حقوق وحريات

الأردن يشن هجمة مرتدة على الإصلاح

يسيطر الحرس القديم على القرار في الأردن - بترا
"ما جرى إصلاح تجميلي، لكنه لا يعالج التحديات، التي تواجه الأردن".. بهذه العبارات وصف المسؤول الأردني السابق ونائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي الدكتور مروان المعشر الإصلاح في الأردن، وذلك في محاضرة له بالعاصمة عمان، بعنوان "ما بين إصلاح الهوامش وإصلاح الجوهر".

وشغل المعشر مناصب وزارية، من أبرزها نائب رئيس الوزراء ومسؤول الأجندة الوطنية للإصلاح التي وضعتها الحكومة الأردنية قبل سنوات ولم تر النور. إلا أنه بات متشائما بعد خروجه من المنصب الحكومي من جدية النظام الأردني في الإصلاح.

وعزز تصريحات المعشر "هجمات مرتدة" على الإصلاح والحريات في المملكة التي قدمت تنازلات "مؤلمة" في الإصلاح عامي 2012 و2013، بحسب وصف رئيس الحكومة الأسبق ورئيس الديوان الملكي الحالي فايز الطراونة المحسوب على التيار المحافظ.

أما أمين عام حزب الوحدة الشعبية اليساري المعارض الدكتور سعيد ذياب فيقول: "هذا الارتداد يتوافق مع واقع اقتصادي صعب يتفاقم يوما بعد يوم بسبب نفس النهج الاقتصادي الذي تسير عليه الحكومة".

ورأى ذياب في حديث لـ"عربي21" أن "الإصلاح الوحيد الذي تم إنجازه هو تعديل قانون الاجتماعات العامة، بينما كانت باقي التعديلات الدستورية شكلية، إذ إنه لا يتوفر مناخ ديمقراطي صحيح وإرادة حقيقية لعملية الإصلاح بسبب سيطرة الحرس القديم وقوى الشد العكسي، التي ترى في ما يمر به الوطن العربي من احتراق داخلي وتآمر خارجي فرصة لإحكام قبضتها على السلطة والارتداد بالوضع إلى الخلف، وإعادة الأيام الخوالي التي كانت تتحكم فيه هذه القوى بحرية الناس وأرزاقهم وحقوقهم التي كفلها الدستور".

المملكة التي قدمت تعديلات دستورية "غير مرضية" حسب المعارضة الأردنية، شنت حملة اعتقالات بصفوف الناشطين السياسيين والنقابيين مؤخرا، بالإضافة لفرض قيود على حرية التعبير شملت اعتقال صحفيين مؤخرا وإغلاق موقع إلكتروني، على خلفية نشر أخبار حول صفقة التبادل المفترضة بين الأردن والدولة الإسلامية.

وتوقع أن "تشهد المملكة المزيد من الاعتقالات بسبب الارتداد عن الإصلاح المدعوم دوليا"، ويقول إن هنالك قبولا أمريكيا لكل الذي يجري في الأردن تحت شعار محاربة الإرهاب، فنحن أمام تناغم بالموقف السياسي يدعم هذه الحكومة والتوجهات التي تسير عليها، من خلال التضييق على حرية الرأي والتعبير وممارسة الحقوق التي كفلها الدستور الأردني". 

إعادة إنتاج الحراك

ودفعت أجواء الاعتقالات والتضييق، الناشطين للتفكير بإعادة إنتاج الحراك المطالب بالإصلاح، بعدما خفتت شعلته في عام 2013، لأسباب داخلية وخارجية.

الناشط في الحراك الشبابي هشام الحيصة، رأى في حديث لـ"عربي21"، أن "الأسباب التي دفعت الحراك للخروج في عام 2011 ما زالت موجودة، لا بل إن الأمور زادت سوءا من الناحية الاقتصادية، مع الفارق أن حالة الوعي المجتمعي زادت كثيرا في فترة الحراك الشعبي، فأصبح المواطن يعي أماكن الخلل الذي زاد من الفجوة بين صانع القرار والشعب، وأوجد حالة متزايدة من فقدان الثقة".

 ولا يخفي الحيصة الذي اعتقل أكثر من مرة بتهم "إطالة اللسان وإثارة الفتنة" أن الحراك الإصلاحي يمر بحالة من الضعف والتراجع، إلا أنه يؤكد جهود الحراكات الشعبية لإعادة الزخم للحراك.

جهود واجهتها الحكومة الأردنية بضربة استباقية سبقت لقاء تنسيقية حراك محافظة إربد (شمال المملكة)، تمثلت في اعتقال ناشطين بعد دعوتهم لإطلاق مبادرة بتأسيس تنسيقية جامعة لكل الحراكات في المحافظات الأردنية.

اعتقالات اعتبرت تنسيقية حراك إربد أنها تهدف "لخلق بؤر التوتر والفوضى في كل أنحاء الوطن وفي كل المجالات، خاصة في مجال الاعتقال السياسي للناشطين والحراكيين، لإبعاد الأردنيين عن منظومة النضال السلمي لتحقيق أهداف الأردنيين السياسية والاقتصادية التي تصب في مصلحة الوطن وأبنائه والزج بهم في أتون دوامة عنف لا يحمد عقباها، حتى يهيئ الساحة لتنفيذ أجندته المشبوهة والمتمثلة بنهج التبعية للأعداء المناهضين للمشروع الحضاري والتنموي للأمة بأكملها".
 
