نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا لجوناثان ستيل، حول الرئيس
الإيراني السابق محمود أحمدي
نجاد، الذي لا يزال يستقبل الملتمسين البسطاء، كما كان يفعل عندما كان رئيسا حتى عام 2013.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن نجاد يبدأ باستقبال هؤلاء الناس في الساعة السابعة صباحا في أغلب أيام الأسبوع في حي نارماك شرق طهران، خارج بيت العائلة لأحمدي نجاد، الذي يشاركه فيه اثنان من أبنائه المتزوجين، وخلف حاجز حديدي يصطف رجال ونساء يبدو عليهم الحزن يحملون رسائل مكتوبة بخط اليد في مشهد يعيد إلى الأذهان صورة الحاكم الذي يستمع إلى مطالب المحكومين الفقراء.
ويبين الموقع أن الحرس المسلحين يأخذون مواقعهم قبل أن يخرج الرئيس السابق من بيته، ويمشي بسرعة ليرحب بأول أصحاب الحاجات. وينظر إليهم بتعاطف، ويتبادل معهم بعض الكلمات، ثم يطلب منهم التنحي جانبا كي يفسحوا المجال لملتمسين آخرين.
ويذكر الكاتب أن نجاد لم يبتسم إلا حينما وصل الدور إلى مترجمه، فسأله إن كان يرى أن المفاوضين الإيرانيين يقومون بعمل جيد، فابتسم قائلا: "لا مقابلات"، وعندما سألته: "هل تعتزم الترشح للرئاسة ثانية؟"، وقام المترجم بترجمة السؤال، فكبرت ابتسامته وقال: "لا مقابلات".
ويلفت التقرير إلى أن هذا السؤال يفكر فيه الكثير من الإيرانيين، فلم يقم أي من الرؤساء الإيرانيين السابقين بهذا الطقس القديم بمقابلة العامة. وقد بدأ أحمدي نجاد هذا الطقس خلال فترة رئاسته، التي امتدت لفترتين من 2005 إلى 2013، وهو يناسب شخصيته الشعبوية والمصغية لقضايا الناس العاديين، خلاف من سبقه ومن لحقه من رجال الدين المتحفظين.
ويتساءل ستيل: هل هي العادة التي تجعله يستمر في هذا، أم أن له أهدافا بعيدة؟
ويبين الكاتب أن الإعلام الإيراني لا يذكر شيئا عن استقبال أحمدي نجاد للملتمسين؛ كي لا يروج له أو يحقق مكاسب سياسية. وفي الواقع فمن خلال نظام رقابة مفروضة ورقابة شخصية، فإن اسم أحمدي نجاد لا يظهر في الإعلام الإيراني. وقد صدر قريبا قرار قضائي يمنع نقل أقوال الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، ولم يكن هناك إعلان عن منع مشابه بخصوص أحمدي نجاد، ولكن الصمت الرسمي مشابه.
ويستدرك الموقع بأنه وبحسب عدد من المحللين في طهران، فإن عودة أحمدي نجاد للسياسية واردة، فإن فشلت المحادثات النووية وعادت العلاقات الإيرانية الأمريكية على ما كانت عليه سابقا، فإن زعيم البلاد الروحي آية الله علي
خامنئي قد يقرر أن هناك حاجة لرئيس متشدد مرة أخرى، كما أن هناك فرصة لأحمدي نجاد إن نجحت المفاوضات، إذا لم يحقق رفع العقوبات الذي ينتظره الإيرانيون بفارغ الصبر تحسنا ملموسا في مستوى الحياة، فيوجه اللوم للرئيس الحالي، وتتم العودة إلى رئيس شعبوي. فأحمدي نجاد ورقة جيدة في يد خامنئي في كلتا الحالتين.
ويورد التقرير أن الناس يعرفون عن استقبال أحمدي نجاد للملتمسين في بيته، عن طريق التناقل الشخصي للمعلومة. وبحسب أحد أفراد الشرطة الذين يحرسون خارج بيت أحمدي نجاد، فإن الصف ليس طويلا فيه ما يقارب ستة أشخاص يوميا. والكلمة تنتقل في المجتمعات بالرغم من الرقابة، وأحمدي نجاد مستفيد من لقائه الصباحي بالملتمسين؛ بهدف تحسين سمعته بأنه يتفهم الناس العاديين، ويخبر أصدقاءه بالأمر.
