يدفع الطفل السوري باهظا ضريبة الحرب الدائرة في
سوريا؛ من مستقبله الذي يمثل مستقبل البلاد، كما أنه يعيش وضعا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا صعبا، لا بدّ أن ينعكس على سلوك الطفل، ويؤثر في عقله وطريقة تفكيره.
وفي المناطق السورية التي يسيطر عليها
تنظيم الدولة؛ يمثل
الأطفال هدفا مهما لزرع أفكار التنظيم في أدمغتهم، وتنشئتهم على مناهجه التعليمية والتربوية الخاصة.
وبحسب الشيخ محمد سعيد من ريف حلب؛ فإن "الطفل يُعد أكثر المتأثرين بمحاولات التنظيم تغيير بنية المجتمع الفكرية والعقائدية".
وأضاف لـ"
عربي21"، أن "دماغ الطفل عبارة عن صفحة بيضاء تكتب فيها ما تشاء، على خلاف الكبار الذين يملكون نوعا من المناعة ضد تشدد تنظيم الدولة"، على حد تعبيره.
ومع سيطرته على أراض واسعة من سوريا؛ فقد سارع تنظيم الدولة إلى إغلاق المدارس الحكومية. وقال أحد مسؤولي التعليم في التنظيم بمدينة منبج لـ"
عربي21"، إن هدفنا من هذه الخطوة "قطع أية صلة بين أبنائنا، وبين المناهج العلمانية الملحدة التي حاول النظام البعثي النصيري من خلالها تخريب العقول، والسيطرة عليها"، مشيرا إلى أن المدارس ستفتح أبوابها العام القادم، بمناهج جديدة "قائمة على الكتاب والسنة".
أما المدرس "ياسر" من ريف حلب؛ فيقول لـ"
عربي21": "سنرسل أبناءنا إلى مدارس التنظيم، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا".
عمالة الأطفال
وساهم إغلاق المدارس في مناطق تنظيم الدولة؛ في تعزيز مشكلة عمالة الأطفال بشكل لافت، بحسب "أبو علي" الذي يملك ورشة خياطة في ريف حلب.
وقال أبو علي لـ"
عربي21" إن "معظم الأهالي دفعوا أبناءهم لسوق العمل، فذلك خير من الجلوس في البيت واللعب بالشارع، لكنّ المؤلم أن معظمهم لا يعمل بحرف تعينهم في المستقبل".
ويجوب الأطفال الشوارع بحثا عن مادة البلاستيك وما شابهها من مواد يمكن أن تُباع، أو يديرون بسطات لبيع المحروقات. يقول الطفل أحمد (12 عاما) وهو يشير إلى "بسطته": "أساعد والدي بعد أن أوقف النظام راتبه، وأحقق مكسبا جيدا، وعملي مريح، وكما ترى فإن عندي مظلة تحميني من حر الشمس والمطر".
ومنع أغلب الأهالي أطفالهم من اللعب في الحدائق والمتنزهات، وخاصة في المدن، خوفا عليهم من القصف، وخشية أن "يتفوهوا بكلمات يعدها تنظيم الدولة مسيئة؛ فتعود وبالا وحسرة عليهم وعلى ذويهم"، بحسب أم مجد من ريف حلب الشرقي.
وقالت أم مجد لـ"
عربي21" إن تنظيم الدولة "ضيّق علينا في الخروج من منازلنا، وأخشى نزول ابني الصغير مع إخوته إلى الشارع، فقد يتكلم بإحدى الكلمات التي يسمعها من التلفزيون، ونعاقب نحن عليها، كما أخشى أن يختلط ابني الأكبر برفاق قد يسوقونه للانخراط في تنظيم الدولة".
أشبال الخلافة
وأنشأ تنظيم الدولة معسكرات خاصة بالأطفال، أسماها معسكرات "أشبال الخلافة"، ودفع عددا منهم للمشاركة في المعارك، وجزّ رؤوس "الكفار والمرتدين"، والتفاخر والتباهي بذلك. يقول الشيخ ناصر من ريف حلب الشرقي: "تمكن التنظيم من غسل عقول بعض الكبار؛ فما بالك بالأطفال، الذين يعتقدون أنهم يقومون بأعمال بطولية. ففي معركة بلدة أخترين في شهر آب/ أغسطس من العام الماضي، كلف التنظيم طفلاً بجز رأس الشيخ أبي عبد السميع وحمله".
ويشتكي بعض الأهالي من عدم تمكنهم من السيطرة على أبنائهم المعجبين بتنظيم الدولة، مشيرين إلى أنه يقوم "بحشو رؤوسهم بمفاهيم صحيحة لكن بشكل مغلوط، كقولهم إن طاعة الله مقدمة على طاعة الوالدين، ما يتسبب بعقوق الآباء والأمهات بحجة عدم طاعتهما في معصية الله"، بحسب ما يقول محمود من مدينة منبج.
وأضاف لـ"
عربي21": "أثناء وجود أحد الضيوف في بيتي؛ سمعت طرق الباب بعنف، وإذ برجال الحسبة التابعين لتنظيم الدولة يداهمون البيت، طالبين البطاقة الشخصية للضيف، لأكتشف فيما بعد أن ابني الصغير (11 عاما) قد أخبرهم بأن الضيف يدخّن، وشعرت حينها بالحرج الشديد، دون أن أتمكن من فعل شيء".