كتب رياض نعسان آغا: تفاءلنا ببيان مؤتمر فيينا، واستبشرنا خيرا بدعوة الرياض إلى مؤتمر للمعارضة السورية يتم فيه اختيار وفد مفاوض يلتقي وفد النظام السوري على أسس بيان جنيف، وكان تفاؤلنا حذرا؛ لأننا ندرك أن النظام متمسك بالحكم، وسيدافع عن سلطته إلى آخر بشر وآخر حجر، حتى لو تحولت سوريا إلى جمهورية المقابر، وهو ما يزال مقتنعا بأنه سيخرج من معركته ضد الشعب أقوى مما كان، وسينتقم من كل من عارضه، ليكون ما حدث درسا تاريخيا قاسيا لا ينساه الشعب الذي لن يفكر لقرون في التمرد على سلطته مرة أخرى، وأما من هاجر وتشرد فعليه أن ينسى أنه سوري، وأن له وطنا في هذا العالم.
وفي الطرف المقابل، معارضة عصفت بها الأهواء، وشتتتها الولاءات، وانعكست عليها خلافات الداعمين والأصدقاء، وعلى الأرض في الداخل مئات الفصائل المقاتلة التي قدم بعضها ملاحم أسطورية في البطولة والفداء، وللأسف وجد بعضها الآخر فرصة التحول من الهامش إلى الصدارة وصار أمير حرب.
وأما الشعب فقد سفكت دماؤه وصارت طوفانا لم يسبق أن غرقت سوريا في مثله منذ الغزوين المغولي والصليبي، ولم تكن البشرية يومذاك قد اخترعت الصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة! والمفجع أن تتحول سوريا من أرض تستقبل المهاجرين الباحثين عن الأمان عبر الزمان، إلى محرقة تصدّر المهاجرين المشردين إلى العالم كله، وقد مات الآلاف منهم غرقا في البحار، وأما مئات الآلاف من المعتقلين فقد قتل أكثرهم تحت التعذيب، ومن بقوا أحياء في المعتقلات يتمنون الموت خلاصا مما هم فيه من ويلات.
وقد يتساءل المراقب لهذه الفواجع: هل حقا عجز العالم كله عن إيقاف هذا الجنون؟ وهل تتم التضحية بشعب كامل من أجل فئة تتسلط على الحكم على رغم كل ما ارتكبت من جرائم؟ وهل المشكلة حقا في غياب البديل؟ وهل يغيب عن أحد من قادة العالم أن التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» صنعت لتكون فزاعة ترهب من يطالب النظام بالتخلي عن الحكم، ليقدمها بديلا حصريا عنه؟ ألم يسهم بعض قادة العالم بالتضييق على الجيش الحر وبقتاله وبتمزيق المعارضة المعتدلة وتهميشها، كي تخلو الساحة للمتطرفين الذين يحتاج محاربوهم إلى عشرات السنين كي ينتصروا عليهم وينتهوا من إرهابهم؟ ألا ترون أن روسيا بشهادة حلفائها تقصف المعتدلين، بينما يتمدد تنظيم «داعش» ويعبر القارات!
نتفاءل بالحد الأدنى مما يمكن أن يتحقق في مفاوضات الحل السياسي المرتقب، ولكن الأحداث المفجعة والتفجيرات المتلاحقة تقلب طاولة المفاوضات قبل أن يجلس إليها المتفاوضون، ويبدو من العجيب أن تدعو روسيا إلى هذه المفاوضات بينما هي تهدد دولا عربية بعدوان عليها، وهي الشريكة في الحل لمجرد أن هذه الدول تتمسك بمطالب الشعب السوري.
ومع أن التهديدات جاءت في وسائل الإعلام الروسية، إلا أننا ندرك أنها رسائل جادة، وكذلك نفهم العدوان على التركمان في منطقة اللاذقية، وقد جاء الرد عليه منذرا بتطورات دراماتيكية قد تتصاعد لاحقا. كأن روسيا وإيران تربطان مستقبلهما بمستقبل النظام السوري وحده، وهذه ليست رؤية الحكمة، فإيران تصر على العدوان على العرب في العراق وسوريا واليمن وتجدد تهديدها لدول المنطقة باستمرار، مع أنها وجدت عند كل دول الخليج العربي حرصا على حسن الجوار وترحيبا بالمصالح الاقتصادية المشتركة، وسعيا إلى حل المشكلات بالحوار والتفاهم، وبخاصة عند دولة الإمارات التي تدعو إلى التفاوض والاحتكام إلى القوانين الدولية في قضية الجزر المحتلة.
وكذلك روسيا التي حرصت دول الخليج العربي على تمتين العلاقات معها، تصر على خطاب «البلطجة» والتهديد، وتسيء إلى علاقاتها مع مصر وتركيا والسعودية، كما أساءت لعلاقاتها مع أوروبا الغربية منذ أزمة أوكرانيا، وهي تجد في سوريا ساحة لتصفية الحسابات مع الغرب الذي فرض عليها العقوبات، ولاستعادة حضورها الدولي باستعراض القوة، على حساب الدم السوري.
ولا ينسى العالم تهديد النظام السوري بإشعال بركان يحرق المنطقة كلها ويحرق أوروبا أيضا بعد أن أحرق سوريا، ولم يوقف جنون العظمة عنده كل ما يجد من سعي المعارضة لإيقاف نزيف الدم، والقبول بالتفاوض إنقاذا لسوريا من مزيد من الدمار.
(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية، تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)