ويقول ستيل: "سألت شابا جالسا في سيارته يخبر زوجته ماذا قال له أحمدي نجاد: (لماذا أتيت إلى هنا؟)، فأجاب الشاب بأنه كان يعمل في مصنع مشروبات غازية، وقد أغلق المصنع قبل 18 شهرا، وقد فشلت جهوده كلها في إيجاد وظيفة أخرى، فقال له الرئيس السابق: (بصراحة، لا أظن أنني أستطيع مساعدتك، فليس لي نفوذ الآن، ولكن عد لي بورقة، لننظر في الموضوع)، وقال الشاب إنه لم يعرف أنه كان يحتاج رسالة، ولكنه سيكتب رسالته ويعود".
ويتابع الكاتب بأن "شابا آخر قال لنا إنه نام الليلة السابقة في الحديقة القريبة، وذلك ليكون موجودا عندما يخرج أحمدي نجاد في الصباح لمقابلة العامة، وكان معه رسالة يشرح فيها مشكلته، وهي أنه يحتاج إلى إيجار سكن كي لا يطرد هو وزوجته وابنه من البيت، وقد اقترح عليه رجل دين في مسجده أن يذهب لمقابلة أحمدي نجاد، فأخذ الرئيس السابق الرسالة، ووعد بتمريرها إلى مؤسسة خيرية تقدم قروضا رخيصة".
ويذكر الموقع أنه كانت هناك أيضا امرأة مسنة، وهي تزور أحمدي نجاد للمرة الثانية، وكانت المرة الأولى خلال رئاسته، فأعطاها ما يعادل 700 دولار لمساعدتها لشراء شقة لها ولأبنائها المتزوجين، والآن هي بحاجة للمزيد من المال، وقالت إنها لا تحب الرئيس الحالي حسن
روحاني، ولكنها متأكدة أن أحمدي نجاد سيساعدها.
ويذهب التقرير إلى أنه لا يوجد أي سياسي إيراني مثير للجدل مثل أحمدي نجاد، سواء تأييدا أو معارضة، فمقابل المؤيدين له هناك معارضون، وبعضهم يقولون إنهم يخجلون من الصورة التي نقلها عن إيران للعالم.
ويشير ستيل إلى أنه على بعد حوالي مئة متر من بيت أحمدي نجاد هناك بقالة صغيرة تشتري منها عائلة الرئيس السابق أحيانا، ويقول الشاب الذي يدير البقالة: "أصبحت بلادنا منعزلة بعد الثورة الإسلامية، ولكن أحمدي نجاد جعلها أكثر عزلة، آراؤه حول المحرقة خاصة به، ومجتمعنا لا يتفق معه. ورفع العقوبات سيعطي بلدنا صورة أفضل، ولكن بعض الجماعات ترى أن الوضع الاقتصادي كان أفضل في ظل حكمه، وقد يؤيده بعض الناس، ولكني أشك في إمكانية عودته إلى الحكم، فقد سمعت أنه لا يستمع لمستشاريه، وأنه يتبع سياسة حكم الفرد الواحد".
ويورد الموقغ أن الآراء تتباين في أروقة المجلس "البرلمان الإيراني"، فأداء أحمدي نجاد في السلطة نفر العديد من أعضاء البرلمان. ويقول عضو البرلمان من خراسان، محمد إسماعيليان: "إن لديه نقاطا إيجابية، فهو رجل عملي ومدير ناجح، ولكني أشك في عودته للسلطة، وقد تكون له شعبية عند الطبقة غير المتعلمة، ولكن من يستطيع تحليل الأمور سيجد أن أولوياته لم تكن لصالح الشعب".
أما مؤسس حزب الخضر، الذي لديه خمسة أعضاء برلمان، فآراؤه في أحمدي نجاد لاذعة، ويقول: "يتمنى مؤيدو أحمدي نجاد أن تفشل المحادثات النووية، ولكنهم أقلية، وسيخسر غالبيتهم مقاعدهم في انتخابات شباط/ فبراير القادمة إن نجحت الصفقة، أحمدي نجاد يعيش في كهف ويقضي معظم وقته يصلي، ولكنه انتهى، فهناك أسئلة كثيرة يجب أن يجيب عنها للشعب. هو مثل محمد مرسي، ولكن الفرق أنه ليس في السجن، بل هو سجين أفكاره"، بحسب الموقع.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن روحاني يواجه صعوبات في معالجة الإرث الاقتصادي لحقبة أحمدي نجاد، فما يقوم به أحمدي نجاد اليوم من مساعدة للملتمسين، كان يقوم به على مستوى البلاد خلال زياراته المتعددة للأقاليم، وكان يستمع لمطالب الناس العاديين، أو المسؤولين المحليين من أجل بناء جسور أو أنظمة سقي، وكان يأمر مسؤوليه بالقيام بواجبهم، وقد تم البدء بمئات مشاريع البنية التحتية الصغيرة، التي تم وقفها بسبب التضخم المستشري.
