تصاعد الحديث مؤخرا عن مدى قدرة تنظيم الدولة على تهديد الأردن واستقراره، وهل هو أمر حقيقي وواقع أن لتنظيم الدولة القدرة والإمكانية على مواجهة الأجهزة الأمنية والعسكرية الأردنية التي تحظى بسمعة جيدة أمنيا واستخباريا، آم أن ذلك مجرد خلق لمناخات من القلق والخوف، من قبل جهات إقليمية لأهداف تريد تحقيقها؟ يتساءل البعض..
يأتي هذا الحديث في الوقت الذي يتساءل فيه مراقبون عن الاستراتيجية الأردنية تجاه التنظيم، ومنع تمدده ومواجهة خطره المفترض، خاصة في ظل تصريحات ودراسات أمريكية تشير إلى وجود خطر فعلي من قبل التنظيم على الأردن.
في هذا الشأن، قال نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، جواد
العناني، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21" إن "تنظيم الدولة في الوقت الراهن لا يشكل خطرا داهما على الأردن وحدوده، خاصة في ظل التراجع الميداني والخسارة التي منيت بها قواته مؤخرا في سوريا والعراق".
وأضاف العناني الذي شغل منصب رئيس الديوان الملكي سابقا: "فيما يبدو أن هناك تغيرا ملموسا في استراتيجية تنظيم الدولة تجاه أعدائه، حيث تمثلت هذه الاستراتيجية بالتفجيرات التي نفذها التنظيم في مخيم برج البراجنة في بيروت، وتفجيرات العاصمة الفرنسية باريس".
وتابع العناني موضحا وجهة نظره بالقول: "بينما أثرت الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي إضافة إلى الضربات الجوية الروسية على مواقع التنظيم في سوريا والعراق، اضطر التنظيم إلى ضرب أعدائه على أراضيهم، في محاولة منه لتخفيف العبء والضغط الذي بات يحاصره على أرضه، حيث يأمل من هذه الضربات أن يتراجع كل من حزب الله وفرنسا عن مقاتلته ومحاربته".
وعن التخوفات التي يثيرها البعض من إمكانية قيام تنظيم الدولة بتنفيذ تفجيرات في عمان، مثل التي حدثت في بيروت وباريس مؤخرا، شدد العناني على "صعوبة ذلك بالنسبة للتنظيم"، في الوقت الذي أبدى فيه "ثقته المطلقة بالأجهزة الأمنية والعسكرية الأردنية، التي هي على أتم الاستعداد والجاهزية".
وختم العناني الذي كان أحد أعضاء مجلس الأعيان أيضا، حديثه لـ"
عربي21" بالإشارة إلى أن "تكليف الأردن من المجتمع الدولي، بإعداد وتنسيق العمل على استكمال قائمة التنظيمات الإرهابية في سوريا، يعكس ثقة بالمملكة وأجهزتها الأمنية في محاربة التنظيم، وكشف تحركاته وعناصره".
في المقابل، صدرت تصريحات لسياسيين أمريكيين، ودراسات لمراكز بحثية أمريكية، مخالفة لتصريحات وقناعات المسؤول الأردني السابق، حيث لمحت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري
كلينتون مؤخرا في هذا الشأن، من خلال حوار مع طلبة جامعيين في ولاية أيوا الأمريكية، إلى أن "مستقبل الأردن غير مؤكد، وإن الملكية في الأردن يمكن أن تسقط، في ظل الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة".
وبرزت تصريحات لمرشح الرئاسة الأمريكية ليندسي غراهام، تصب في هذا الاتجاه، قال فيها: "إن تنظيم الدولة أو ما يُعرف بداعش يقوم بالتحرك باتجاه الأردن". وجاءت هذه التصريحات تعليقا على مقتل أمريكيين اثنين في إطلاق نار نفذه عنصر في الأمن الأردني، وذلك في مركز لتدريب الشرطة في العاصمة عمان الأسبوع الماضي.
أما معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أورد في تقرير نشر على موقعه الإلكتروني، كتبه مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، ديفيد شينكر، أن "
داعش يشكّل خطرا مباشرا على المملكة، وفي الأشهر الأخيرة اعتقلت السلطات الأردنية العشرات من أنصار تنظيم الدولة".
