نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا لمحرر الشؤون الاقتصادية في القناة الرابعة البريطانية بول ميسون، يقول فيه إن هناك حاجة لفهم ماذا يحصل في
سوريا قبل أن يتخذ البرلمان أي قرار يتعلق بأي عمل عسكري هناك.
ويضيف الكاتب أنه قد يطلب من البرلمان أن يوافق على ضرب سوريا في تشرين الثاني/ نوفمبر، وستكون هذه إعادة لنقاش عام 2015، ولكن الفرق أنها هذه المرة ستكون ضد الفريق الآخر.
وتذكر الصحيفة أن جهاز الأمن القومي نفر من فكرة فرض منطقة حظر جوي على طيران
الأسد، باستخدام السفن الحربية وصواريخ كروز.
ويشير التقرير إلى أنه من الواضح أن الحكومة قلقة من القيام بأي عمل عسكري في سوريا قد تثير حركة احتجاجات معارضة، كتلك التي أثارتها حرب
العراق. وبدلا من ذلك ستُطلب الموافقة بتوجيه ضربات لتنظيم الدولة، وهو ما يفعله سلاح الجو الملكي في العراق.
ويرى ميسون أنه يحق للحكومة أن تكون قلقة؛ لأن الشعب قلق كذلك، مشيرا إلى أن هناك نفورا من نتائج حربي أفغانستان والعراق، ويأسا من عجز الدول الغربية في إعادة بناء ديمقراطيات في الديكتاتوريات التي يتم غزوها.
وتبين الصحيفة أنه بالنسبة لقوة عسكرية تاريخية، فهذه الحالة تشكل شبه شلل، ويعود ذلك إلى تفكك نظامي التحالف الذي تشكل
بريطانيا جزءا منهما، والصين وروسيا تمنعان مجلس الأمن من التدخل عسكريا لوقف المذبحة. وأمريكا فقدت رغبتها في التدخل العسكري، وفي البرلمان البريطاني يضاف إلى التعقيد أن المعارضة لا تعرف موقفها بعد.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن قرارا في الطريق، ويجد أن من حق بريطانيا كونها عضوا دائما في الأمم المتحدة، بل ومن واجبها، أن تنفذ القانون الدولي وبالقوة إن لزم.
ويقول الكاتب: "إن كنت مسالما، فمن المبرر أخلاقيا أن تقول لا يمكن فعل شيء، ولكن إن لم تكن كذلك فإن أهم شيء يمكنك تطبيقه على القضية السورية هو المنطق. وأنا كوني صحافيا في الخدمة العامة لا أعطي نفسي الحق في القول بأن نضرب أو لا نضرب، ولكن يحق لنا جميعا أن نطرح الأسئلة".
ويتابع ميسون: "فالتحدي الأول هو أن نفهم ماذا يحصل، قد تحولت ثورة للمطالبة بالديمقراطية إلى حرب أهلية، وتم اختطافها من قبل الإسلاميين، وتخلى عنها الغرب، ثم أصبحت كرت مفاوضات مع بوتين. صحيح أن أمريكا كانت تحاول قلقلة سوريا قبل عام 2007، كما بينت برقيات
ويكيليكس، ولكنها لم تكن متحمسة للربيع السوري عام 2011، كما هو الحال بالنسبة للربيع العربي بشكل عام".
ويواصل الكاتب قائلا: "فشلت الثورة السورية، لأن بوتين أعاد تسليح الجيش الذي كان يترنح، ولأن وكيل إيران في لبنان، حزب الله، وقف مع الجيش السوري في معركة مهمة؛ ما ساعد على هزيمة المعارضة المعتدلة. كما توقفت قطر والسعودية في وقت حساس عن تقديم الدعم للمعارضة العلمانية، وذلك لتقوية وكلائهما، ومع أن الجيش السوري الحر، الذي تدعمه أمريكا لا يزال يقاتل الأسد، إلا أن الانتصارات القريبة التي تم تحقيقها كانت على يد ما يسمى جيش الفتح، الذي تدعمه تركيا والسعودية وقطر. وفي تموز/ يوليو، قام بضرب الثوار الذين دربتهم أمريكا عندما تم إدخالهم إلى مناطقهم".
