نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لنيكولاس بلانفورد، حول تداعيات تسريب
شريطي التعذيب في أحد السجون
اللبنانية، حيث قال إن عاصفة سياسية ثارت في بيروت بسبب تسريب شريطي فيديو يظهران سجينين إسلاميين يضربان في أكبر سجون لبنان.
ويشير التقرير إلى أن تسريب الشريطين قد سلط الضوء على ظاهرة التعذيب، التي تمارس كثيرا في الشرق الأوسط، دون أن يتطرق لها أحد في الخطاب السياسي المحلي.
وتستدرك الصحيفة بأن الغضب بسبب الشريطين، الذي أشعل حرب اتهامات بين السياسيين، كما أشعل احتجاجات في المناطق السنية، بالإضافة إلى شغب في السجون، رفع من الأمل بأن تقوم السلطات اللبنانية باتخاذ إجراءات لمنع سوء معاملة المعتقلين.
وينقل الكاتب عن نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومان رايتس واتش" نديم خوري، قوله: "هذا هو التحدي، ففي الماضي كان ظهور مثل هذه الأشرطة يؤدي إلى بيانات وإعلانات مختلفة تدعو إلى مبادرات، ولكنها تفقد الزخم بسرعة كبيرة".
ويضيف خوري للصحيفة أن "الفرق هذه المرة أن الفيديو يظهر إسلاميين سنة يتم تعذيبهم، وهذا يدفع إلى تأجيج المشاعر الطائفية وزعزعة استقرار الوضع الأمني في البلاد، إنه تهديد قد يحث الحكومة على التحرك".
ويتابع خوري بأن "مثل هذه الأشرطة ليست فقط سيئة لسجل لبنان
الحقوقي، الذي قد لا يقلق الحكومة اللبنانية كثيرا، ولكنه قد يكون عاملا لعدم الاستقرار".
ويلفت التقرير إلى ان أحد الشريطين يظهر عددا من السجناء مكبلين وراكعين، ويقوم الحرس بضربهم وركلهم وصفعهم. والشريط الآخر يظهر رجلا ملتحيا مقيدا يُضرب بهراوة، وقد تم تعريف الضحايا على أنهم إسلاميون سنة في سجن
رومية في شمال شرق بيروت.
ويذكر بلانفورد أنه قد تم اعتقال ستة من الحراس، بحسب الحكومة اللبنانية، ولم يعلن بعد عن أسماء الحراس أو انتماءاتهم الطائفية. وقال وزير الداخلية اللبناني نهاد مشنوق يوم الأحد: "إن هذه الأمور تحصل، ولكني أريد أن أؤكد الآتي: نحن الدولة العربية الوحيدة التي حولت ضباطا أساءوا معاملة السجناء إلى المحكمة العسكرية، وكنا دائما نستنكر الانتهاكات والتعذيب في السجون السورية، ولن نتسامح مع أفعال مشابهة في السجون اللبنانية".
وتبين الصحيفة أن سجن رومية قد بني ليتسع لـ3500 سجين، ولكنه يحتوي الآن على حوالي ثمانية آلاف سجين في بيئة مكتظة وقذرة، وكان لفترة طويلة مركز اهتمام ناشطي حقوق الإنسان.
انتشار التعذيب
ويورد التقرير أن لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة قالت في تقرير لها في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إن التعذيب في لبنان "منتشر"، وقدمت قائمة من 34 توصية تهدف إلى استئصال هذه الظاهرة. على الرغم من أن المسؤولين اللبنانيين يقولون إنهم لا يتغاضون عن التعذيب، وإنه قد تم اتخاذ إجراءات حكومية لتحقيق توصيات اللجنة، بحسب ناشطين حقوقيين.
وتنقل الصحيفة عن ممثل لبنان لدى مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان، التي تتخذ من جنيف مقرا لها، سعد الدين شاتيلا، قوله: "لقد أهملوا التقرير، وفي الواقع انتقدوه. نحن لا نشعر بأن حقوق الإنسان هي واحدة من أولويات السلطات اللبنانية".
ويشير الكاتب إلى أنه في حزيران/ يونيو 2013، قام الجيش اللبناني بخوض معركة استمرت يومين مع مؤيدي الشيخ السلفي المتطرف أحمد الأسير. وفي نهاية القتال، الذي أسفر عن مقتل 18 جنديا و28 مقاتلا، ظهر تسجيل فيديو لجنود يحققون مع معتقل من أتباع الشيخ الأسير ويركلونه. ومات معتقل آخر بينما كان لدى الجيش، وكانت على جسده علامات تعذيب، وقام الجيش بعدها باعتقال الجنود في كلتا الحالتين، ولكن ليس من الواضح إن تم عقابهم أم لا. ويقول شاتيلا: "يجب أن تكون هناك شفافية أكثر، ويجب أن يعرف الشعب عن هذه الحالات".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن التداعيات السياسية والطائفية المتعلقة بتسجيلات رومية قد غطت على دعوات تحسين ظروف حقوق الإنسان في السجون اللبنانية.
السنة يتهمون حزب الله بوجود دوافع سياسية
وتفيد الصحيفة بأن سجناء رومية قاموا بأعمال شغب لفترة قصيرة يوم الثلاثاء، وطالبوا بهواتف نقالة وتوفير شبكة إنترنت لاسلكية. وكان القسم (ب)، الذي يقبع فيه السجناء الإسلاميون، ممنوع على الحراس. وفي شهر كانون الثاني/ يناير، قامت قوة شرطة خاصة باقتحام القسم، وتم نقل السجناء منه إلى جزء آخر من السجن، بعد أن تبين أنه قد تم تنسيق عمليتين انتحاريتين لتنفيذهما في طرابلس شمال لبنان، من سجناء في القسم (ب) لديهم أجهزة هواتف نقالة.
وبحسب بلانفورد، فقد كانت هناك تظاهرات في طرابلس، التي تقطنها أكثرية سنية، وسط دعوات إلى استقالة المشنوق، الذي يعد شخصية بارزة في تيار المستقبل، الذي يعادي حزب الله الشيعي. وقد اتهم وزير العدل اللبناني أشرف الريفي حزب الله بأنه قام بتسريب التسجيلين؛ ليوقع بينه وبين المشنوق، وكلا الرجلين مرشح ليكون رئيس وزراء في المستقبل. وقال الريفي: "هذه الحملة تستهدف السنة المعتدلين ووحدتهم وقيادتهم".
ويورد التقرير أن حزب الله قام بالرد في بيان قال فيه: "من المؤسف أن نعيش في بلد يقوم فيه وزير العدل بتوجيه تهم دون أي أدلة".
الخوف من تلاشي الغضب
وتوضح الصحيفة أن دعاة الإصلاح يرون أن الغضب الشعبي العام بسبب التسجيلات، والوعود بمكافحة سوء المعاملة، سوف يهملان وسط المشاحنات السياسية.
ويقول خوري للصحيفة إن الطريق نحو الإصلاح ليس "علم صواريخ"، وهو طريق معروف للسلطات اللبنانية. ويتضمن نظام رقابة مستقلا لمؤسسات الإصلاح، والمزيد من الشفافية في محاكمة الذين يرتكبون التعذيب، ودعوة ممولي الجيش اللبناني وقوات الأمن، وبينهم الولايات المتحدة، للمساعدة في "بناء مؤسسات مسؤولة، وليس فقط أن ترسل لهم معدات حديثة وأسلحة جديدة".
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" بالإشارة إلى قول خوري إن هذه فرصة، والاختبار الآن هو هل يكون لهذا الشجب وهذه الإعلانات أثر حقيقي في التغيير؟