يقول معتقل في غوانتنامو تحول إلى شاهد متعاون مع الحكومة، إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية استخدمت أساليب من
الاعتداءات الجنسية وأشكال
التعذيب الأخرى أكثر مما ورد في تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي صدر في العام الماضي.
وقال ماجد خان إن القائمين على استجوابه سكبوا مياها مثلجة على أعضائه التناسلية وصوروه عاريا بالفيديو مرتين ولمسوا "مناطق حساسة" من جسمه مرارا، وكل هذه الأساليب لم يرد لها ذكر في تقرير مجلس الشيوخ.
وأضاف أن المستجوبين - وبعضهم كانت تفوح منهم رائحة الكحول - هددوه بالضرب بمطرقة وبمضرب البيسبول وبالعصي والأحزمة الجلدية.
وشهادة خان هي أول رواية تنشر على الملأ من أحد معتقلي تنظيم القاعدة المهمين الذين شهدوا "أساليب الاستجواب المطورة" التي استخدمت في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، عقب هجمات "11 سبتمبر" 2001 على الولايات المتحدة.
ووردت شهادة خان في ملاحظات دونها محاموه خلال مقابلاتهم معه على مدى السنوات السبع السابقة وتقع في 27 صفحة. ووافقت الحكومة الأمريكية على نشر هذه الملاحظات الشهر الماضي خلال عملية مراجعة رسمية.
وقبل أن ينشر تقرير مجلس الشيوخ في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تفاصيل عن وسائل الاستجواب التي اتبعتها وكالة المخابرات كان مسؤولو الوكالة يحظرون على المعتقلين ومحاميهم التحدث علانية عن جلسات الاستجواب ويعتبرون ذكريات المعتقلين عنها من المعلومات السرية.
ولم يتسن التحقق بصفة مستقلة من روايات خان التفصيلية عن وسائل التعذيب.
وينتظر خان المواطن الباكستاني البالغ من العمر 35 عاما والذي كان مقيدا في مدرسة ثانوية في ماريلاند، الحكم عليه بعد أن أقر عام 2012 بما وجه إليه من اتهامات بالتآمر والقتل والتجسس وغيرها.
وفي مقابل العمل كشاهد للحكومة سيحكم على خان بالسجن مدة تصل في أقصاها إلى 19 عاما، تبدأ من تاريخ إقراره بصحة الاتهامات.
واعترف خان بتسليم 50 ألف دولار لبعض كوادر تنظيم القاعدة في إندونيسيا. واستخدمت هذه الأموال فيما بعد في تنفيذ عملية تفجير بشاحنة ملغومة عام 2003 في فندق ماريوت في جاكرتا أسفرت عن مقتل 11 شخصا وإصابة 80 آخرين على الأقل.
واعترف بالتعاون مع خالد شيخ منصور العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، لتسميم مصادر المياه وتفجير محطات للغاز ووافق أن يكون "عميلا نائما" للقاعدة في الولايات المتحدة.
ويقول تقرير مجلس الشيوخ، إن خان ألقي القبض عليه في باكستان واحتجز في موقع لم يكشف عنه تابع لوكالة المخابرات المركزية من 2003 إلى 2006.
تمني الموت
في المقابلات مع محاميه، روى خان كيف استقبل استقبالا حافلا بالاعتداءات لدى وصوله إلى موقع الاعتقال.
وقال خان لمحاميه: "تمنيت لو أنهم قتلوني". وأضاف أنه شعر بآلام مبرحة عند تعليقه عاري الجسد متدليا من عوارض، وإن الحراس ثبتوا رأسه مرارا تحت مياه مثلجة.
ونقل خان عن مستجوبيه قولهم له: "سنعتني بك يا بني. سنرسلك إلى مكان لا يمكنك أن تتخيله".
وامتنع مسؤولون حاليون وسابقون في وكالة المخابرات المركزية عن التعليق على رواية خان.
ويتطابق وصف خان لما مر به مع بعض من أسوأ التفاصيل التي وردت في تقرير مجلس الشيوخ الذي جاء نتاج مراجعة استمرت خمس سنوات، أجراها موظفون ديمقراطيون بالمجلس لنحو 6.3 مليون وثيقة داخلية لوكالة المخابرات.
ووصف مسؤولون في المخابرات وكثير من الجمهوريين ما توصل إليه التقرير من نتائج بأنه مبالغ فيه.
وقبل سنوات من نشر التقرير، شكا خان لمحاميه من أنه تعرض للتغذية القسرية من الشرج. وعثر محققو مجلس الشيوخ على وثائق لوكالة المخابرات تؤكد أن خان تلقى حقنا شرجية قسرا.
وسبق أن بثت وسائل الإعلام عقب نشر تقرير مجلس الشيوخ تقارير أظهرت فيها برقيات وكالة المخابرات أن غداء خان المكون من حمص ومعكرونة وصلصة ومكسرات وزبيب تم خلطه ليصبح عجينة وحقن به من الشرج.
وتصر وكالة المخابرات إن التغذية عن طريق الشرج كانت ضرورية بعد أن أضرب خان عن الطعام ونزع أنابيب التغذية التي تم توصيله بها عن طريق الأنف. وقال محققو مجلس الشيوخ إن خان كان متعاونا ولم ينزع أنابيب التغذية.
ويقول أغلب الخبراء الطبيون إن التغذية الشرجية ليس لها أي قيمة علاجية، بينما يسميها محاموه اغتصابا.
وقال خان لمحاميه إن بعضا من أسوأ أساليب التعذيب التي تعرض لها حدثت في جلسة الاستجواب في أيار/ مايو 2003 عندما جرده الحراس من ملابسه تماما وعلقوه من عارضة خشبية لمدة ثلاثة أيام ولم يقدموا له سوى الماء.
