بات هذا الشعار عنوانا يُتخذ، ومنهجا يُتبع الآن في العمل السياسي، وهو (
المزايدة)؛ سواء في التفكير السياسي، أو قطع الطريق على أي تفكير سياسي، أو مجرد فكرة تطرح، نرى صياحا وهياجا، لا نستطيع فيه تمييز الموقف المبني على مبدأ، من الموقف المبني على مزايدة.
ولنأخذ نموذجا وضحت فيه المزايدة السياسية والإعلامية مؤخرا، وهو قضية (الاصطفاف الوطني)، بغض النظر عن شروط كل من يقبل أو يرفض الاصطفاف بين أطياف الشعب
المصري لإنهاء الانقلاب العسكري، ففجأة خرجت شعارات ومقالات، وكلمات من هنا وهناك، تتكلم عن الاصطفاف، ذما أو مدحا، إلى هنا والأمر مقبول، إذا كان الكلام من حيث المبدأ، فلا مانع، أو أن يكون الكلام مقبولا من حيث المبدأ، أو الخلاف في التفاصيل، فمع من نصطف، ومع من نتقارب، وكل يضع شروطه وتصوراته حول هذه الشروط، كل هذه وجهات نظر لا مانع منها ما دامت في إطار التفكير الذي يرجى منه العمل الجاد الذي ينتهي بإعلاء مصلحة الثورة والوطن.
لكني لاحظت أن بعض الأصوات من هنا وهناك، لم يكن قبولها أو رفضها لمسألة الاصطفاف، والدعوة إليها، سوى اتخاذ موقف لعلة من ينادي بالاصطفاف؟ فلو كان الداعي للاصطفاف شخص آخر غير فلان، فيكون الكلام منه مقبولا، وهذا معناه أن بعض المواقف لا تنطلق من المبدأ، بل تنطلق من النظر لمن ينادي بالمبدأ.
فقد أشيع لفترة أن عمرو دراج، ومحمد محسوب، وغيرهما، دعوا للتنازل عن شرعية الدكتور مرسي، فيما سمي بوثيقة العشرة، وأن ذلك ثمنا للاصطفاف مع قوى سياسية، وخرجا ينفيان ذلك، بأكثر من طريقة، لكن ظلت أصوات مصرة على شيطنة الرجلين وغيرهما، بينما صمتت نفس الأصوات المشيطنة لهذه الأطراف، عن حوار جرى يوم الثلاثاء مع الدكتور طارق الزمر، يقول فيه كلاما لو خرج من غيره لهاجت هذه الأصوات، مما يعني أن المسألة ليست مسألة مبدأ، بقدر ما هي مسألة شخصيات، يهدف البعض لتصفية حسابات معها، بالحق أم بالباطل.
لست هنا أناقش قضية الاصطفاف الوطني، وأني معها أم ضدها، ولكني هنا في موقع بيان مسألة المزايدة على واحدة من قضايا النقاش السياسي التي تقبل الأخذ والرد، والقبول والرفض، لأني لاحظت أمرا عجيبا يدل على أن كل هذا الغبار الكثيف الذي ملأ فضائيات كثيرة، ومواقع سياسية، حول هذه القضية، من أطراف معروفة، رأينا هذه الأطراف تهلل وتفرح، لدعوة موقع (المجلس الثوري المصري) للضباط والجنود في الجيش والشرطة بالانضمام للشعب في ثورته، رغم أن هذه الأصوات لا تكف ليل نهار عن وصف هذه المؤسسة بأنها كلها فاسدة، وليس فيها أحد صالح لأن يظل فيها حتى بعد إسقاط الانقلاب، وقد تعالت هذه الأصوات برفض أي اصطفاف مع أي مدني يعود من معسكر 30 يونيو، بحجة أنهم لا خير فيهم، وأنهم لا أمان لهم، وقد بينت موقفي في مقالي الأسبوع الماضي من العائدين من هذا المعسكر، حتى لا يزايد على موقفي أحد.
كنت أتكلم مع أحد هذه الأطراف، فسألته: هل تنادي بتسريح العساكر والجنود، وانضمامهم للشعب في ثورته؟ قال: نعم، قلت له: طيب لو تركوا المؤسسة العسكرية وجاءوا إليك في معسكر الثورة ما قولك؟ قال: يا ريت، يكون مكسب كبير. فعلقت قائلا: يعني قبلتم بالاصطفاف مع العسكر الذين تلطخت أيديهم بالدماء، أو شاركوا بالصمت، ولا نعلم يقينا من منهم سفك الدماء، وانتهك الأعراض، بينما ترفضون الاصطفاف مع المدنيين التائبين والراجعين من معسكر 30 يونيو؟!
للأسف أصبحنا نرى أطرافا لا تهدف من مواقف لها إلا المزايدة، والمزايدة فقط، وهو ما يصدق عليه قول الله عز وجل: (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) التوبة: 58. يعني بالبلدي: فيها لاخفيها.