وتستنتج الصحيفة أنها حرب أهلية على أربعة محاور، وأنه في مثل هذه الحروب يثير أي تدخل أجنبي ردة فعل، ويغير من توازن القوى. وتجد أن على دعاة توجيه الضربات العسكرية لتنظيم الدولة فقط الإجابة عن السؤال: كيف يمكن لذلك أن يساعد سوريا؟، إن اختفى
تنظيم الدولة من الخارطة، فمن تظن الحكومة البريطانية سيحل محله؟ وتقول التقارير إن ثلاثة أرباع الضحايا المدنيين قتلهم الأسد وليس تنظيم الدولة. فهل ضرب تنظيم الدولة سيستخدم ورقة تفاوض مع الأسد؟ أم هو تهديد مبطن له؟
ويطرح التقرير السؤال التالي وهو: ما هي النتيجة المرجوة؟ فمن وزارة الخارجية الأمريكية إلى مكتب جيرمي كوربين هناك اتفاق بأن الحل سيكون دبلوماسيا، بما في ذلك روسيا أو أي دولة أوروبية لها قوات هناك، وقد يقود إلى التقسيم أو مناطق نفوذ. كما أن الحل يجب أن يتضمن القضاء على تنظيم الدولة.
ويبين ميسون أن الولايات المتحدة تعودت أن تستخدم كلا من السعودية وقطر وتركيا وكلاء لها في المنطقة، كما هو حال روسيا مع وكلائها إيران وحزب الله. مستدركا بأن الصفقة النووية بين أمريكا وإيران أغضبت هؤلاء اللاعبين الإقليميين، وذلك قوّى من تصميمهم بأن تكون لهم خطتهم الخاصة بهم للمعارضة السورية.
وتجد الصحيفة أن البرلمان بحاجة إلى أن يسأل قبل أن يلتزم بأي صراع في سوريا عن ماهية المشاركة لتلك القوى؛ لأن هذه الحرب قذرة مثل أقذر المواقف في العراق. فالنظام "المعتوه" في تركيا استخدم غطاء الحرب على تنظيم الدولة لضرب مواقع الأكراد في العراق، ودخل الآن في حرب مفتوحة مع حزب العمال الكردستاني في تركيا نفسها. أما السعوديون والكويتيون فغذوا الطائفية بشكل كبير. متسائلة ما هي الوعود لأكراد سوريا في أي تقسيم يتم بعد الحرب؟
ويفيد التقرير بأن السؤال التالي هو: ما مدى قانونية القيام بعمل عسكري؟ فبما أن تنظيم الدولة قام بتجنيد بريطانيين، وبالتالي استهدف بريطانيا بهم، فإن هناك ما يبرر قانونيا القيام بعمل عسكري متناسب. أما توجيه ضربة لسوريا فيمكن تبريره بناء على القانون الإنساني الدولي. وذلك يعني إثبات أن هناك حاجة إنسانية ملحة، وأنه لا بديل للحل العسكري، وأن يكون الفعل متناسبا. ويقول الكاتب: "كما فهمت فإن هذه هي الحجة التي طرحت أمام أعضاء البرلمان من الصف الأول من جانبي البرلمان، وهي: ضرب الأسد هو الشيء البناء الوحيد الذي يمكن فعله لوقف المذبحة، ووقف تدفق اللاجئين".
ويعتقد الكاتب أن المشكلة النهائية هي الفعالية الجيوبولتيكية. فإن روسيا نشرت قوات على الأرض في سوريا هذا الشهر، وقد تكون تتجهز لنشر طائرات مقاتلة، متسائلا: "لماذا تظن بريطانيا أنها بضرب تنظيم الدولة وضرب القواعد العسكرية السورية في الوقت ذاته ستجلب روسيا باتجاه التوصل إلى صفقة استراتيجية؟ يقول مؤيدو التدخل إنها ستفعل، وإن بوتين سيتوسط في السلام مع سوريا، إن رأى أن حرية الأسد في التصرف تم حدها مرة أخرى".
وتلفت الصحيفة إلى أن "الرأي الشعبي في بريطانيا لا يزال منقسما بين (يجب فعل شيء) و(لا يمكن فعل شيء). ولكننا نوظف الدبلوماسيين والمستشارين الأمنيين للتفكير أبعد من ذلك، ونحن بحاجة إلى تفاصيل ووضوح وشفافية".
ويورد التقرير أن تنظيم الدولة يحكم نصف العراق؛ لأن الحكومة التي وضعها الغرب هناك فشلت، ويحكم أجزاء كبيرة من سوريا؛ لأن الدولة تصدعت، ولأن الغرب أحجم عن مقاتلة الأسد في 2013 عندما سنحت الفرصة.
ويخلص الكاتب إلى القول: "تنظيم الدولة استغل في كل من العراق وسوريا فشل الاستراتيجية الغربية. فإن ما يقوله المنطق إذن هو أن هزيمة تنظيم الدولة لا تكون بشكل رئيسي بالقنابل، ولكن باستراتيجية فعالة للمنطقة، وهذا ما أود سماعه من النواب عندما يطلب منهم وزير الدفاع مايكل فالون إذنا بإطلاق النار".