كتب محمد أبو رمان: اقتربت السفيرة الأميركية في الأردن، أليس ويلز (في مقابلتها مع "الغد" أمس، والتي أجرتها الزميلة تغريد الرشق)، كثيراً من تعريف "الحل المثالي" قصير المدى المناسب للأردن خلال الفترة القادمة، وهو وجود "منطقة آمنة" ذاتياً في جنوب سورية، عبر الجيش الحرّ والمعارضة المعتدلة، من دون الحاجة الملحّة إلى تدخل عسكري مباشر أو منطقة حظر طيران جوي.
ولم تبتعد السفيرة عن جادة الدقّة والصواب عندما وصفت محافظة درعا اليوم بأنّها منطقة "آمنة نسبياً"؛ فهناك قسم كبير من الأراضي تسيطر عليه "الجبهة الجنوبية" (الجيش الحرّ القريب من السياسات الأردنية والسعودية)، وأغلب الناس يقومون بأعمالهم المعتادة في الزراعة في الريف، بينما بقيت بعض المناطق تسيطر عليها القوات الحكومية. وهناك محاولات جادّة اليوم من قبل "الجبهة الجنوبية" لتحرير درعا البلد بالكامل، عبر تجديد "عاصفة الجنوب"، بعد فشلها السابق. وإذا ما تمّ الأمر، فستكون المنطقة الممتدة من درعا وريفها إلى ريف دمشق الجنوبي وريف السويداء خارجة بالكلية عن سيطرة
النظام السوري؛ أي إنّها مناطق محرّرة بالكامل.
بالضرورة، يبقى الهاجس المرتبط بداعش. ومن المعروف أنّ التنظيم لا يمتلك وجوداً يذكر في المناطق الجنوبية، بل هناك خلايا نائمة محدودة، في حين أن تواجده الأكبر هو في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية.
أمّا "جبهة النصرة"، فبالرغم من أنّها تمتلك وجوداً معتبراً في محافظة درعا، إلاّ أنّها تتجنب الصدام مع "الجبهة الجنوبية"، وتبدي مرونة كبيرة في التعاطي مع الشروط الأردنية. ويتذكر مسؤولون رفيعون كيف أنّ الأردن طلب فوراً من "الجبهة الجنوبية" عدم وجود أي فرد من "جبهة النصرة" على معبر نصيب بعد تحريره من الجيش السوري، وتمّ تحقيق المطلب الأردني في ساعاتٍ معدودة.
رهان الأردن على "الجبهة الجنوبية" كبير. ولعب الأردن دوراً كبيراً، في القنوات السياسية والأمنية الخلفية، للجم أي نزاع قد يتطوّر بين الدروز في السويداء والحورانيين، مستثمراً شبكة علاقاته الواسعة بين الطرفين، بعد سيطرة "الجبهة الجنوبية" على المنطقة المحاذية لها هناك، بالرغم من أنّ هناك ثأراً تاريخياً وأزمة مكبوتة بين الطرفين.
إذن، يبدو الأردن في وضع جيد في ضوء التطورات الجارية، مقارنةً بالوضع على الحدود الشمالية التركية؛ إذ هناك تهديد أمني حقيقي للأتراك (يأخذ أبعاداً داخلية خطرة)، يتمثّل في وجود كل من حزب العمال الكردستاني و"داعش" في المنطقة الحدودية الممتدة، ما يدفع بالحكومة التركية إلى التدخل العسكري المباشر لتأمين منطقة خالية من "داعش" والأكراد على السواء، وإحلال الفصائل الموالية لتركيا محلهم في تلك المنطقة. وهي العملية العسكرية المعقدة والمرهقة التي تجاوزها الأردن ابتداءً، عبر وجود منطقة خالية نسبياً من "داعش" ومن الجيش السوري، تقع في أغلبها تحت نفوذ "الجبهة الجنوبية".
يمكن، لاحقاً، البناء على انسحاب الجيش السوري من كامل درعا، والذي سيحدث عاجلاً أو آجلاً؛ عبر تمكين "الجبهة الجنوبية" بالكامل عسكرياً، وتوفير رعاية لها، مع المساعدة الأردنية-السعودية في بناء إدارة مدنية مقبولة لأهل الجنوب السوري، تتولّى -مؤقتاً- توفير الأمن والخدمات الأساسية، وتشجيع التنمية والاقتصاد والزراعة، بما يمنع تدفق لاجئين جدد.
بدأ مسؤولون أردنيون يتحدثون عن مشروع "الوادي الأخضر" في ريف درعا وحوران، وهي المنطقة الزراعية الخصبة التي يمكن أن تكون بالفعل عاملاً مهماً في عودة نسبة كبيرة من الأشقاء السوريين إلى منازلهم ومصالحهم وحياتهم الطبيعية، في حال كانت هناك مظلة دولية وعربية لهذا المشروع.
(عن صحيفة الغد الأردنية- الخميس 27 آب/ أغسطس 2015)