ملفات وتقارير

حراك أفريقي سعودي.. هواجس أمنية مشتركة وآفاق تعاونية

الزيارات الثلاث للسعودية تشكل انعطافة جديدة في العلاقات السعودية الأفريقية - أ ف ب
تشهد منطقة القرن الأفريقي، الأيام المقبلة، حراكا سياسيا، يأتي -بحسب مراقبين- في إطار التنسيق والتعاون بين دول المنطقة، في خضم متغيرات متسارعة وحثيثة بشكل غير مسبوق.

وفي إطار هذا الحراك، تبدأ المملكة السعودية، الأحد المقبل، في استقبال الرئيس الجيبوتي، عمر جيله، الذي يعدّ واحدا من بين ثلاثة قادة أفارقة، يزورون المملكة، تباعا، خلال تشرين أول/ أكتوبر الجاري.

وتبدأ زيارة جيله التي تأتي تلبية لدعوة من خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، بحسب مسؤول دبلوماسي جيبوتي، قبل زيارتين أخريين يقوم بهما كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس وزراء إثيوبيا هيلي ماريام ديسالين.

ويستمد لقاء العاهل السعودي والرئيس الجيبوتي، أهميته من التطور الذي شهدته العلاقة بين بلديهما خلال الفترة الماضية، إضافة إلى تطورات الأحداث الإقليمية وخاصة في اليمن، وتأثير هذه الأحداث على دول الجوار، ومنطقة القرن الأفريقي، ودول جنوب البحر الأحمر بشكل عام.

وحول الزيارة، قال السفير الجيبوتي لدى الرياض، ضياء الدين بامخرمة، للأناضول، إن العلاقات التاريخية الوطيدة التي تربط بلاده بالسعودية "تحتم عليهما تطوير تلك العلاقة، والتنسيق بينهما، كون المنطقة تمُر بأحداث جسام، ومتغيرات متسارعة ومتداخلة، يجب مواجهتها بالتنسيق والاستعداد".

وأضاف: "الممكلة كدولة كبرى في المنطقة، قدمت لجيبوتي الكثير من الدعم والمؤازرة في إطار تلك العلاقات المتميزة التي تجمع البلدين".

ويرى مراقبون أن زيارات القادة الأفارقة الثلاثة، "تأتي في ظل الأحداث اليمنية، وما تتطلبه من حصار لأية تنظيمات إرهابية في هذا البلد، أو الصومال الذي يطل على الشواطئ السعودية على امتداد حدودها البحرية مع دول القرن الأفريقي، إضافة إلى سعي الرياض لوقف التغلغل الإيراني في دول جنوب البحر الأحمر، ومواجهة الحوثيين الذين تعتبرهم الذراع الإيراني في اليمن".

يذكر أن القلق على أمن مضيق "باب المندب"، الممر الحيوي لمعظم حركة التجارة العالمية، وما نتج عن محاولة تحالف جماعة "أنصار الله" (الحوثي) والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، السيطرة على هذا الممر، بعد سقوط ميناء الحديدة اليمني في أيديهم، دفع الجميع، بحسب مراقبين إلى اليقظة ومواجهة ذلك، وفق مراقبين.

رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي ماريام ديسالين، يبدأ هو الآخر زيارة للسعودية، الأسبوع المقبل، في أول زيارة خارجية له بعد إعادة انتخابه لهذا المنصب في الـخامس من الشهر الجاري.

ومن المقرر أن تبحث زيارة ديسالين، بحسب مسؤول دبلوماسي إثيوبي، جملة من القضايا المشتركة بين البلدين، أهمها "تداعيات أزمة اليمن وتأثيرها على دول الجوار، ومكافحة الإرهاب الذي أصبح يُشكل هاجسا مشتركا بين دول المنطقة، في ظل وجود جماعات إرهابية يتطلب مواجهتها، تعاونا أمنيا بين هذه الدول، مثل القاعدة التي تتواجد بشكل قوي في كل من اليمن والصومال".

