بتحقيق أكبر انتصارين في
العراق وسوريا منذ ما يقرب من عام، بث
تنظيم الدولة روحا جديدة في مقاتليه وملأ شوارع مدينتين بجثث أعدائه وأجبر واشنطن على إعادة النظر في استراتيجيتها.
فقد عزز سقوط مدينتي
الرمادي غربي بغداد وتدمر إلى الشمال الشرقي من دمشق في آن واحد تقريبا، نفوذ التنظيم الذي أعلن العام الماضي قيام دولة الخلافة على مسافة غير بعيدة عن تحصينات اثنتين من العواصم الكبرى في التاريخ الإسلامي.
ورغم ما يبدو على المقاتلين من شعور بالانتصار في مقاطع الفيديو المنشورة على يوتيوب والقسم بمواصلة الزحف إلى بغداد ودمشق، فلا يبدو أن هناك مجالا يذكر لتوسيع رقعة الأراضي الواقعة تحت
سيطرة التنظيم، على الأقل في الوقت الراهن.
وقد خسر التنظيم أرضا في كل من العراق وسوريا في الشهور الأخيرة، لكنه كسب بعض الأرض أيضا.
وأصبحت أضعف الأهداف الآن في قبضته، وسيتعين على مقاتليه تكريس قدر كبير من الجهد للاحتفاظ بما لديه من أراض وإدارتها يعادل الجهد الذي تستلزمه محاولة توسيع نطاق هجومهم.
في العراق يسيطر مقاتلو التنظيم بالفعل على أغلب الأراضي التي يمثل فيها السنة العنصر الغالب.
وتمثل رد الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة على سقوط الرمادي في وادي نهر الفرات، في إرسال الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران التي سبق أن هزمت مقاتلي الدولة في وادي نهر دجلة.
أما في
سوريا، فقد استمدت جماعات مسلحة سنية منافسة للدولة -كانت في وقت من الأوقات أضعف من التنظيم- الدعم من دول عربية وتنامت قوتها فتوسعت جغرافيا على حساب حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي البلدين مُني تنظيم الدولة بهزائم على أيدي الأكراد.
غير أنه حتى إذا كانت هناك حدود لمدى التوسع الجغرافي الذي يستطيع التنظيم تحقيقه في الوقت الحالي، فإن الانتصارين اللذين تحققا له هذا الشهر يمنحانه زخما له أهميته في الحفاظ على دعم الناس له في المناطق الخاضعة لحكمه.
وقال أحمد علي الزميل الباحث في مركز التعليم من أجل السلام في العراق بواشنطن: "الأولوية بالنسبة لتنظيم الدولة الآن هي الاستفادة من الزخم الذي اكتسبه من السيطرة على الرمادي وتدمر لأن هذه الحرب تدور حول تحولات الزخم".
وأضاف: "كان الزخم في غير صالح التنظيم إلى أن تمكن من السيطرة على الرمادي. والآن هذه فرصة سانحة لكي يواصل التنظيم الضغط لأنه يحاول استعادة سمعته كقوة لا تقهر".
الحدود في العراق
في العراق وبعد انهيار الجيش في العام الماضي واستيلاء الدولة الإسلامية على مساحة كبيرة من الأراضي في شمال البلاد خلال هجوم خاطف، هبت الحكومة والفصائل الشيعية المتحالفة معها لوقف الهجوم قبل أن يصل إلى أبواب بغداد.
ولم يستطع مقاتلو التنظيم تحقيق هدف السيطرة على سامراء الواقعة شمالي العاصمة، والتي يوجد فيها واحد من أهم الأضرحة الشيعية كانوا قد تعهدوا بتدميره.
وأصبحت الحكومة والفصائل المتحالفة معها الآن تسيطر سيطرة قوية على العاصمة ذات الأغلبية الشيعية، وتمكنت حتى الآن من منع الدولة من تأمين مواطئ قدم قوية لها في الأراضي الزراعية السنية على المشارف الغربية والجنوبية، وهي منطقة عرفت باسم "مثلث الموت" خلال فترة الاحتلال الأمريكي بين عامي 2003 و2011.
في آذار/ مارس الماضي تقدمت القوات الحكومية والفصائل شمالي بغداد، إلى وادي نهر دجلة واستردت مدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين.
وبأموال وأسلحة إيرانية، بل ومستشارين إيرانيين، أثبتت الفصائل الشيعية المسلحة أنها قوة ذات قدرات مهمة في ساحة القتال، رغم أن واشنطن تشعر بالقلق لأن وجودها سيؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية.
وحتى الآن عمدت الحكومة إلى إبقاء الفصائل الشيعية خارج وادي نهر الفرات ذي الغالبية السنية في المنطقة الواقعة غربي العاصمة.
غير أن سقوط الرمادي دفع بغداد إلى إرسال مقاتلي الفصائل الشيعية المعروفة باسم الحشد الشعبي، وهو ما يعني أن تنظيم الدولة سيواجه الآن خصما يتمتع بقوة هائلة.
وتخشى واشنطن أن يؤدي وجود الفصائل الشيعية إلى ارتماء العشائر المحلية في أحضان تنظيم الدولة. وانتقدت وزارة الدفاع الأمريكية قرار الفصائل إطلاق تسمية ذات صبغة طائفية على العملية.