وينقل الكاتب عن الصحافي الإصلاحي سعيد ليلاز المتخصص بالاقتصاد، الذي حكم عليه بالسجن لفترة طويلة لدى إعادة انتخاب أحمدي نجاد عام 2009 فهو بطبيعته لا يحبه، قوله إنها لم تكن فقط العقوبات وانهيار أسعار النفط هما اللذان أدخلا البلاد في حالة ركود اقتصادي، فقد استفاد أحمدي نجاد وأصدقاؤه الثوريون من عمليات الالتفاف على العقوبات. واتهمه هو وأصدقاءه بكسب أموال كبيرة من المقاطعة، وبأنهم نهبوا البلاد، وخلقوا طبقة اجتماعية جديدة.
وينوه الموقع إلى أن مجلسا مؤلفا من 12 شخصا من علماء دين وقانون، يقومون بتفحص قائمة المرشحين، ويقررون من هم الأشخاص الذين تتم المصادقة على ترشحهم، لينتخبهم الناس. ويقول بعض المحللين إن ترشح أحمدي نجاد عام 2005 كان منطقيا؛ بسبب وجود الرئيس الأمريكي المتحدي جورج بوش في البيت الأبيض.
وينقل التقرير عن مدير وكالة أخبار "آريا نيوز"، الذي يصف نفسه بالمعتدل، أمير محبيان، قوله: "يختلف أحمدي نجاد تماما عن روحاني، فكان الأول واثقا جدا من نفسه، وتوجهه النفسي هو أن يهاجم في كل قضية، وبالذات في السياسة الخارجية، كان يعتقد أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع، وكان يعتقد أن القوة هي التي تصنع الفرق، وأنها هي التي تصنع الحق، ولذلك فعلى إيران أن تظهر القوة للعالم، بوش كان رجلا غير منطقي، ويعمل وحده وعدواني، وكان يريد مهاجمة إيران والعراق، في الوقت الذي كان فيه رئيس إيران رجلا منطقيا، وهو خاتمي، ومع هذا فقد اعتبر بوش إيران جزءا من (محور الشر)، حتى عندما كان خاتمي هو الرئيس. ففرض علينا هذا الموضوع أن يكون عندنا رئيس غير منطقي أيضا، فلا أحد يعرف ماذا في رأسه، وماذا عساه أن يفعل، وكان لهذا مفعول الردع".
ويرى محبيان أنه بعد خاتمي المصلح أتى أحمدي نجاد المحافظ "ويصفه المحللون الإيرانيون بالمبدئي"، فكانت إيران عام 2013 بحاجة إلى شخص مثل روحاني يجمع بين الجانبين، أي من الوسط. مشيرا إلى أن ما سيحصل لاحقا يعتمد على التوصل إلى اتفاق نووي، وإن كانت أمريكا ستطلب الكثير من التنازلات من إيران في الأسابيع الأخيرة من المباحثات.
ويذهب ستيل إلى أن أحمدي نجاد قد يكون بعيدا عن الأضواء، بينما يلتقي مع العدد البسيط من أصحاب الحاجة يوميا، إلا أنه على اتصال دائم بالنخبة المتشددة، ويخططون لتحركاتهم المستقبلية. وبالنسبة للزعيم الروحي آية الله خامنئي فإن أحمدي نجاد يشكل حليفا محتملا مثيرا للجدل. فقد اختلف الاثنان عام 2011 عندما سعى أحمدي نجاد لإقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي، وعارض خامنئي هذا التحرك علنا. عندها ذهب أحمدي نجاد إلى بيته في نارماك، وبقي هناك 11 يوما متأففا ومفكرا في الاستقالة، ولكنه قرر العودة إلى مكتبه، وأعلن عن ولائه لخامنئي.
ويجد الموقع أنه بالرغم من هذه التوترات، إلا أن خامنئي قد يستخدم أحمدي نجاد ورقة ضغط الآن خلال المفاوضات، وكخط رجعة إن تدهورت الأمور. ويرى محبيان أن أحمدي نجاد هو أكثر الوجوه الإيرانية المتشددة شهرة.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى قول محبيان: "نحن الآن في موقع جيد وعقلاني ومعتدل، والكرة في ملعب أمريكا، فعليهم إظهار العقلانية أو عكس ذلك في المرحلة القادمة من المفاوضات. نريد أحدا يقول لأمريكا إن أردتم التصرف بسوء فنحن على استعداد أن نعيد أحمدي نجاد إلى المشهد".