بيد أن الخبير الأمني العميد المتقاعد، الدكتور حسين الطراونة، شكك في مصداقية التصريحات والدراسات الأمريكية، واعتبرها بعيدة عن أرض الواقع، وهو الأكثر خبرة في الشأن المحلي الأمني استنادا لاطلاعه وتحليلاته ودراسته للواقع الأردني، كما قال لـ"
عربي21".
واعتبر الطراونة في حديثه لـ"
عربي21"، أن "الأجهزة الأمنية والعسكرية في حالة يقظة وحذر وترصد، أكثر مما يظن البعض، على الرغم من عدم وجود أي شواهد على الأرض تدلل على ذلك، ولكن الاستعداد عال في هذا الشأن، ولا تهاون فيه"، وفق قوله.
وقال الخبير الأمني إن الأجهزة الأمنية أخذت كامل احتياطاتها الأمنية على طول الحدود الأردنية السورية، حيث تم تركيب أجهزة مراقبة واتصال متطورة، إضافة إلى أجهزة استشعار متطورة ومعدات قيادة وضبط لبرنامج أمن الحدود على طول الحدود التي تبلغ نحو 50 كيلومترا.
ولفت العميد المتقاعد الدكتور حسين الطراونة إلى أن "قوات الأمن باشرت منذ فترة بتنفيذ برامج تدريبية مكثفة وعلى درجة عالية من الاحتراف والتخصص، بهدف الوصول إلى أقصى درجات الفعالية والقدرة، من أجل الحيلولة دون اختراق الحدود، أو وقوع أي هجمات إرهابية في البلاد".
وللخبير المتابع لتنظيم الدولة
حسن أبو هنية رأي في هذا الموضوع، حيث رأى أن خطر تنظيم الدولة على الأردن "ما زال تحديا ماثلا وقائما أمام السلطات الأردنية".
وقال أبو هنية في حديث لـ"
عربي21": "إن خطر تنظيم الدولة ليس تقليديا، ولكنه خطر ماثل، حيث يعدّ التنظيم أن الأردن جزء من مجاله الحيوي، يسعى للسيطرة عليه من خلال تكوين حالة من التأييد الشعبي وإيجاد حاضنة قوية له بين الأردنيين، في الوقت الذي يحاول فيه إيجاد مناخ من الاختلاف بين السياسيين يستفيد منه في التقدم خطوة تجاه كسب مزيد من التعاطف والتضامن والقبول".
ورأى أبو هنية أن تنظيم الدولة الذي وصفه بـ"مقتنص الفرص" حالما يجد ثغرة في الجدار الأردني، فإنه سوف ينفذ إليها، ليثبت وجوده وكيانه، على غير ما فعل في سوريا والعراق الذي استغل فيهما حالة الفوضى والثورة، فتمكن من خلالهما من الولوج، وبالتالي استثمار الحالتين لإيجاد موطئ قدم له في البلدين.
وعن الخطر الماثل على الأردن من قبل التنظيم، وإمكانية قيامه بتنفيذ عمليات تفجيرية في الأردن على غرار تفجيرات الضاحية الجنوبية في بيروت والعاصمة الفرنسية باريس، قال أبو هنية: "إنه في حال تم محاصرة التنظيم في سوريا والعراق، خاصة بعد ازدياد الضربات الجوية، فإنه من غير المستبعد قيام التنظيم بتنفيذ عمليات تفجيرية انتقامية داخل الأردن، خاصة لمشاركة الأردن في التحالف الدولي، إضافة إلى تكليفه بإعداد قائمة التنظيمات الإرهابية في سوريا، الذي سيكون تنظيم الدولة أحدها بالتأكيد، وهو الأمر الذي سيغضب التنظيم من الأردن أكثر".
وختم الخبير في شؤون الحركات الجهادية حسن أبو هنية حديثه لـ"
عربي21"، بالإشارة إلى الخطر القائم لتنظيم الدولة عبر أنصاره في الداخل الأردني، قائلا: "مما لا شك فيه أن أنصار تنظيم الدولة في الداخل الأردني على درجة عالية من الخطر؛ إذ من الممكن أن يشكل جزء منهم خلايا نائمة، يمكن استخدامها والاستفادة منها حين اللزوم، وعندها سيظهر الخطر الحقيقي والجاد للتنظيم، وأنه قادر على تهديد أمن الأردن وأمن أي بلد آخر، من خلال أنصاره وحاضنته الشعبية في الداخل".