يجد
الإعلام الفلسطيني نفسه اليوم أمام اختبار في قدرته على تغطية الأحداث التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، التي تتسارع وتيرتها، وفي ظل فقدانه مصادر المعلومات في الأحداث الساخنة، التي يقع معظمها في أماكن يسطر عليها جيش الاحتلال
الإسرائيلي، ولا تتوفر غير مصادر إسرائيلية لتقدم الرواية دون وجود طرف آخر محايد، كما حصل في "تصفية" فلسطينيين ادعت إسرائيل أنهم حاولوا طعن جنودها أو مواطنيها، فيما يشكك الفلسطينيون بهذه الرواية.
هذا التعتيم الإعلامي وغياب مصادر أخرى جعل بعض وسائل الإعلام الفلسطينية تتبنى الرواية الإسرائيلية وظهور الاشاعات والتخمينات خاصة عبر صفحات "فيسبوك"، مع أن وسائل إعلام إسرائيلية تراجعت في كثير من الأحيان عن أخبار نشرتها لعدم دقتها، وهناك من ذهب إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تلفق الأخبار.
وآخر ذلك ما تناولته المواقع العبرية الخميس الماضي، حول ما ادعته بعملية "طعن" في مدينة "بيت شيميش" غربي مدينة
القدس المحتلة، فقد ذكرت بعض المواقع بناء على روايات الشرطة وشهود عيان، أن شابين حاولا الصعود إلى حافلة للركاب وتم منعهما من قبل عدد من الإسرائيليين، واستمرا في السير في الشارع وقاما بطعن إسرائيلي، ومن ثم حضرت الشرطة وأطلقت عليهما النار ما تسبب في استشهاد أحدهما وإصابة الثاني بجروح خطيرة.
الرواية الثانية.. أن الشابين حاولا الدخول إلى كنيس لتنفيذ عملية طعن بحق المصلين اليهود، وقاما بطعن إسرائيلي قبل أن تطلق الشرطة الإسرائيلية النار عليهما، في حين قال أحد سكان المدينة إنه اشتبه بالشابين وقام بملاحقتهما في الوقت الذي اتصلت فيه إسرائيلية كانت معه، بالشرطة للتبليغ عن "مخربين"، وادعى هذا الإسرائيلي أن الشابين حاولا الصعود لحافلة ولم يستطيعا بسبب تدخل الإسرائيليين، واستمرا بالسير لحين مشاهدة إسرائيلي متدين وقاما بطعنه، وأكد أن الشرطة وصلت بعد 20 دقيقة إلى الموقع وقامت بإطلاق النار عليهما.
لم يقف الأمر عند هذا التناقض في الروايات بل في الصور التي نشرتها المواقع العبرية، فقد نشر موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" صورا متعددة لموقع ما تدعيه العملية، ويظهر في إحدى هذه الصور السكاكين التي تم استخدامها بحسب الموقع في العملية، وإحدى السكاكين بلون أسود بها ثلاث نقاط بيضاء "براغ"، ولكن موقع صحيفة "nrg" العبري نشر أيضا صورة تظهر فيها سكين واحدة بلون أسود ولكنها لا تحمل أي نقاط بيضاء وبجانبها قفاز أبيض.
حريبات: الإعلام الإسرائيلي غير مهني
ويرى المختص بمواقع التواصل الاجتماعي محمود حريبات، أن الإعلام الإسرائيلي هو في الواقع "يخدم رواية الاحتلال، من ينشر الأخبار ويقدمها هم جنود سابقون ولهم علاقة بجيش الاحتلال بشكل مباشر، وبالتالي فإن هذا الإعلام ليس إعلاما مهنيا وإنما إعلام يخدم نظرية الاحتلال ومصطلحاته، وطمس الهوية الفلسطينية والغطرسة وتشريع القتل".
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21"، أنه "بالتالي نحن نتعامل مع المصطلحات ونقل أخبارها وهذا من أكبر المشاكل والمصائب التي يقع بها الإعلام الفلسطيني، للأسف الشديد المواقع الإخبارية الإسرائيلية هي أقوى في الوصول للمعلومة، وفي كثير من الأحيان تكون مصدرا للمعلومة، لكن نحن يجب أن نكون حريصين في التعامل مع هذه الأخبار والمعلومات وليس نشرها كما هي في الرواية الإسرائيلية، وهذا ما تفعله بعض الصفحات الإخبارية على فيسبوك".
ونوه إلى أن هناك العديد من الصفحات الإسرائيلية مثل "0404" الخاصة بجيش الاحتلال، وهي ناطقة باسمه وغيرها الكثير، وقال: "للأسف الشديد هذه الصفحات نعتبرها مصدرا للمعلومات ونأخذ الأخبار منها كما هي دون التأكد من الحدث أو الخبر".
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فالترجمة بشكل حرفي أيضا مشكلة يقع بها الإعلام الفلسطيني بحسب حريبات، الذي يقول: "هناك الكثير من المصطلحات التحريضية التي يستخدمها جيش العدو بهدف تشريع القتل ضد العرب والمسلمين...، لكن مواقعنا الإخبارية والصحفيين أيضا يستخدمون هذه المصطلحات دون التأكد ودون إدارك لخطورة الأمر".
