على إحدى تلال
القلمون الحدودية بين لبنان وسوريا، يؤكد مقاتل من
حزب الله أن الحزب يخوض في هذه المنطقة الجبلية الوعرة "المعركة الاقسى" في تاريخه العسكري، حيث يواجه جهاديين ومقاتلين من
المعارضة السورية المسلحة.
ويقول المقاتل الذي بدأ في الأربعينات وقد وضع نظارتي شمس على عينيه رافضا الكشف عن اسمه، "إنها واحدة من أقسى المعارك التي خضناها. الجميع يعرف أن القتال في المناطق الجبلية هو أصعب أنواع القتال هناك، حتى أكثر من القتال في المدن".
ويقاتل الحزب اللبناني الشيعي إلى جانب القوات الحكومية السورية في مناطق عدة من
سوريا، وتكتسي منطقة القلمون أهمية خاصة بالنسبة إليه كونه دافع باستمرار عن تدخله العسكري في سوريا على أنه يهدف إلى حماية لبنان من وصول التنظيمات المتطرفة.
وتمتد القلمون التي تشكل الجانب الآخر لسلسلة جبال لبنان الشرقية والممتدة على مساحة نحو ألف كيلومتر مربع، وهي مكونة من سلسلة تلال فيها العديد من المغارات وتطل على أودية مفتوحة مكسوة بالنباتات والزهور البرية.
وأعلن حزب الله خلال الأسبوعين الأخيرين أنه سيطر على نحو ثلث منطقة القلمون حيث تتداخل الحدود بين البلدين، إثر معارك ضارية مع المجموعات المسلحة.
ويقول مقاتل آخر ارتدى بزة عسكرية مرقطة كما رفاقه "إنها المعركة الأصعب في الشرق الأوسط في الوقت الراهن".
ويقول قائد عسكري ميداني "هدفنا في القلمون حماية لبنان، ورأينا أدلة على التهديد في
عرسال (البلدة اللبنانية الحدودية) وهجمات أخرى على الحدود".
وكان يشير إلى المعركة التي وقعت في آب/اغسطس الماضي بين مسلحين سوريين قدموا من القلمون ومن مخيمات للاجئين السوريين داخل عرسال والجيش اللبناني استغرقت أياما وقتل فيها عشرات المسلحين، و20 عسكريا لبنانيا و16 مدنيا.
وانتهت باقتياد المسلحين معهم نحو 30 عنصرا في الجيش وقوى الأمن أعدموا أربعة منهم فيما لا يزال 25 محتجزين لدى "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة".
ونظم حزب الله في الأيام الأخيرة لمجموعات من الصحافيين المحليين والأجانب جولات في منطقة القلمون على الحدود اللبنانية السورية، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة إلى الحزب الذي كانت تغطية المعارك التي يخوضها في سوريا تقتصر على الوسائل الإعلامية التابعة له أو المقربة منه.
وبدأت الجولة بعرض لقائد عسكري أرفقه بشرح على خريطة رقمية بين فيها أهمية "تأمين" المناطق المرتفعة ليصبح في الإمكان مراقبة خط النار بالعين المجردة.
ثم تولت مجموعة من المقاتلين قيادة موكب من الصحافيين في سيارات رباعية الدفع في منطقة جبلية تكاد تنعدم فيها مظاهر الحياة باستثناء بعض العصافير والسحليات.
وخلال الجولة، توقف الموكب عند تحصينات لمسلحين تم الاستيلاء عليها خلال الأيام الماضية. وعرض مقاتلو الحزب ما تبقى من متفجرات محلية الصنع تركها المسلحون وراءهم.
وفضل بعض المقاتلين مراقبة الزائرين عن بعد فيما كان آخرون يدخنون بهدوء.
وتندرج هذه الجولات في إطار مقاربة إعلامية جديدة لحزب الله تساعده كذلك في تسجيل نقاط على خصومه في الميدان.
ويقول أحد عناصر الحزب "إنها الحرب النفسية الهادفة إلى إخافة العدو، لكنها أيضا طريقة تسمح لنا بإيصال رسالتنا والقول أننا الطرف المحق" في المعركة.
وتقول المعارضة السورية إن النظام السوري ما كان ليصمد في وجه الانتفاضة ضده وقتال المعارضين لولا الدعم المقدم له من حزب الله وإيران.
وفي لبنان، يأخذ خصوم حزب الله عليه أنه يتسبب في جر تداعيات النزاع السوري إلى البلد الصغير المتعدد الطوائف والأطراف السياسية، بسبب تورطه العسكري إلى جانب النظام السوري.
ومن المفارقات أن حزب الله الذي تصنفه الولايات المتحدة "منظمة إرهابية" يقاتل في سوريا مجموعات جهادية أخرى تشكل هدفا لطائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سوريا والعراق.
ولا يوجد أثر للجيشين اللبناني والسوري في المنطقة الحدودية. ويتجنب مقاتلو حزب الله التعليق على ذلك ويصرون على أن الجيش السوري هو من يقود القتال داخل سوريا.
ويقول أحد مقاتلي الحزب الذي يعرف عن نفسه باسم الحاج نادر "نقاتل من الجانب اللبناني، وهم (الجيش السوري) يقاتلون من الجانب السوري".
وأعلن الجيش اللبناني بوضوح أنه لن يكون جزءا من أي معركة في القلمون إلا في حال تعرض الأراضي اللبنانية للخطر.
وتظهر آثار المعارك بوضوح في مواقع عدة في المنطقة: بقايا ذخائر الأسلحة الثقيلة وعبوات القذائف الصاروخية مع الصناديق المعدنية الفارغة من القذائف.