وفي هذا الصدد، أكد جيتاجو ردا؛ المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإثيوبية، على استراتيجية العلاقات بين بلاده والسعودية، مشيدا في الوقت ذاته بهذه العلاقات التي قال إن لها دورا بارزا في "تعزيز السلم الإقليمي والدولي".

وفي تصريح للأناضول، أوضح "ردا"، أن زيارة رئيس الوزراء ستبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، ومجمل التطورات على الصعيد الإقليمي والدولي، مشيرا إلى المواقف المشتركة للبلدين في قضايا عديدة، أهمها "مكافحة الإرهاب الذي بدأ يستشري في اليمن والصومال".

أما على صعيد الملفات التي سيحملها الرئيس الصومالي، في زيارته التي يبدأها، نهاية الشهر الجاري، فيرى دبلوماسي صومالي في حديثه للأناضول، "أنها لا تقل أهمية عن تلك التي تقلق الآخرين في الجوار (جيبوتي وإثيوبيا)، حيث تكاد المواقف والمخاوف تتطابق فيما بينهم، فتنظيم القاعدة له نفوذ ووجود هناك من خلال حركة الشباب المجاهدين الصومالية".

يضاف إلى ما سبق، حالة الشلل شبه التام للدولة في ظل صراعات مستمرة، وحاجة الحكومة الحالية لدعم سعودي مادي ودبلوماسي في المحيط الدولي، بحسب المصدر الدبلوماسي، الذي فضل عدم ذكر هويته.

وقال المصدر إن زيارة الرئيس ستبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وآخر التطورات في الساحة الصومالية، والجهود المبذولة لمحاربة حركة الشباب المجاهدين، لافتا إلى أن الأزمة اليمنية ستكون حاضرة في اللقاء الذي سيجمع الزعيمين شيخ محمود والعاهل السعودي.

وبحسب الأناضول، فقد قال البروفيسور محمد حبيب، أستاذ القانون بجامعة أديس أبابا، إن الزيارات الثلاث للسعودية، تشكل من حيث التوقيت والموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، انعطافة جديدة وهامة في علاقات دول القرن الأفريقي مع جارتهم الشرقية عبر البحر الأحمر، رغم قدم العلاقة تاريخيا.

ولخص حبيب دوافع هذه الانعطافة في:

أولا: "الهاجس المشترك المتمثل في تمدُد الجماعات الإرهابية المتشددة (القاعدة -داعش) - حيث تعاني منه كل دول المنطقة بشكل أو بآخر ـ الأمر الذي يستدعي تنسيقا وتعاونا أمنيا لحصارها ودحرها".

ثانيا: "مكافحة ظاهرة تهريب السلاح المنتشرة والمتنامية في المنطقة، نتيجة طول الحدود البرية بينها، أو عبر البحر، مع صعوبة مراقبتها بفعالية".

ثالثا: "توسع المساحات التي تنشط فيها عصابات القرصنة البحرية، وما تمثله من تهديد لأمن التجارة الدولية في هذا مضيق باب المندب، ومسؤولية هذه الدول في تنسيق عمليات المراقبة ومكافحتها".

رابعا: "الحد من عملية 'تجارة البشر' التي تعاني منها معظم دول القرن الأفريقي،حيث يشكل اللاجئون منها نسبة كبيرة من ضحايا هذه الظاهرة المقلقة".

خامسا: "المشاركة في تأمين مضيق باب المندب، أمام الملاحة البحرية التجارية، رغم وجود أساطيل ضخمة لدول عالمية تتولى التصدي لأي تهديد لأمن هذه المضيق".

سادسا: "تجفيف الدعم العسكري واللوجستي لجماعة الحوثيين وصالح في اليمن، من خلال حصار الموانئ الواقعة قبالة هذه الدول، والشكوك والاتهامات بمرور الدعم الإيراني المباشر عن طريق سماسرة تهريب السلاح".

سابعا:
"قرب الحدود الاريترية عبر البحر الأحمر من الشواطئ السعودية، وهاجس المملكة من اتهامات بوجود قواعد عسكرية إيرانية في بعض جُزر الأولى، خلَفت توترا دائما وفتورا في العلاقة بين البلدين".