كتب بورزو دارغاهي في صحيفة "فايننشال تايمز"، عن نهب
المليشيات الشيعية لمدينة
تكريت بعد خروج قوات
تنظيم الدولة منها.
ويقول دارغاهي في تقريره: "عندما قام المتشددون من أتباع تنظيم الدولة في
العراق والشام بالهجوم على مدينة تكريت العام الماضي، هرب أستاذ الكيمياء الحيوية نزار أحمد ناجي؛ خوفا على حياته. فقد عبر دخول المتشددين إلى مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين عن هجوم مدمر وساحق للجهاديين".
ويتابع الكاتب بأنه "بعد عام تقريبا قام الجيش العراقي المدعوم من المليشيات الشيعية والغارات الجوية الأمريكية باستعادة المدينة مرة أخرى. وبالنسبة لناجي، الذي يعيش الآن في مدينة كركوك، فإن النصر كان (حلوا ومرا). فبعد أيام من انتهاء قتال الجهاديين، قامت المليشيات الشيعية بتدمير وحرق عدد من البيوت، بحسب شهود عيان وأدلة مصورة حصلت عليها (فايننشال تايمز)".
وتنوه الصحيفة إلى أن الميليشيات استهدفت حيا في تكريت يطلق عليه اسم "إسكان الضباط"، وهو حي يقيم فيه من يوصفوا بأنهم موالون لصدام حسين، بالإضافة إلى أبناء الطبقة المتوسطة من أساتذة الجامعات ومسؤولي البلدية، الذين كانوا للتو قد أنهوا الثانوية العامة عندما تمت الإطاحة بصدام.
وينقل التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، عن ناجي قوله: "بعض البيوت المستهدفة هي ملك ضباط عملوا في الجيش العراقي أثناء الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات من القرن الماضي".
وتبين الصحيفة أن ناجي علم أن بيته من ضمن البيوت التي دمرت، بعد تلقيه مكالمة هاتفية وصور فيديو تظهر الدمار الذي حصل للبيت، أرسلها له أحد أقربائه؛ ويتساءل ناجي: "من فعل هذا ببيتي؟ إنها المليشيات المدعومة من إيران".
ويذكر التقرير أن "نهب حي كامل بهذه الروح من الانتقام، يسلط الضوء على المخاطر الطائفية التي تواجه العراق، وهو يحاول تخليص البلاد من تنظيم الدولة، معتمدا على خليط من القوات الأمنية التي تسيطر عليها مليشيات شيعية، بعضها تلقى تدريبا في إيران، أو أعلن البيعة لمرشدها الأعلى آية الله علي خامنئي".
ويجد دارغاهي أن "التدمير الذي لا مبرر له جاء على الرغم من النداءات للمقاتلين بضرورة التزام السلوك الأخلاقي في ساحة المعركة، وقد وجهها كل من رئيس الوزراء حيدر العبادي والمرجعية الشيعية، مع وضع المليشيات ظاهريا تحت سيطرة الحكومة المركزية".
ويفيد التقرير بأن الحكومة العراقية وضعت متطوعي ما يعرف بقوات الحشد الشعبي، التي تضم مليشيا شيعية وعصابات من الشبان الذين يريدون قتال تنظيم الدولة، تحت إدارة رئيس الوزراء. وكانت قوات الحشد الشعبي في السابق تحت إمرة قادة المليشيات، بينهم وزير النقل السابق هادي العامري، وأبو مهدي المهندس، وكلاهما على علاقة وثيقة بإيران.
ويرى الكاتب أن "تصرفات المليشيات في تكريت، في العملية التي حظيت باهتمام واسع ومراقبة دولية، لا تبشر بخير، ولا تخدم المستقبل، في بلد يحاول السيطرة على مناطق تنظيم الدولة، دون تهميش السنة، الذين كانوا عرضة للجماعات المتشددة منذ الغزو الأمريكي عام 2003، الذي أطاح بنظام صدام حسين".
وتورد الصحيفة قول سكان المدينة "إن حي إسكان الضباط، الواقع في شمال المدينة، كان بعيدا عن القتال بين تنظيم الدولة والقوات العراقية، حيث جرى القتال في الجنوب. ويعتقد أنه تم تدمير جزئي أو بشكل كامل لحوالي 300 إلى 600 منزل ومسجدين، وذلك بحسب مسؤول كبير في بلدية المدينة يشارك الآن في عملية إعادة الإعمار".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن كيرك سويل من "يوتنسيس"، وهي مجموعة إدارة أزمات تركز على العراق، قوله: "إن هذه العملية لم تكن سيئة بالقدر الذي كان يمكن أن يكون لو لم يكن هناك اهتمام عالمي وضغوط على العبادي". مضيفا أنه "كان هناك قدر كبير من الانتقام".
وتلفت الصحيفة إلى أن موظفا، وهو مهندس لا يزال يعمل مع الحكومة، وطلب عدم نشر اسمه، قدم صورا تظهر أن بيته أيضا من البيوت المدمرة، وقال: "البيوت كلها كانت في حالة جيدة مباشرة بعد التحرير" . وكان المهندس قد زار المدينة مع وفد من 30 تقنيا أوكلت إليهم مهمة إعادة الخدمات الرئيسة، وتقدير الضرر الذي حصل.
ويضيف المهندس للصحيفة: "بعد التحرير مباشرة أخبرني صديق في الجيش أن البيت والحي في وضع جيد".
ويتابع دارغاهي بأنه في مرحلة ما من الزيارة انفصل عن الوفد من أجل فحص بيته، وخاطر بنفسه؛ لأن الحي لا يزال تحت سيطرة المليشيات الشيعية. وعندها اكتشف أن بيته قد ذهب، يقول: "شعرت وكأن قنبلة نووية دمرت الحي، لقد دمر بالكامل، ولا سكان فيه على الإطلاق"، وأضاف "لم أشاهد دمارا مثل هذا، حتى في أفلام الإثارة الأمريكية".
وتنقل الصحيفة عن أستاذ إدارة الأعمال علي قميط (31 عاما)، قوله إنه بنى بيته المكون من ست غرف على مساحة 600 متر مربع عام 2010، من أجل أن يعيش فيه مع زوجته وابنه وشقيقه ووالدته. وهربت العائلة بعد فترة قصيرة من وصول تنظيم الدولة في 10 حزيران/ يونيو، حيث حملت العائلة معها ما لديها من مال ومجوهرات ووثائق، وتركت كل شيء وراءها.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن صديقا لقميط قام بإرسال صورة لبيته المدمر، ويقول: "وعندما شاهدت زوجتي الصور بكت وشعرت بالحزن"، ويضيف :"لا أستطيع وصف مشاعري عندما شاهدت بيتي مدمرا، ولكننا سندرس الجيل القادم أن المليشيات الشيعية دمرت بيوتنا".