صحافة دولية

نيويوركر: دور الشعر الجهادي من بن لادن إلى "أحلام النصر"

أحلام النصر تعرف بـ "شاعرة الدولة الإسلامية" - تويتر
رصد تقرير لمجلة نيويوركر الأمريكية الأشعار التي تتداولها حسابات تنظيم الدولة الالكترونية، موضحا أثر هذا الشعر، وأهميته بالنسبة لعناصر التنظيم، والمواضيع المكتوبة، خصوصا ما نسبه لشاعرة تسمى "أحلام النصر".

وبدأ التقرير الذي كتبه كل من الصحفيين روبين كريسويل وبيرنارد هيكل بحادثة زواج الشاعرة أحلام النصر وأبي أسامة الغريب في الرقة، بحسب ما تداولته حسابات تنظيم الدولة، موضحا أن هذه الحادثة كانت ذات أثر كبير، خصوصا أن الغريب كان من أكبر عناصر الدعاية للتنظيم، بينما تعرف أحلام النصر بلقب "شاعرة الدولة الإسلامية".

وأضاف التقرير أن النصر كتبت ديوانها الأول بعنوان "أوار الحق"، والذي تم تداوله بشدة في شبكات التنظيم، وتم تلحينه على شكل أغانٍ على "يوتيوب" بالاسم ذاته، وهو يتكون من 107 قصائد بالعربية، "للمجاهدين والمعتقلين والانتصارات، وقصائد قصيرة كانت عبارة على شكل تغريدات"، بحسب التقرير.

أحلام النصر

وحول أحلام النصر، أوضح التقرير أنها غير معروفة كثيرا، لكن يبدو أنها من دمشق، وفي بداية عشرينياتها، وهي ابنة أستاذة قانون سابقة. وقيل إن النصر "ولدت وفي فمها معجم"؛ إذ بدأت الكتابة في مراهقتها دعما لفلسطين، ثم تحولت للكتابة للثورة وقمع النظام لها، ثم ساهم ما شاهدته في تطرفها، بحسب التقرير.

تقول النصر في بعض قصائدها :
ورصاصهم فجر الدماغ مزلزلا .. فتساقط العظم المتين وقد وهن!
ثقب الحناجر ناثرا أشلاءها .. لكأننا في درس تشريح البدن!!
غسل الشوارع من دماء لم تزل.. تجري سيولا هادرات كالمزن!
 
وكانت النصر في إحدى دول الخليج قبل عودتها إلى سوريا العام الماضي، وذهابها إلى الرقة، العاصمة الفعلية لتنظيم الدولة، لتصبح شاعرة ودعائية رسمية لتنظيم الدولة، إذ كتبت قصائد في مديح أبي بكر البغدادي، ومقالة من ثلاثين صفحة بالدفاع عن قرار حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في شباط/ فبراير، بحسب التقرير.

ونقل التقرير وصف أحلام النصر بأن دولة الخلافة "فردوس إسلامي، لا يحكمها فاسدون"، مشيرة إلى أنها رأت نساء يرتدين الخمار هناك، ويعاملون بعضهم باحترام، وأناسا يغلقون محلاتهم وقت الصلاة"، موضحة أن الأطفال كانوا يحتفلون بالنصر في الموصل بقتالهم بالعصي، كأنهم يحاربون "الهراطقة والكفار".

وفي قصيدة لها عن الانتصارات التي وصفتها بالصبح الجديد للعراق، قالت النصر، بما معناه:
عز الإسلام لقد عادا .. حيّوا يا قوم الآسادا
وتعالوا نبني دولتنا .. ونعيد لديني الأمجادا
والموصل تزهو باسمة .. بالنصر المولى قد جادا
لن تهزمنا جولة كفر .. لا تحسن إلا الإفسادا

ويتداول تنظيم الدولة والقاعدة الشعر الكثير الذي يكتبونه عبر حسابات التواصل الاجتماعي، والمواقع الموازية التي تظهر وتختفي بسرعة كبيرة، بفضل المراقبة والاختراق، بحسب التقرير. كما تجري مسابقات ومنازلات بحسب الأحداث، بالإضافة لتوضيح محتويات هذه القصائد.