وكشف محامي الدفاع عن المعتقلين، أن تحقيقات جهاز المخابرات العامة معهما تركزت حول منشورات لهما على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" انتقدت رفع صور مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في مسيرة باريس التي شارك فيها العاهل الأردني، كما أنها انتقدت مشاركة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في مسيرة ضد الإرهاب.

الحكومة الأردنية وعلى لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق باسم الحكومة محمد المومني، أكدت أنه "لا يوجد معتقلون سياسيون في الأردن، إنما هم أشخاص خالفوا القانون وتنظر المحاكم في أمرهم". وهو تصريح ما انفك يؤكد عليه كل من رئيس الحكومة الأردنية عبد الله النسور ووزير التنمية السياسية، المعارض السابق، خالد الكلالدة.

 واستمر الحراك الشعبي الأردني في فعالياته طوال عام 2012 وتعرض الكثير من أبنائه للاعتقال من الأجهزة الأمنية؛ اعتقالات لاحقتهم حتى عام 2014 عندما أعادت حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور توجيه تهم للناشطين في الحراك الشعبي بأثر رجعي، كان أبرزها تقويض نظام الحكم وإطالة اللسان، لتعود الاعتقالات وتتجدد في العام الحالي لتشمل نحو 20 ناشطا.

رئيس لجنة عمال المياومة في المؤسسات الحكومية محمد السنيد، الذي أفرجت عنه مؤخرا بعد اعتقال لمدة أربعة أشهر بتهمة إطالة اللسان، رأى أن الظروف مهيئة لإعادة إنتاج الحراك من جديد كون الأجواء السياسية والاقتصادية التي تسيطر على المملكة لم تتغير، على حد قوله.

ودعا في حديث لـ"عربي21"، إلى تجاوز أخطاء الماضي والتركيز على دعم الحراك في المحافظات الأردنية، والبقع الحساسة التي يخشاها النظام الأردني لوجود نسبة كبيرة من الموالين، مطالبا الأحزاب السياسية والناشطين الأردنيين "بإفساح المجال أمام الأغلبية الصامتة وعدم محاولة الهيمنة على الحراك".

ووظفت الأجهزة الأمنية الأردنية ما يجري في الإقليم من حروب ونزاعات، كفزاعات لإخافة الأردنيين من المصير نفسه، مقدمة الأمن والاستقرار على الإصلاح. ويوافق على ذلك الكاتب والمحلل السياسي عمر كلاب الذي أكد أن "المواطن الأردني وصل لمرحلة يقبل فيها الانتهاكات الحكومية مقابل الأمن والاستقرار".

وتساءل كلاب: "إذا لم يتوفر للإصلاح حاضنة شعبية، فمن سيحمي الإصلاح؟.. هل نتوقع أن تأتي الحكومة طوعا وتقدم الإصلاحات. هذا مستحيل!.. يجب أن يكون هنالك حاضنة سياسية وشعبية للإصلاح. لكن، على القوى السياسية أيضا إعادة ترتيب نفسها، وخصوصا الأحزاب التي يجب أن يكون عندها قدره على الابتكار. يجب أن يعود الحراك السياسي".

انتقادات حقوقية

ووجهت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها العالمي 2015، نقدا لاذعا للحكومة الأردنية واصفة ما تقوم به الحكومة من إصلاحات بأنه مجرد "حبر على ورق"، وقالت المنظمة إن مبادرات الإصلاح الأردنية التي أُطلقت عام 2014 أخفقت في وضع حد للانتهاكات طويلة المدى، في حين تواصل السلطات الأردنية ملاحقة واعتقال المدنيين بسبب توجيه الانتقادات السلمية.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "في الوقت الذي يتباهى فيه الأردن بمبادراته الإصلاحية، يقوم المُدعون العامون باعتقال الناشطين ورموز المعارضة في جرائم متعلقة بحرية التعبير"، وأضافت أنه "لن يكون للضمانات الدستورية قيمة أكثر من الحبر الذي كتبت به، ما لم تبادر السلطات إلى التخلص من المواد القانونية في قانون العقوبات، التي تستخدم لتقويض هذه الضمانات".

وكانت مهلة الثلاث سنوات التي مُنحت للمشرعين الأردنيين، من أجل تعديل التشريعات لتصبح متوافقةً مع الضمانات التي وفرتها التعديلات الدستورية لعام 2011 للحريات الأساسية، قد انتهت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، دون إجراء إصلاحات جذرية على مواد قانون العقوبات الذي تستخدمه السلطات لتقييد حرية التعبير وحرية التجمع.

سلسلة بشرية للتضامن مع المعتقلين

وتنظم الحملة الشعبية للتضامن مع معتقلي نقابة المهندسين لدى الأجهزة الأمنية الأردنية، سلسلة بشرية، بالتعاون مع طلاب الجامعات الأردنية مساء الأحد في شارع الجامعة الأردنية.

وقال الناطق باسم الحملة الأسير المحرر من السجون الإسرائيلية المهندس مازن ملصة، والمعتقل سابقا لدى الأجهزة الأمنية، إن "هذا النشاط يأتي استمرارا لسلسة من الفعاليات نظمها الأهالي، والحملة للتضامن مع هؤلاء الأحرار الذين اعتقلوا وفق قانون الإرهاب الجديد، وقد جرى التحقيق معهم عن دعم المقاومة الفلسطينية. فهل دعم المقاومة إرهاب يستحق فاعله الاعتقال؟".