نشرت صحيفة لاكروا الفرنسية تقريرا حول
الاتفاق النووي الذي تم توقيعه بين
إيران والغرب، تناولت فيه مختلف ردود الفعل المرحبة والرافضة لهذه الخطوة، وتساءلت إن كان هذا الاتفاق يشكل مكسبا تاريخيا سيعود بالفائدة على منطقة الشرق الأوسط، أم أنه خطأ كارثي سيمكن إيران من مواصلة سعيها لاكتساب القنبلة المحظورة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الاتفاق النووي الذي وقعت عليه إيران من جهة، ومجموعة دول 5+1 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) من جهة أخرى، أنهى 12 سنة من التوتر والأزمات، وأحدث موجة من ردود الفعل المتباينة في مختلف أنحاء العالم، بين ترحيب الغرب، وغضب دول الشرق الأوسط.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الاتفاق يمثل نجاحا دبلوماسيا كبيرا للرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي تحصل في سنة 2009 على جائزة نوبل للسلام. فبعد 35 سنة من انقطاع العلاقات بين البلدين، عقب الثورة الإيرانية وأزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، جاءت الوثيقة الموقعة في 14 تموز/ يوليو 2015 لتعكس تقاربا لافتا في العلاقات بين طهران وواشنطن.
ونقلت عن أوباما قوله: "هذا الاتفاق يعطي فرصة للبلدين لفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بينهما، ولكن إذا خالفت إيران البنود المنصوص عليها في الوثيقة، فإن جميع العقوبات سيتم تفعيلها من جديد".
وأشارت الصحيفة إلى أن الاتفاق قوبل بالرفض من قبل العديد من السياسيين الأمريكيين، خاصة في معسكر الجمهوريين، وبدرجة أقل في معسكر الديمقراطيين أيضا، ولهذا فإن الأنظار ستتوجه خلال الفترة القادمة للكونغرس، الذي سيكون مطالبا بالنظر في نص الاتفاق خلال فترة 60 يوما، والاختيار بين المصادقة عليه أو رفضه.
وأضافت أن الصراع بين الرافضين والموافقين سيكون محتدما، نظرا لأهمية القرار والانقسام الكبير داخل الكونغرس. فحتى لو صوتت الأغلبية على رفض الاتفاق، فسيكون بمقدور أوباما استعمال حق الفيتو لتمريره، ولكن إذا صوتت أغلبية الثلثين ضده، فإنه سيسقط في الماء، حسب الصحيفة.
وفي المقابل، قالت الصحيفة إن الرئيس الإيراني حسن روحاني عبر عن ابتهاجه بالاتفاق، قائلا: "إن كل أهدافنا تحققت، والله استجاب لدعوات شعبنا"، بما أن هذا الاتفاق لا يفتح الطريق نحو تطبيع العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي فقط، بل يؤدي إلى رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية التي تم تسليطها منذ سنة 2006.
واعتبرت "لاكروا" أن هذه الخطوة ستمثل متنفسا للمجتمع الإيراني. ورغم أن وزارة الداخلية قد دعت لتجنب الاحتفالات في الأماكن العمومية، فإن الإيرانيين لم يمتنعوا عن التعبير عن فرحتهم في الشوارع من خلال إطلاق أصوات منبهات السيارات.
وذكرت الصحيفة أن الهوة بين الأغنياء والفقراء اتسعت خلال السنوات العشر الأخيرة، بسبب التأثير السلبي للعقوبات على الاقتصاد الإيراني.
ونقلت عن برنار أوركاد، مدير البحوث بالمركز الفرنسي للدراسات، أنه "بسبب العقوبات أصبحت البنوك ترفض تمويل المشاريع، كما أصبحت الأدوية شحيحة، والعديد من المصانع أغلقت أبوابها بسبب عدم وجود قطع غيار لتشغيل الماكينات، كما اضطرت الدولة لتقليص ميزانية المساعدات الاجتماعية التي تقدمها للطبقات الضعيفة".
وأشار أوركاد إلى أن "هذه الظروف الصعبة مهدت لوجود ترحيب واسع في إيران بالاتفاق النووي، وما يعنيه من انفتاح اقتصادي ورفع للعقوبات، إلا أن حوالي عشرين في المئة من النواب، الذين يمثلون التيار الأكثر تشددا، والأكثر قربا من المرشد علي خامنئي، لا يزالون يتمسكون بخطاب عدائي تجاه الغرب، وهو ما يذكّر بأن إيران لن تتخلى عن هويتها التي عرفت بها حتى وإن تغيرت الظروف".
في سياق آخر، ذكرت الصحيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم ينتظر توقيع الاتفاق بشكل رسمي، ليصفه بأنه "خطأ كارثي وتاريخي، يفتح الباب أمام سباق التسلح في الشرق الأوسط". كما حذر نتنياهو من أنه " بعد رفع العقوبات، ستمتلك إيران موارد ضخمة لتمويل مشاريع الهيمنة على المنطقة، وتقوية أذرعها المسلحة على غرار حزب الله وحماس".
وأضافت الصحيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يخوض حربا ضد الطموحات النووية الإيرانية، التي وصفها بأنها تمثل "تهديدا وجوديا لدولة إسرائيل"، باعتبار أن القيادات الإيرانية تتحدث دائما عن تدمير "إسرائيل"، ومن المؤكد أنها ستقوم بخرق بنود الاتفاق ما إن تسمح لها الظروف بذلك.
وأشارت الصحيفة أيضا إلى أن الاتفاق النووي أثار القلق في المملكة السعودية، ألدّ أعداء إيران الشيعية، وفي بقية دول الخليج، لأن الكثيرين في شبه الجزيرة العربية، يعتقدون أن طهران ستستغل هذا النجاح الذي حققته لمواصلة الدفع ببيادقها في المنطقة، لدعم نظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، والحركات الشيعية في اليمن والبحرين.
وفي الختام، اعتبرت الصحيفة أن الاتفاق سيزيد من منسوب التوتر في الشرق الأوسط، رغم أنه يبدد المخاوف بشأن تصنيع القنبلة النووية، خاصة وأن دول الخليج لم تعد تثق في التطمينات الأمريكية بشأن الملف النووي الإيراني، وستسعى لاتخاذ مواقف أكثر تصلبا في هذا الشأن.