وانتقد التقرير تجاهل المحللين لهذه النصوص ومعاملتها كأمور جمالية، دون التعمق فيها لفهم الظاهرة الجهادية وأهدافها لجذب المجندين، إذ يعطي الشعر بعدا آخر غير ظاهر في مقاطع القتل وتقطيع الرؤوس، إذ يظهر شكلا جديدا للحياة الجميلة لمقاتلي التنظيم.

الشعر ديوان العرب

وتحدث التقرير عن أهمية الشعر لدى العرب ودوره القديم عندما كان الشعراء ناطقين بأسماء قبائلهم، ودور الشعر قبل الإسلام بالهجاء والرثاء والحشد للمعارك، مشيرا إلى الآيات القرآنية في سورة الشعراء "والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون"،  وعن دور الشعراء الذين أسلموا وكيف استفاد منهم النبي عليه الصلاة والسلام.

وقارن التقرير بين الشعر القديم الذي ازدهر في فترة ازدهار الإسلام (من القرن الثامن حتى الثالث عشر) في الحواضر الإسلامية (دمشق وبغداد وقرطبة)، وبين الشعر الحديث الحر؛ إذ فقد الشعر القافية الثابتة، مع بقاء الوزن واللغة الشاعرية.

أما شعر مقاتلي التنظيم، فهو شعر "متعطش للدم"، بحسب التقرير، إذ إن الشيعة واليهود والغرب والفصائل المعادية مهددون بالدمار، حيث يظهر ذلك في مقاطع يغنى بها الشعر كخلفية لتفجير دبابات للخصوم على سبيل المثال، ما يجعل الشعر "فنا اجتماعيا بدل كونه مهنة خصوصية"، على حد تعبير التقرير.

الشاعر أسامة بن لادن

وتحدث التقرير عن الوثائق التي كُشفت من المجمع الذي قتل فيه أسامة بن لادن؛ إذ طلب بن لادن من أحد كبار قادته بعد حديثه عن عملية كبيرة في أمريكا، عن "أي إخوة يعرفهم بقدرات شعرية، وحول كتب في علم العروض، أرسلهم لي".

وبين كل الشعراء الجهاديين، كان بن لادن الأكثر احتفاء بهم، وكان يفخر بمعرفته بالشعر، كما كان أول مخيماته في أفغانستان باسم "المأسدة"، نقلا عن قصيدة لكعب بن مالك، كما كان جزء كبير من كاريزما بن لادن لخبرته في البلاغة، كما قال التقرير.

إحدى أشهر قصائد بن لادن كتبت في نهاية التسعينات، وكانت من جزأين، بأربعة وأربعين بيتا شعريا؛ إذ كان النصف الأول بصوت حمزة بن أسامة بن لادن الصغير، والأخرى رد أبيه عليه، حيث يستخدم كثير من الشعراء أصوات أطفال في حالة من الاستعطاف والحقيقة.

ويبدأ حمزة قصيدته بسؤال أبيه عن صعوبة حياتهم وعدم قدرتهم على البقاء بمكان واحد، مستخدما لفظ (الراحل)، فيتحدث عن صعوبة العزلة والخطر، ويقارن ذلك بعدد من حيوانات الصحراء، قائلا :

أبتاه أين هو المفر ومتى يكون لنا مقر ؟..  آه أبي كيف ما أبصرت دائرة الخطر ؟ 
أكثرت ترحالي أبي بين البوادي والحضر..  أكثرت من سفري أبي بين وادٍ ومنحدر 
حتى نسيت عشيرتي وبني العموم والبشر.. ما بال منزلنا اختفى عني فليس له اثر ؟ 

ويصف حمزة رحلة بن لادن الطويلة وعائلته، وهجرتهم من السعودية إلى السودان، وتسفيرهم المتتابع، وأخيرا حتى وصولهم لأفغانستان "حيث الرجال أولي الغرر"، ومع ذلك ترسل إليهم أمريكا "وابلا من القذائف كالمطر" ، في إشارة إلى هجمات عملية "الوصول اللانهائي" عام 1998، طالبا في النهاية من أبيه: "فيما أرى قول مفيد ومختصر".

