نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لإريكا سولومون من بلدة سنوني في
العراق، تقول فيه إن إبراهيم الحاج كان على وشك أن يخسر عائلته وحياته عندما دخل الجهاديون بلدته، وقتلوا المئات من أقاربه اليزيديين، مشيرة إلى أن إبراهيم لديه استعداد الآن لأن يخسر مصدر رزقه أيضا؛ لإبقاء جيرانه العرب بعيدين، حيث يظن أنهم من ساعدوا المتطرفين على الهجوم.
وينقل التقرير عن إبراهيم قوله بينما كان يقف أمام كراج تصليح السيارات الفارغ في سنوني، التي أصبحت شبه مهجورة: "إذا حاولوا العودة وليست لدينا الأسلحة لنقتلهم، سنمزقهم بأسناننا وأظافرنا"، وتستدرك الكاتبة بأنه دون هؤلاء العرب لن يتمكن إبراهيم (30 عاما) ، الذي يعمل ميكانيكيا، من العيش.
ويضيف إبراهيم للصحيفة: "لم يدخل على قرش واحد منذ أن عدت، فبسبب ذهابهم ليس لدي زبائن، وعلي العودة إلى مخيمات اللاجئين".
وتشير الكاتبة إلى أن
البيشمركة الكردية استعادت خلال الأشهر الثمانية الماضية مساحات من شمال غرب العراق، بما في ذلك مناطق الحكم الذاتي المحدود في كردستان من
تنظيم الدولة، الذي اضطر مئات الآلاف من السكان من الخلفيات العرقية والدينية كلها للهروب.
ويورد التقرير أنه الآن مع بدء عودة النازحين يخشى أن تكون هناك ردة فعل سلبية ضد العرب
السنة من ضحايا تنظيم الدولة من يزيديين وأكراد. وقد وثقت منظمات حقوقية اعتداءات على مدنيين عرب، الذين منعوا في بعض الأحيان من العودة إلى بلداتهم، حتى بعد تحريرها من تنظيم الدولة.
وتذكر الصحيفة أن التنافر بين هذه المجتمعات لا يشكل مشكلة اجتماعية فحسب، بل إن هناك تهديدا اقتصاديا أيضا سيعطل النهوض بهذه المنطقة التي أنهكتها الحروب.
وتنقل سولومون عن زميل معهد الدراسات الإقليمية والدولية في الجامعة الأمريكية في السليمانية أحمد علي، قوله: "هذه المجتمعات متشابكة اقتصاديا، وأسوأ خراب أحدثه تنظيم الدولة هو فقدان الثقة بين مختلف السكان، والسؤال الصعب هو كيف سيتم علاج هذه المشكلة".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن العنف الذي أعقب الغزو الأمريكي، قد تسبب بتوتير العلاقات بين الطوائف والأعراق المختلفة. مشيرا إلى أن تمدد تنظيم الدولة ليشمل نصف سوريا تقريبا وثلث العراق، أعاد ذلك التوتر بقوة.
وتبين الصحيفة أنه عندما هاجم تنظيم الدولة محافظة سنجار، حيث تقع بلدة سنوني، الصيف الماضي، قتل آلاف الرجال اليزيديين واستعبد آلاف النساء، حيث وسم أتباع هذه الديانة بالكفر. وتشير اللافتة المكتوبة باللغة العربية فوق كراج التصليح الذي يملكه إبراهيم إلى تاريخ هذه البلدة المتعدد الثقافات، الذي حطمه الاقتتال الأخير.
وتصف الكاتبة مدينة سنوني بأنها أصبحت بلدة أشباح، بيوت من إسمنت وأخرى من الصفائح المعدنية، وأخرى مدمرة أو محروقة في بحر من الحقول الصيفية الجافة، وانضم بعض العرب أصحاب تلك البيوت لتنظيم الدولة، والكثير من العرب لم ينضموا له.