غير أنه مثلما حدث في عامي 2006 و2007، عندما أرغمت قسوة تنظيم الدولة في العراق - الذي خرج من عباءته تنظيم الدولة - الكثير من العشائر السنية على السلام مع مشاة البحرية الأمريكية رغم ما تكنه لهم من كراهية، فإن العنف المتطرف الذي يمارسه المقاتلون يعني أن بعض السكان المحليين قد يقبلون بوجود الشيعة مرهوبي الجانب.
ويقول مقاتلون من تنظيم الدولة اتصلت بهم رويترز في العراق، إن مهمتهم الأساسية في الوقت الحالي هي قتال الصحوات، أي رجال العشائر السنية الذين يقاومون حكم التنظيم.
وقتل التنظيم مئات من شيوخ العشائر المحلية وقادتها في وادي نهر الفرات. غير أن هذا العنف يجلب معه ضغائن جعلت حكم التنظيم في الماضي قصير العمر.
وقال مايكل نايتس، الخبير في شؤون العراق بمعهد واشنطن، إنه بسقوط الرمادي بلغ المقاتلون الحدود الطبيعية لدولة سنية من الناحية الجغرافية.
ورغم أنه مازال بوسعهم شن هجمات على بغداد نفسها، فالأرجح أن مثل هذه الهجمات ستكون منفصلة، لا حملة كاملة للاستيلاء على المدينة.
وأضاف قائلا: "في العراق ما زال التنظيم يخسر أرضا ولا يكسب أرضا بغض النظر عن المناورات التكتيكية البارعة مثل الرمادي. فالتنظيم لا يقدر سوى على اللعب على أطراف المناطق التي بحوزته بالفعل".
فرص في سوريا
وتمثل سوريا التي تتخذ فيها حكومة الرئيس الأسد وضعا دفاعيا في الشهور الأخيرة فرصا ذات إمكانيات أكبر بالنسبة لتوسع الدولة. وعلى النقيض من الوضع في العراق، فإن السنة في سوريا يمثلون الأغلبية على مستوى البلاد، ولذلك فإن جماعة تسعى لحكم سني ستواجه قيودا طبيعية أقل لجهود التوسع الجغرافي.
وفي حين أن واشنطن تؤيد الحكومة العراقية واستخدمت قواتها الجوية في قصف أهداف الدولة في العراق بالتعاون مع بغداد، فهي لا تزال في سوريا تعارض الأسد وليس لها حلفاء أقوياء على الأرض.
وقال أحمد علي: "على الجانب السوري الأمر مختلف تمام الاختلاف، لأن التنظيم ليس لديه هناك قوة هائلة يواجهها. فهو قادر على مهاجمة قوات الحكومة السورية وقد شهدنا نحن حتى الآن أن القوات الحكومية السورية تتراجع أمام هجمات التنظيم. لذلك، فإن سوريا قد تكون في الواقع هدفا أكثر من العراق".
ومع ذلك، وعلى عكس الوضع في العراق، فإن تنظيم الدولة في سوريا يمثل جماعة واحدة من عدد من الجماعات السنية المقاتلة، بدءا من الجهاديين المتشددين مثل جبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة إلى القوميين العلمانيين.
وعندما حقق تنظيم الدولة تقدما في العراق العام الماضي وجلب أسلحة متقدمة مما استولى عليه من القوات العراقية إلى سوريا، بدا أن الكثير من تلك الجماعات السنية الأخرى لن يكون لها وجود يذكر.
غير أنه في الشهور الأخيرة تلقت جماعات سنية قاومت الانضمام للتنظيم، المزيد من الأسلحة والأموال من دول عربية متحالفة مع الولايات المتحدة وربما من تركيا أيضا.
وازدادت قوة هذه الجماعات وألحقت هزائم بقوات الأسد وحلفائه في الجنوب الغربي والشمال الشرقي، حيث ترتفع الكثافة السكانية بل وازداد اتحادها قوة عن ذي قبل.
وحقق تنظيم الدولة كذلك، مكاسب وأصبح يحاول تجنيد جهاديين آخرين لضمهم إلى صفوفه. غير أن الكثير من السوريين يشعرون بالاستياء من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم وزعيمه الخليفة العراقي أبي بكر البغدادي. ويدرك قادة جماعات أخرى أن السبيل الوحيد لاستمرار تدفق السلاح والمال العربي هو مقاومة أي تحالف.
لكن النصر الذي تحقق للتنظيم في تدمر يساعد تنظيم الدولة في توضيح أنه ما زال القوة القتالية السنية الأكثر فاعلية في سوريا.
وقال مقاتل بتنظيم الدولة في اتصال هاتفي طلب فيه عدم نشر اسمه، لأنه لا يملك الحق لمخاطبة وسائل الإعلام: "نحن نعمل على جلب المزيد من المقاتلين. ولهذا السبب كان الاستيلاء على تدمر في غاية الاهمية. وهذا أمر جلل".
وقال: "بدأ مقاتلون جدد ينضمون للتنظيم. مقاتلون سوريون. فقد اكتشفوا أن الدولة حقيقية وتفي بوعودها وتستعيد كرامتهم".