ويرد بن لادن على ابنه بذات القافية والوزن، ما يضفي هالة من الرسمية والألفة، طالبا منه ألا يتوقع سهولة في الحياة: "عفوا بني فلا أرى بالدرب غير شديد منحدر، عقد مرت سنواته بين التشرد والسفر"، مذكرا إياه بعالم يعيش فيه الأبرياء بمعاناة الأبرياء" في "دنيا بني الطفل يذبح فيها كالبقر".

ويعترف بن لادن بشكوى ابنه، لكنه يفسر له أن الصعوبة والهجرة ضروريتان، ليس بسبب حضور الظلم بكل مكان، ولكن لأن المحنة هي علامة الاختيار، في إشارة إلى فكرة "الغرباء" الأساسية بالفكر الجهادي.

ما وراء الحدود

ويشير التقرير إلى فكرة رفض الدولة الحديثة الأساسية في الفكر الجهادي، التي تسعى لتحطيم خارطة الشرق الأوسط التي أسستها اتفاقية سايكس بيكو، وهو ما أسسه تنظيم الدولة بمقطعه الشهير بتحطيم الحدود بين سوريا والعراق.

ويتفاعل الشعر مع هذه الجغرافيا الجديدة الرافضة للحدود، والمؤسسة حول مواقع معاناة المسلمين، إذ تقول الشاعرة أحلام النصر في إحدى قصائدها، جامعة بين سياسة الجهاد بالكونية الحالمة:

بلاد الحق أوطاني .. بنو الإسلام إخواني
إله الكون يأمرنا .. بإنصاف وإحسان
ولائي وفق إيماني .. وتوجيهات قرآني
وليس تعصبي يوما .. لقحطان وعدنان
أخي في الهند أنت أخي .. كذا في أرض بلقان
وفي الأحواز والأقصى .. بلاد العرب شيشان
إذا صاحت فلسطين .. ونادت أرض أفغان
وعانت كوسوفو ظلما .. وآسام وفطّاني
رنا قلبي لهم شغفا .. يتوق لنصرة العاني
وما فرقت بينهم .. بهذا الدين أوصاني
فإنا كلنا جسد .. يقوم على الهدى الهاني
يكفكف من مواجعه .. ويمسح دمه القاني
فلا عرق يفرقنا .. إلى لغة وألوان
كتاب الله يجمعنا .. على التقوى بإيمان
لتخسأ كل آمال .. لتشتيت وعدوان

وأوضح تقرير المجلة الأمريكية أن ديوان "أوار الحق" يضم قصيدة لأحد الجهاديين الشيشانيين المعروفين، والأخرى لمتبرع كويتي، إذ إن هذه القصائد المعولمة منتشرة في الشعر الجهادي، إذ تسعى لتحقيق الخيال في الواقع.

وناقش التقرير رد تركي البنعلي، منظر القاعدة البحريني، على طلب البحرين من المقاتلين العودة، بقصيدة قصيرة عنوانها: ذم الجنسية، قائلا فيها إنه يضع الجنسية تحت قدميه، كما هو الأمر الملكي.

واستخدم البنعلي لفظ "الرباط" التي كانت بين المناطق الإسلامية والمناطق المحيطة، ما يضفي هالة من التاريخية على هذه القصائد، وهو ما يبنى عليه كثيرا في تنظيم الدولة؛ إذ تظهر مقاطعه سيوفا ورايات وخيولا، في إشارة إلى الفاتحين المسلمين سابقا.