بقيت مدينة
داريا، التي تقع جنوب غرب العاصمة
دمشق، عصية على نظام بشار الأسد، رغم مرور ثلاث سنوات على سيطرة الثوار على معظم أجزاء المدينة، ورغم المحاولات المتكررة من قبل النظام السوري لاستعادتها.
مدينة داريا لا تبعد سوى خمسة كيلومترات عن قصر الأسد في الجبل المشرف على المدينة، وأقل من هذه المسافة عن الفرقة الرابعة، أقوى وأشرس الفرق في قوات النظام السوري، ويقودها يقودها ماهر، شقيق بشار الأسد.
ورغم القصف اليومي الكثيف بالبراميل المتفجرة ومشاركة عناصر"حزب الله" والمليشيات الإيرانية بمعارك داريا إلى جانب قوات نظام الأسد، بقيت المدينة صامدة في وجه أي تقدم لهذه القوات، واستطاع عناصر الجيش السوري الحر المرابطون على تخوم المدينة؛ مؤخرا أن يقلبوا الأمور ويحققوا مكاسب على الجبهة الغربية للمدينة، كما حصل قبل نحو شهرين في آخر معارك المدينة، والتي أطلقها الثوار وأسموها "لهيب داريا".
وكان الثوار قد سيطروا خلال "لهيب داريا" على منطقة الجمعيات، التي تعتبر أقرب نقطة للجيش الحر لمطار المزة العسكري، وهو أهم وأبرز مطار عسكري في
سوريا. وقد كبدت هذه المعركة قوات النظام خسائرة كبيرة، حيث خسر أكثر من 200 جندي، لترتفع خسائر النظام والملشيات المساندة له لأكثر من ألف قتيل منذ أن فرض الجيش الحر سيطرته على المدينة.
يقول حسان الديراني، وهو ناشط اعلامي ويتواجد على الخطوط الأمامية للمعارك في مدينة داريا: "بعد وقوع المجزرة الكبرى والمروعة التي ارتكبتها قوات الأسد في مدينة داريا بتاريخ 24 من شهر آب/ أغسطس 2012، وراح ضحيتها أكثر 750 شهيدا مدنيا موثقين بالاسم، عمل الجيش الحر على توحيد الصفوف".
وأضاف في حديث لـ"
عربي21": "أطلق (الجيش الحر) بعدها معركة، وكان ذلك بتاريخ 8 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2012، وكان هدفها تحرير المدنية، حيث تمكن وبعد مرور خمسة أيام على انطلاقها؛ من السيطرة على أغلب الحواجز في المدينة، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من المعارك، حيث تم تحرير نحو 75 في المئة من مساحة المدينة مع مطلع العام 2013، ولا تزال إلى يومنا هذا تحت سيطرة الجيش السوري الحر"، وفق قوله.
ولفت الديراني إلى أن النظام السوري عمل على مدى ثلاث سنوات، "وبكل ما يملك من قوة، للسيطرة على المدينة، لكن كل محاولاته باءت بالفشل"، موضحا أن النظام "اعتمد خلال هذه السنوات على مبدأ الأرض المحروقة، بالقصف الجوي بالبراميل المتفجرة بشكل يومي، وبقنابل النابالم المحرمة دوليا في مرات عديدة".
وأكد الديراني لـ"
عربي21" أن "عدد البراميل المتفجرة التي ألقتها طائرات النظام وصلت لأكثر من 4 آلاف برميل، نصف هذه البراميل فقط خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وبمعدل وصل لأكثر 22 برميلا متفجر يوميا".
وعن وضع المدينة والدمار الذي حلّ فيها، يقول الديراني: "المدينة أصبحت شبه مدمرة، وهجرها معظم سكانها، في حين آثر القليل من السكان البقاء فيها، حيث يتواجد الآن نحو 1300 عائلة تعيش في المدينة مع عناصر الجيش الحر الذين يخوضون معارك بشكل شبه يومي، لصد أي محاولة لقوات الأسد والملشيات المساندة له لدخول المدينة".
ولفت الديراني إلى أن "عدد ضحايا المدينة منذ بداية الثورة السورية وصل لأكثر من 2700، إضافة لجرح أكثر من 10 آلاف آخرين".
ورغم الدمار والقصف اليومي التي تتعرض له المدينة، إلا أن ما يميزها وجود مجلس محلي أُعلن عن قيامه مع إعلان تحرير المدينة، ويعمل على توزيع سلات غذائية للأهالي بشكل شهري، كما أقام مدرسة للأطفال مؤخرا، إضافة إلى تكفّله بطبخ الطعام لعناصر الجيش السوري الحر المرابطين على جبهات المدينة.
وكان يبلغ عدد سكان مدينة داريا عام 2011 نحو 350 ألف نسمة، نزح إليها مع بداية الثورة السورية نحو 100 ألف شخص من مناطق جنوب دمشق ومن مدينة حمص، وبعد المجزرة الكبرى نزح معظم السكان عنها، الأصليين والنازحين، والآن يقطن المدينة نحو 10 آلاف نسمة بين مدنيين ومقاتلين.