يعود ظهور "كتائب
البعث" إلى جامعة حلب، بعد تصاعد نشاط
طلاب الجامعة في المظاهرات منذ بداية الثورة، ثم في المقرات الجامعية في طرطوس واللاذقية، نظرا للنسبة الكبيرة للطلاب الموالين فيها، حيث عمد النظام إلى تجنيدهم ليعملوا "شبيحة" بين الطلاب. فهم بمنزلة مخابرات سرية بين صفوف الطلبة، وقوات أمن تضبط الأوضاع من داخل الحرم الجامعي، وتساعد في قمع المظاهرات، وتقف على الحواجز لتفتش الطلاب.
وحسب ما نشرته وسائل إعلام النظام، فقد تم إنشاء هذه الكتائب لمساندة قوات الجيش والأمن، وتخفيف العبء عنها، عدا عن كون عناصر هذه الكتائب مطلعين على تفاصيل حياة الطلاب، وهذا ما يسهل عليهم أداء مهامهم.
ويخضع المنتسبون لهذه الكتائب لدورات تدريبية عسكرية، على حمل السلاح، والمناورات، ومواجهة المظاهرات، ثم يتولون مهامهم على الحواجز المنتشرة حول
الجامعات، وفي مقرات فروع الحزب، ومكاتب اتحاد الطلبة داخل الجامعة، وفي حال اقتضى الأمر يشاركون بالعمليات العسكرية واللوجستية التي تتناسب مع إمكانياتهم، ضمن ما يسميه النظام "مكافحة التخريب"، وهو ما يعني قمع المظاهرات.
ويشكل العلويون الموالون لنظام بشار الأسد النسبة العظمى من المنتسبين، وأصبح انتشار هذه الكتائب واضحا في جامعة البعث (حمص)، وجامعات حلب وطرطوس واللاذقية، حيث يعدّون بمنزلة عناصر الأمن داخل الجامعة، فيقومون بـ"التشبيح" على الطلاب، والاعتداء عليهم، ويتجولون داخل الكليات كما يريدون. فهم السلطة الأعلى داخلها، وحتى أساتذتهم لا يجرؤون على إزعاجهم، كما يقول عمرو، الطالب في جامعة البعث، لـ"عربي21".
ويضيف عمرو: "ليس غريبا أن تشاهد طالبا يهين طالبا آخر أو حتى يعتدي عليه بالضرب، والفارق بينهما أن المعتدي يرتدي الزي العسكري وهو عنصر في كتائب البعث، وليس لدى الآخر شيء يفعله سوى الخضوع؛ لأنه يعلم أن عاقبته ستكون إما الاعتقال أو إنزال العقاب به إذا خالف الأوامر، فهو يتعامل مع عنصر أمن بهيئة طالب".
والكثير من الطلاب تم اعتقالهم من داخل الحرم الجامعي بعد مشكلات حصلت بينهم وبين بعض العناصر، أو حتى مشادات كلامية أدت إلى حرمان بعض الطلاب من الامتحانات، وإنزال عقوبات وصلت بالبعض إلى حد الفصل من الجامعة.
ويوضح عمرو أن "هذه الكتائب أدت مهمتها في تحويل الحرم الجامعي إلى مكان يشبه شوارع المدينة التي تنتشر فيها الحواجز الأمنية، وتطاردك فيها عيون المخبرين فأصبح الطلاب كالسجناء في جامعاتهم".
ووصل عدد المنتسبين إلى هذه الكتائب إلى سبعة آلاف عنصر منذ تأسيسها قبل حوالي عام، وتضم بين صفوفها طالبات تم تجنيدهن للوقوف على الحواجز وتفتيش الطالبات دون تدخلهن في الأعمال العسكرية.
أما أسامة، أحد الناشطين الذين عملوا في الثورة في أيامها السلمية في أثناء دراسته في الجامعة، فيصف لـ"عربي21" تجربته قائلا: "عند حديثي مع زملائي في الجامعة كنت أتعمد الابتعاد عن الأحاديث التي تتعلق بالأحداث الدائرة، حتى ولو كانت عامة".
ويتابع: "بعد انتشار هذه الكتائب بين الطلاب لم تعد تعرف ما إن كان صديقك متعاونا معها أو حتى منتسبا إليها بشكل سري؛ ليؤدي دور المخبر بين أصدقائه. وحتى إن كنت تعرف كل الأصدقاء فأنت لا تأمن من المتنصتين، فهم منتشرون في كل مكان، داخل قاعات المحاضرات وعلى طاولات الكافيتريات".
وقد أدت هذه الحالة، حسب تعبير أسامة، إلى توقف الكثيرين ممن كانوا يعملون في الثورة بشكل مخفي عن الدراسة والذهاب إلى الجامعة، "فأي نشاط مشكوك به وأي كلمة قد تفلت منك قد تقضي على مستقبلك في الدراسة، وتؤدي بك إلى الاعتقال"، وهو ما يراه الكثيرون تجسيدا للنظام المخابراتي، الذي يقوم عليه النظام السوري ليزرع الخوف بين الناس ويراقب تحركاتهم.