"م.م".. شاب ينحدر من قرية تطل على البحر المتوسط من بعيد على ارتفاع يصل إلى ألف متر في الساحل السوري، كان يحلم مع خطيبته منذ ثلاث سنوات بالاستقرار في بيت صغير في هذه القرية، لذا تطوّع في قوات النظام السوري كطريق واضح له آنذاك لتحقيق الحلم براتب شهري يجعله لا يحتاج لأحد، على حد قوله.
قضى "م.م" سنتين في قوات النظام، لم يسدّ خلالهما راتب هذه الخدمة الزهيد رمق عيشه وحاجات أبويه العجوزين، فهو ابن لأمٍّ في الستين ووالد في الثمانين، وهما عاجزان ينتظران "نعمة الموت"، كما يقول لـ"
عربي21"، فما كان منه إلا أن ترك
الجيش وأرسل بندقيّته لقطعته العسكريّة مع وعد قاطع بعدم حمل السلاح والقتال مع أحد، وفق قوله.
وحول الأسباب الكامنة وراء فعله هذا، يقول "م.م.": "عندما ذهبت للجيش كنت أخطط للزواج بعد أشهر (..)، ولكنّ الأسعار التي بدأت بالغليان باتت تعرقل أحلامي، ولم يعد راتبي يعينني على تحمل حاجات أبي وأمي العاجزين، فانتظرت وصبرت. ففي الشتاء الماضي استطعت شراء المازوت لتأمين الدفء للعجوزين، لكنّ والدتي لم تستطع شراء أكثر من خمسين ليتراً احترقوا بشهر واحد في هذا الشتاء القاسي".
يتابع: "في إجازتي الأخيرة وصلت للبيت و(كانت) وسيلة التدفئة التي يعتمد عليها والداي هي البطانيّات، وبتّ أشعر أن موتهم بسبب البرد وارد، وأنّ هذا الحال قد يقضي عليّ كولد أخذ على عاتقه أمانة العناية بوالديه".
ويضيف لـ"
عربي21": "في البداية لم ألتحق بالموعد المحدد لنهاية الإجازة في جيش النظام، لأنني كنت أقضي وقتي في جمع الحطب لوالدي، ومن ثم اشتريت مدفأة حطب وعادت الحياة إلى شبه عاديّة في بيتنا، لكنّ
الفقر والجوع ما زالا يلتهمان جلد والدي، فقررت العمل كحطّاب، بدل ذهابي للجيش الذي أخذ سنتين من عمري دون جدوى، ومن دون أن أعرف بالضبط لِمَ أحمل السلاح، ولِمَ سأضحي بحياتي ووالداي يأكلهما البرد والجوع".
وحول موقف خطيبته من عمله كـ"حطّاب"، يجيب "م.م" أنه في البداية تملّكها خوف شديد على مصيري، ولكنّ مستقبلنا الذي بات محكوماً إمّا بالموت او العجز أصبح أكبر بكثير من هذا الرهاب، وعندما شرعت بالعمل كحطّاب، أصبح لدينا خطّة واضحة للزواج، وأصبحنا قادرين على التفكير في الأشهر القليلة القادمة بخطوةٍ كهذه.
وعن احتمال عودته للقتال، يقول "م.م." لـ"
عربي21": "أرسلت بندقيتي مع أحد العائدين من إجازاتهم، وبعثت لهم برسالة مفادها أنني باقٍ هنا، ولن أعاود الذهاب لحفر الموت هناك، وأنني سأعيش هنا مما تمنحني إياه هذه الطبيعة، فالفقر يحتمل لكنّ استهبالنا بهذه الطريقة لا يحتمل".
"م.م" هو واحد من شبّان كثر تركوا الجيش وعادوا لقراهم، ففي القرية التي ينتمي لها "م.م"، وتقع على مشارف مدينة جبلة، هناك أكثر من خمسة شبّان تخلوا عن التطوع في قوات النظام، ولا مشكلة لديهم بألا يغادروا قراهم لسنة أو لسنتين أو حتى لبقيّة حياتهم.