وكانت المرة الوحيدة التي أنزلوه فيها عن العارضة عصر اليوم الأول، عندما كبله المستجوبون ووضعوا غطاء على رأسه ثم أنزلوه في حوض به ماء مثلج.
وبعد ذلك دفع أحد المستجوبين رأس خان تحت الماء حتى خشي أن يغرق. ثم رفع المستجوب رأسه فوق الماء وطلب إجابات عن أسئلة. ثم دفع رأسه مرة أخرى تحت الماء. وسكب الحراس ماء وثلجا من دلو على فم خان وأنفه.
ثم علق خان على العارضة عاري الجسد إلا من غطاء الرأس. وكل ساعتين أو ثلاث كان المحققون يسكبون الماء المثلج على جسده، كما أنهم أداروا مروحة ووجهوا هواءها نحوه لحرمانه من النوم. وبعد أن ظل معلقا لمدة يومين بدأ خان يهلوس واعتقد أنه رأى بقرة وسحلية عملاقة.
وقال خان وهو يصف نوبات الذعر والكوابيس التي مرت به: "عشت في هلع كل لحظة من كل يوم بين الخوف وتوقع المجهول".
وأضاف: "أحيانا كنت أقوم وأنا أغرق تحت الماء أو أقود سيارة دون أن أتمكن من إيقافها".
وقال خان إنه في تموز/ يوليو 2003، وضع حرس وكالة المخابرات المركزية غطاء على رأسه وعلقوه من عارضة معدنية لعدة أيام وكرروا سكب الماء المثلج على فمه وأنفه وأعضائه التناسلية.
وذكر أنهم أجبروه في إحدى المرات على الجلوس عاريا على صندوق خشبي خلال استجواب استمر 15 دقيقة، وتم تصويره بالفيديو. وبعد ذلك كبلوه على حائط ما حرمه من النوم.
وعندما وصل طبيب لفحص حالته، توسل إليه خان أن يساعده، لكن الطبيب وجه تعليمات للحراس بتعليقه مرة أخرى على العارضة المعدنية. وبعد تعليقه لمدة 24 ساعة أجبر خان على كتابة "اعتراف" بينما كان يجري تصويره عاري الجسد.
قيد معدني
ويقول خبراء إن رواية خان تضمنت أيضا أشكالا لم يكشف عنها من قبل من التعذيب من جانب وكالة المخابرات. ويروي خان كيف تم وضع قدميه وساقيه في قيد معدني أشبه بالحذاء الطويل انغرس في اللحم ومنعه من الحركة. وقال إنه شعر أن ساقيه ستنكسران إذا سقط.
وخان ليس واحدا من الثلاثة الذين يقول مسؤولون حاليون وسابقون في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إن المحققين كانوا مخولين باستخدام أسلوب الإيهام بالغرق معهم. كما أنه ليس المعتقل الرابع الذي وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش عام 2012 تعرضه للإيهام بالغرق.
غير أن التفاصيل التي وصفها تتطابق مع ما ذكره المعتقلون الآخرون الذين قالوا إنهم خضعوا لأساليب استجواب لم تأذن بها السلطات باستخدام المياه. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن سكب المياه المثلجة على الجسم أو غمر الجسم تحت مياه مثلجة قسرا يعد تعذيبا.
وتتضمن رواية خان تفاصيل تتطابق مع ما قاله معتقلون أقل أهمية في وصف عمليات استجوابهم. ومثل سجناء آخرين، قال خان إنه كان محتجزا في ظلام دامس معزولا عن بقية السجناء لفترات طويلة. ولحرمانه من النوم أبقى الحراس الإضاءة في زنزانته وأداروا موسيقى عالية لفرق أمريكية مختلفة.
وقال إنهم أعطوه طعاما ومياها غير نظيفة ما سبب له إسهالا، وإنه كان يحتجز في زنزانة خارجية أو زنزانات فيها حشرات لاسعة. وقال له سجناء فيما بعد إنهم احتجزوا في صناديق أشبه بالتوابيت.
وتحسنت الأمور كثيرا عام 2005، بعد أن أقر الكونغرس قانون معاملة المعتقلين الذي يتضمن نصوصا مانعة للتعذيب اقترحها السيناتور جون ماكين الذي تعرض للتعذيب وهو أسير في فيتنام.
ومن المقرر أن يصدر قاض عسكري في معتقل خليج غوانتنامو حكمه على خان بحلول شباط/ فبراير. غير أن المحامين يريدون إحالة القضية إلى المحاكم الاتحادية الأمريكية لأنهم يقولون إنها تتيح صدور أحكام أكثر إنصافا للشهود المتعاونين مع السلطات.
وقال جيه ويلز ديكسون من مركز الحقوق الدستورية، إن خان "اتخذ قرارا بالوثوق في الحكومة الأمريكية والتعاون مع الحكومة الأمريكية لمحاولة التكفير عما فعله. وأصبح من واجب الولايات المتحدة أن تعامله معاملة عادلة".
وقالت كاتيا جستين، وهي مدعية اتحادية سابقة تمثل خان أيضا، إن خان ما زال ملتزما بالتعاون. لكنها أضافت: "من منظور سياسة العدل الجنائي الأوسع أود أن أراه في محكمة اتحادية أمريكية تصدر حكمها عليه. فالقضاة الاتحاديون لديهم خبرة أكبر في تقدير قيمة التعاون وتحفيز الآخرين على التعاون".
وامتنعت وزارة العدل والمدعون العسكريون عن التعليق.