ملفات وتقارير

باحثان أمريكيان يقدمان قراءة في إعلان فيينا بشأن سوريا

"إعلان فينا" الذي وقعه المشاركون لم يكن واضحا مثل "وثيقة جنيف" - أرشيفية
قدم الباحثان الأمريكيان أندرو تابلر وأوليفيه ديكتوييني تصورهما لـ"إعلان فيينا" الذي عقد في 30 تشرين الأول/ أكتوبر، بين الدول المؤثرة بالأزمة السورية، مشيرين إلى أن "الدقة هي الحل لتجنب مزيد من الدماء في سوريا".

ويقضي بيان فيينا، في وثيقة من تسع نقاط، إلى "التفاهم المشترك" حول كيفية وضع حدّ للعنف في سوريا "بأسرع وقت ممكن"، كما يسعى البيان، الذي يكمل ويشير إلى "بيان جنيف 2012" إلى تأمين آليّة أكثر شموليّة "للتقليص من مناطق الاختلاف المتبقية وبناء مناطق تفاهم"، وقد يكون ذلك بداية لإشراك مؤيدي المعارضة والنظام (بمن فيهم إيران للمرّة الأولى)، بحسب الاتفاق.

ورأى الباحثان الأمريكيان في "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، أنه " في حين تعني الشمولية في سوريا بالضرورة درجة معيّنة من الالتباس، إلا أن إيجاد طريقة قابلة للتطبيق للخروج من الأزمة سيستلزم دقّة أكبر في مسألة المرحلة الانتقالية، لا سيّما بشأن وضع إطار زمني لاختبار روسيا ونظام الأسد"، بحسب قولهما.

وأضافا بقولهما: "على سبيل المثال، أغفل الإعلان الحالي كلمة (انتقال) لصالح (الحوكمة)، وفشل في الاعتراف بأنّ تسوية مستدامة هي شرط أساسي لهزيمة تنظيم الدولة والمجموعات الإرهابية الأخرى"، معتبرين أن "مثل هذا الغموض قد يسمح لروسيا وإيران بالمجادلة بأنّ إعلان فيينا يعطيهما الحق الدبلوماسي للسعي لإيجاد حلّ عسكري يستند على إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، ولن يسفر هذا السيناريو سوى إلى إدامة الحرب، وتغذية الإرهاب، وإنتاج المزيد من اللاجئين، والأرجح أنّه قد يؤدّي إلى تقسيم سوريا على المدى الطويل"، على حد قولهما.

واعتبرا أن الإعلان، الذي وقعته سبع عشرة دولة بينها إيران، "يسوده الالتباس حول عملية الانتقال أكثر بكثير من بيان جنيف"، مشيرين إلى غياب العملية التي تقود إلى حوكمة موثوقة وشاملة وغير طائفية من دون ذكر كلمة انتقال أو آليّات مرتبطة، مقابل بيان جنيف الذي تمحور حول " "جسم حكومي انتقالي" يتمتّع بـ"سلطات تنفيذية كاملة" ويتضمن "أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى".


اقرأ أيضاالنص الكامل للبيان الختامي للقاء فيينا حول سوريا

وتابعا بالقول: "لا يعيد إعلان فيينا التشديد على دعوة جنيف إلى عملية حوار وطني وعلى إطلاق السجناء السياسيين، وحرّية التنقل للصحفيين، والحق بالتظاهر، كما يغيب عنه جدول زمني للانتقال، في حين أنه من المقرّر أن تُستأنف المحادثات بعد أسبوعَين، ومن المرجح أن تتبعها اجتماعات أخرى، لذلك فإن وضع جدول زمني يُعدّ أمرا ضروريا لتحديد ما إذا كانت روسيا قادرة ومستعدّة لتأمين انتقال حسن النيّة".