ويذكر التقرير أن العرب استطاعوا العودة إلى بعض البلدات، مثل ربيعة على الحدود مع سوريا، حيث يشكل العرب الأغلبية. ومعظم سكان ربيعة من عشيرة شمر، التي تحالفت مع
الأكراد ضد تنظيم الدولة، ولذلك فهم لا يرون أنهم يشكلون تهديدا.
وتستدرك الصحيفة بأنه حتى في ربيعة، فقد استاء العرب عندما وجدوا أن المشكلات لم تنته بعودتهم، حيث وجدوا أن الأكراد واليزيديين لا يثقون بهم، وأنه لا توجد كهرباء، فالحكومة المركزية لا تعير اهتماما لبلدة ربيعة، والسلطات الكردية لم تمد البلدة بالكهرباء من الشبكة الخاصة بها.
وتشير سولومون إلى أن السوق الرئيسة في ربيعة صاخبة، بالرغم من الذكريات الأليمة التي حدثت في الماضي القريب، فعلى امتداد الشارع يقف صف من بقايا الأكشاك الصفيحية المحروقة والمهدمة، ويقول السكان إن البيشمركة شكت بأن أصحابها انضموا لتنظيم الدولة.
ويورد التقرير أن محمد الشمر، وهو شاب عربي يلبس ثوبا أبيض ويسير في السوق، يقول: "كنت أكل وأشرب مع اليزيديين من البلدات الأخرى، ولكن الثقة ذهبت، ولم تعد الأمور كما كانت". ويقول الشرطي السابق إنه حاول الاتصال للسؤال عن زميل يزيدي سابق، ولكنه ووجه بالاتهامات، ويضيف: "قال لي: كلكم أيها المسلمون (داعش)".
وتنوه الصحيفة إلى أن معظم السكان يتحدثون عن شعورهم بأنهم محاصرون، فالبيشمركة تمنعهم من دخول سوريا لشراء احتياجاتهم بأسعار رخيصة، كما أنهم يخافون ويمنعون من دخول المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.
وتقول الكاتبة إن معظم سكان ربيعة يفضلون التجارة في المناطق الكردية، ولكنهم بحاجة إلى تصريح للذهاب إليها، وتعترف القوات الكردية المحلية بأنه من شبه المستحيل الحصول على تصريح دون وجود سبب قاهر مثل الحاجة إلى العلاج.
ويقول صاحب دكانة عربي للصحيفة: "علينا أن نطلب من التجار الأكراد شراء بضاعة لنا من دهوك وزاخو، ويمكنك أن تتخيلي الأسعار الجائرة التي يفرضونها فهم يتربحون من حصارنا". وإلى الشرق بالقرب من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، يعد أبو ثروت تكلفة الانقسام ليست فقط مادية، بل على المستوى الشخصي أيضا.
ويورد التقرير أن مالك كراج تصليح الدراجات البخارية في مخمور يفضل الحديث مع زوجته باللغة العربية، وهو ما يذكرها بطفولتها في الموصل ذات الأغلبية العربية، التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الآن.
لافتا إلى أنه بعد أن استعادت البيشمركة مخمور من تنظيم الدولة، عاد أبو ثروت، الذي فضل عدم استخدام اسمه الحقيقي، إلى بيته، وقام بتصليح الأبواب المكسرة ودهن البيت وفتح بقالته.
وتستدرك سولومون بأنه مع وجود التوتر بين العرب والأكراد واليزيديين، ومع خلو القرى المحيطة من العرب، فقد تراجع دخل أبي ثروت إلى حوالي 13 دولارا في اليوم من حوالي 250 إلى 450 دولارا في اليوم قبل الحرب.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن أبا ثروت يفكر في الانتقال مع عائلته وبقالته إلى أربيل، ويقول: "إن لم يعد العرب، واضطر الجميع للذهاب في سبيل حالهم، فلن نستطيع العيش هناك ولا أمل"، ويستدرك قائلا: "ولكننا لا نستطيع قول أي شيء في هذا الموضوع، فلو ناقشت هذا الموضوع سيقول لي الناس أنت (داعش) أيضا".