وتعتبر مصادر المعلومات ركيزة أساسية للعمل الصحفي، إلا أن وسائل الإعلام الفلسطينية تواجه مشكلة في ذلك؛ وهذا ما يوضحه حريبات: "أعتقد أن الإعلام الفلسطيني يواجه إشكالية في عدم الوصول لمصادر المعلومات الصحيحة، قوات الاحتلال تعيق حركة الصحفيين وتستهدفهم، هناك اعتداءات بشكل مستمر على الطواقم الصحفية، وشهدت الأحداث الأخيرة اعتقالات مستمرة للزملاء الصحفيين".
وانتقد صحفيون وإعلاميون، نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لتسرعهم في نشر الأخبار دون تأكد، وإعلان استشهاد أناس وهم جرحى، وغير ذلك من المعلومات المغلوطة.
ورغم الانتقادات الموجهة للنشر غير الدقيق عبر صفحات "فيسبوك"، فإن حريبات اعتبر أن لشبكات التواصل الاجتماعي دورها الهام والحيوي في إيصال الحقيقة.
وكانت قوات الاحتلال اعتقلت خلال الأيام الماضية ما يقارب من الـ80 فلسطينيا، بتهم التحريض ودعم "الإرهاب" على موقع "فيسبوك".
وبحسب موقع "واللاه" العبري الأربعاء الماضي، فإن هذه الاعتقالات نفذتها الشرطة بموافقة المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، وبناء على متابعة وحدة "السايبر" في الشرطة وبالتعاون مع جهاز المخابرات "الشاباك".
أبو ظهير: الإسرائيليون يمتلكون مصادر المعلومات
بدوره قال محاضر الإعلام فريد أبو ظهير، إن قضية الاعتماد على المصادر الإسرائيلية تحتاج إلى مهنية عالية ومهارة ووعي في النتائج وما يترتب عليها، وهذا يتطلب برأيه صحفيا محترفا ولديه مهارة عالية في النقل والكتابة والتعامل مع الأخبار.
وأوضح في حديثه لـ"
عربي21"، سبب ذلك، بأن نقل الأخبار وخاصة الإسرائيلية تأتي في سياق حرب نفسية، وفي سياق خطة موجودة لدى الحكومة وأجهزة الأمن الإسرائيلية للتأثير على المواطن الفلسطيني بشكل أساسي.
وفي رؤيته لعلاقة الإعلام الفلسطيني بالإسرائيلي في ما يتعلق بالاعتماد عليها مصادر للأخبار قال: "أعتقد أننا في الغالب ننشر كل ما ينشر في الإعلام الإسرائيلي في ما يتعلق بالجانب الفلسطيني، الصحفي قد يحصل على جميع المعلومات من الإعلام الإسرائيلي ولكن المهم هو ما يختاره من هذه المعلومات لنشرها في الإعلام.. عليه نشر ما يهم المواطن الفلسطيني أولا، وما له تأثيرات إيجابية على الشعب، وتجنب ما قد يؤدي إلي تحطيم معنويات المواطن الفلسطيني".
وأضاف أن "هناك كثيرا من المعلومات موجودة لدى الجانب الإسرائيلي، خاصة في ما يتعلق بالأحزاب، من الصعب على السلطة أو الصحفي أو المواطن أو حتى الشرطة أن يصل إلى الحدث ويطلع على جميع جوانبه، الذي يطلع عادة هو الأمن الإسرائيلي ونادرا ما يطلع عليه الصحفيون الإسرائيليون، فالأمن الإسرائيلي لا يسمح بخروج جميع المعلومات ويسمح بنشر معلومات في سياقات معينة، كما أن إسرائيل في الغالب هي التي تصنع الحدث، وبما أنها تمتلك المعلومات فهي التي تصرح وتتخذ القرارات وتقود الأحداث، ولذلك نحن نعتمد على المصادر الإسرائيلية".
ونوه إلى أن نقص المعلومات عند الفلسطينيين، وعدم قدرة الصحفي على الحصول على المعلومات يضطر المواطن إلى إيجاد البدائل، واللجوء إلى الصحافة الإسرائيلية.
بدارنة: كثافة الأحداث سببت إرباكا لدى الصحفيين
من جهته، اعتبر الصحفي علاء بدارنة، مصور الوكالة الأوروبية، أن من أهم أسباب الأخطاء الصحفية في الآونة الأخيرة تسارع الأحداث وبشكل أكبر من الوضع الطبيعي؛ ويوضح في حديثه لـ"
عربي21"، أنه "مثلا: في الوضع الطبيعي يكون هناك خبر واحد، لكن نحن نتحدث في أنه كل خمس دقائق هناك خبر، وبالتالي فإن بعض الإعلام الفلسطيني وقع في كثير من الأخطاء. بعض هذه الأخطاء ناتج عن التسرع في التعامل مع الكثير من هذه الأحداث.. أيضا نقص المعلومات المتوفرة، سواء كانت محصورة في الجانب الإسرائيلي أم أنها غير واضحة، وبالتالي فإن كل من وقع في هذه الدائرة كانت نتائج الخطأ في تعامله مع هذه الأخبار عالية".
وأشار إلى أن من التحديات التي تربك الصحفي، التداخل الموجود ما بين عمل الصحفي الفلسطيني وعمل "المواطن الصحفي"، فأصبح الصحفي لا يستطيع أن يميز بين ما إذا كان هذا الخبر قادما من شخص متخصص في العمل الصحفي أو إنه من "مواطن صحفي"، و"أعتقد بأنه يجب البحث عن طرق سريعة لإيقاف هذه البلبلة، لأنها بدأت تؤثر في المتلقي للخبر بشكل مباشر".
وأكد ضرورة التأكد من المعلومات قبل نشرها، والاعتماد على أكثر من مصدر.