبدالعزيز؟! هل بسبب غطاء رأسها أيضا؟! أم لأن والدها كان مستشاراً إعلامياً للرئيس المنقلب عليه؟! لماذا لم تنتفض أوصالهم ويمتد نحيبهم المزيف لاستشهاد عروس الجنة الشهيدة هالة أبو شعيشع؟! الغريب أنها أيضاً ترتدي غطاء للرأس! هل هذا هو السبب، أم لأنها كانت تسير في مسيرات ترفض الانقلاب الدموي المجرم لجنرالهم المعبود.. هل يعتبر هؤلاء كل من يرتدي غطاءً للرأس (حجاب المسلمة الذي ترتديه غالبية
المصريات المسلمات) من الإخوان.. وأن كل الإخوان مستباحو الدم؟!
إن أكثر ما يؤلم أن تسمع عبارة: (قتلوا شيماء.. دي حتى مش إخوان).. وكأن المصريين الذين ينتمون فكرياً للإخوان المسلمين بات قتلهم شيئاً عاديا. لماذا لا ينبري مثقفو وكتاب وسياسو العسكر من مدعي الحريات والحقوق للجميع للدفاع عن حق هؤلاء البنات في الحياة؟ لماذا لم يكتب عنهن علاء الأسواني كما كتب متحسراً على الشهيدة شيماء؟! هل كان حمدين صباحي تحت تأثير مخدر عندما رأى دماء هؤلاء ثم أفاق أخيراً على دماء شيماء؟! أم إن تنفيذ أوامر التصوير في دوره الدرامي في فيلم "جعلوني كومبارس" ومشهد نهايته المؤثر الذي جاء بقاتلهم رئيساً كان يشغله عن متابعة الأخبار؟! لماذا لم ير العم جورج إسحق الذي عين في مجلس حقوق الإنسان بأوامر من جنرالهم المعبود أن مقتل هؤلاء البنات يستدعي التحقيق فيه والانبراء للدفاع عنهن كما فعل مع شيماء الصّباغ؟! لماذا لم تر هالة شكر الله أن مقتلهن قد نقلنا بالفعل للجنون واللامعقول، كما رأت أن مقتل شيماء الصّباغ فعل هذا؟!
أكثر التعليقات مدعاة للأسف والغثيان على استشهاد شيماء الصّباغ، كانت من محمد أبو الغار الذي شكا قاتلها إلى نفسه. آه والله، في تصريح له في جريدة الشروق بتاريخ الثلاثاء 27 يناير كتب ما نصه: (سيدي الرئيس أشكوك نفسك)! نعم هو سيدك نحن نعلم هذا بالضرورة، لكن كيف تشكو قاتلا إلى نفسه؟! لماذا نمت واطمأن قلبك ومنامك حين ذبحت سندس وأسماء وهالة وحبيبة وقض مضجعك مقتل شيماء فبت لا تستطيع النوم؟
أيها السادة أنتم تفرقون في دماء المصريّين فتحتفلون وترقصون بقتل الآلاف منهم وتنتفضون لمقتل بعضهم الآخر إذا كان منتميا لكم فكرياً أو سياسيا. تمجدون قاتلهم في موضع سحق وقتل فيه مختلفون فكرياً وأيديولوجيا معكم لتتخلصوا منهم أو طمعاً في مناصب رخيصة أو حظوة مزيفة وقرب من سلطة تقتلهم، ثم تذرفون دموع التماسيح لمقتل بعضهم الآخر إذا كان من تياركم الفكري أو السياسي. تعبدون جنرالاً مجرماً من دون الله.. تتقربون إليه.. حتى صرتم لا تستطيعون أن تشكوه إلا لنفسه.. لا حتى لقضاء مداس ببيادته العسكرية.. قبل أن تشكوه لله.
إن دماء شيماء الصّباغ أطهر من كل من يزايد عليها زوراً، وأطهر من أن تحتاج إلى أن تظهر نخباً قد شاخت وتشبعت دون أن تدري بعداوات أيديولوجية تاريخية ورثتها من عصور دكتاتورية نشأت وترعرعت فيها. إرث بغيض أفقدها قدرتها على التمييز بين ما هو سياسي وما هو إنساني..
إن السوءة الأكبر لاستشهاد بنات المصريين، ليست في قتلهن، فهن إن شاء الله في جنات منعمات محرومات مما نراه نحن ونعانيه في وطن بات منزوع الإنسانية. إنما السوءة الكبرى هي أن استشهادهن وقع على يد جنرال مجرم كشف لنا عن عنصرية بغيضة وشوفينية كريهة ومكارثية مستمرة غير عابرة متسقة مع نفسها ومعلنة منذ سبعة عشر شهراً، تميز بين دماء المصريين.. عنصرية كانت تعيش بيننا ولم نكن ندري بها، وليتنا لم نرها لأنها موجعة.
على هذه النخب الشائخة المتشبعة بهذا الإرث الكريه أن تترك لشباب طاهر في أحزابها وتياراتها دفة القيادة والعمل، حتى لا تورثها دون أن تدري هذه الأمراض الإنسانية المستوطنة، فنحن قد فقدنا فيهم الأمل بالكلية وأملنا في جيل شاب حي يخرج من رحم هذه الثورة يعمل ويتنافس ويتكامل لبناء دولة تحترم الإنسان حقا..
النخب الشائخة التي تدعي المدنية والديموقراطية والإيمان بالحقوق والحريات، وهي تنادي بها من فوق ظهور الدبابات عليها أن تتوارى عن أعين المُستقبل.. ألا تموتون خجلا؟!
* الموقع الرسمي للمهندس/ حاتم عزام
www.hatemazzam.com