وأشار باحثا المعهد إلى أنه "يتعين على المجتمع الدولي التعقل أيضا حول أي نوع من الانتخابات هو ممكن حقا في سوريا، وتحت أي نوع من الإشراف، فالنظام الحالي هو أحد أكبر المتلاعبين بالانتخابات في العالم، حيث فاز الأسد بنسب مثيرة للضحك وهي 94.6 في المئة خلال انتخابات عام 2000، و97.6 في المئة في عام 2007، و88.7 في المئة في العام الماضي، كما أنّ الأصوات البرلمانية لصالح مؤيديه في حزب البعث الذي يترأسه هي أمر مؤكّد أيضا"، موضحين أن هذا يعني "أن أي خطة تستند على حجّة (يبقى الأسد حتّى الانتخابات الجديدة) هي بالفعل صيغة لاستمرار حكمه.

ما التالي؟

ودعا الباحثان "لتحديد عملية انتقالية بشكل صريح، (كما ذُكر في "بيان جنيف")، ووضع جدول زمني حازم من أجل تفادي الأخطاء التي ارتُكبت في العام الماضي عندما طغت تطوّرات المعارك على الدبلوماسية"، مشيرين إلى ما جرى في أوائل العام الماضي، وعندما توقّعت واشنطن "انتصار" النظام وأيّدت "تخفيف التصعيد" و"عمليّات وقف إطلاق النار المحلّية"، ما دعا الممثّل الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا لتقديم "خطّة التجميد" لحلب، التي بموجبها قد يوقف النظام محاولته محاصرة المدينة مقابل وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات مع المعارضة، والتي فشلت.

وأوضحا أن سبب فشلها كان "افتقار النظام للقوّة البشرية لاستعادة حلب والمناطق المختلفة ذات الغالبية السنّية، حيث إن القوّات المعارضة هي الأقوى، والحفاظ عليها"، مشيرين إلى أن "تدخّل روسيا لدعم الأسد لن يغير افتقار النظام للقوة البشرية، كما أن تغيير مجرى الأمور الدبلوماسية من (الانتقال) إلى (الحوكمة) لن يلطّف هذا النقص، ولن يترك أي بديل قابل للتطبيق في التوصل إلى حل عن طريق التفاوض"، بحسب تعبيرهما.

وميدانيا، يجب القيام باختبارات أخرى على أرض المعركة، بحسب تعبيرهما، وسط ادعاء روسيا أن تدخّلها يهدف إلى محاربة الإرهابيين، "لذلك يجب على قوّاتها الامتناع عن ضرب مجموعات لا يعرّفها مجلس الأمن الدولي على هذا النحو، كما أنّ دور موسكو العسكري يضعها في موقع خاصّ للضغط على الأسد لوقف الهجمات على المناطق المليئة بالمدنيين، بما في ذلك من خلال استخدام البراميل المتفجّرة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سوريا".

واعتبرا أن "كلا الجهديْن قد يعمل كتدابير بناء ثقة قصيرة الأمد لتسهيل الدبلوماسية على التوصّل إلى اتّفاق حول قيام وضع نهائي مستقر، ومن دون اتّفاق كهذا وخطّة للتوصّل إليه، لن تطيل الحرب المعاناة البشرية وتهجّر المزيد من الناس فحسب، بل قد تصبح أيضا آليّة لتقسيم سوريا الدائم إلى مناطق يسيطر عليها النظام وملاذات إرهابية آمنة ودائمة".

واختتم الباحثان مقالهما بالدعوة لإشراك أكبر قدر من السوريين بالمحادثات، معتبرين أن "الأيّام التي كان فيها وضع حدّ للحرب يستلزم مفاوضات ثنائية ما بين النظام وكيان واحد معارض، قد ولت"، مشيرين إلى أنه "على الإعلانات المستقبلية أن تنصّ على أنّه يجب على أيّ حلّ للأزمة أن يتمّ قبوله بشكل واسع كحلّ شرعي وملائم من قبل هذه الدائرة الواسعة من السوريين، وإلّا لن يكون الحل سوى قطعة فارغة من الورق".