حذر المعلق في صحيفة "إندبندنت" باتريك كوكبيرن من دخول
بريطانيا حربا طويلة وبلا نهاية في
سوريا. وكان يعلق على التحضيرات التي تقوم بها الحكومة والتصويت الجاري في البرلمان لتوسيع الحملة البريطانية على سوريا.
ويقول كوكبيرن إن "بريطانيا تتأهب للدخول في النزاع السوري، بناء على استراتيجية سياسية وعسكرية تتعلل بالأحلام والمعلومات الفقيرة. وستكون الغارات الجوية البريطانية في سوريا قليلة، ولن تترك أثرا على
تنظيم الدولة، ولكنها مهمة؛ لأنها تؤشر للدخول في حرب قد تكون طويلة".
ويضيف الكاتب: "من ناحية مهمة، فإن سياسة ديفيد
كاميرون تشبه ما شاهدناه في حربين صغيرتين وفاشلتين في العراق وأفغانستان منذ عام 2003، وفي كلا الحالتين لم يكن هناك شريك محلي فاعل. وبشكل مشابه، ففي سوريا ستكون بريطانيا تحت رحمة الأحداث، التي شكلها عدد من اللاعبين في النزاع، وكل واحد لديه أجندته الخاصة المتناقضة مع الآخرين".
ويشير كوكبيرن إلى أن "الكثير من النقاش حول جدوى الاستراتيجية البريطانية ركز على بيان كاميرون، الذي قال فيه إن لدينا بالتأكيد شريكا، لم يكن يعرف إلا قلة بوجوده في السابق. وقال إن هناك 70 ألفا (من المعارضة السورية على الأرض، ممن لا ينتمون إلى الجماعات المتطرفة)، فالانطباع الذي أعطاه لنا أن هناك (قوة ثالثة) في سوريا قادرة على أن تكون حليفا قويا للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا".
ويعلق الكاتب بالقول: "هذا الأمر ربما كان مناسبا، ولكن للأسف فإن وجوده يظل محلا للنقاش".
وينقل التقرير في هذا السياق عن المحاضر في جامعة أوكلاهوما ومدير معهد دراسات الشرق الأوسط فيها جوشوا لانديز، قوله: "فكرة وجود 70 ألف مقاتل معتدل هي محاولة للإظهار أنهم قادرون على قتال (داعش) والأسد في الوقت ذاته". مستدركا بأن لانديز يرفض فكرة إمكانية وجود هذا الجيش، مع أنه لا ينفي إمكانية وجود 70 ألف سوري يحملون السلاح ممن يقاتلون من أجل قراهم وقبائلهم وعشائرهم وأمراء الحرب"، ويقول: "المشكلة أنهم يكرهون القرية بالطريقة ذاتها التي يكرهون فيها تنظيم الدولة والأسد".
وتذكر الصحيفة أن المعارضة السورية تسيطر عليها جماعات القتال المتشددة من تنظيم الدولة إلى جبهة النصرة، التي تشبه أفكارها إلى حد ما جماعة أحرار الشام. وهناك بعض الفصائل الصغيرة، التي يقدر عدد أعداد أفرادها بـ 1500 شخص، ولكنها تعمل من خلال الجماعات الجهادية.
وينقل كوكبيرن عن أيمن التميمي من منبر الشرق الأوسط قوله إن بعض الفصائل تقدم أعدادا غير حقيقية عن العدد الأصلي لمقاتليها. ويضيف أنه قابل مرة زعيم فصيل في منطقة اللاذقية، وقال إن لديه ألفا مقاتل، وفي الحقيقة لم يتجاوز عدد مقاتليه 500. وحذر قائلا إنهم يتظاهرون أمام العالم الخارجي أنهم معتدلون، وأنهم يتبنون فكرة المساواة للسوريين كلهم أمام القانون، ولكنهم يعبرون عن كراهية للعلويين وغيرهم من الأقليات.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن التميمي يزعم أن الجماعات الصغيرة، التي تلقت أسلحة جيدة من الأمريكيين، غالبا ما تكون قد أدت دور المساعد لجبهة النصرة وأحرار الشام، خاصة عندما تمت السيطرة على مدينة إدلب.
وتلفت الصحيفة إلى أن بعض الجماعات، التي وإن لم تكن متطرفة إلا أنها لا تستطيع رفض التعاون مع الإسلاميين المتشددين، وهو ما يجعل التوصل إلى اتفاق إطلاق النار صعبا جدا؛ لأن المقاتلين المعتدلين الذين يرغبون بالتوصل إلى هدنة مرتبطون بطريقة أو بأخرى بجبهة النصرة.
ويجد الكاتب أن الراديكالية الإسلامية أثرت في الأعم الأغلب على الكثير من جماعات المعارضة السورية. وينقل عن جيمس هاركين مؤلف كتاب "موسم للقتل"، الذي خصصه لاختطاف الأجانب في سوريا، والذي يزور مناطق المعارضة بشكل منتظم، قوله: "لا أحد من الجماعات المعارضة في سوريا يحبنا". وأضاف أنهم يتعاملون مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على أنهم أعداء، وهذا ينطبق على الجماعات غير الجهادية، التي يأمل الغرب بأن يقوم بتجنيدها للقتال ضد تنظيم الدولة.
ويزعم كوكبيرن أن الجماعة الوحيدة غير الطائفية والعلمانية هي قوات الحماية الشعبية، التي تقول إن لديها 50 ألف مقاتل، وربما كان العدد أقل للنصف، وقد تعاونت مع الولايات المتحدة في قتال تنظيم الدولة. ولكن السنة لا يحبون هذه القوات تماما، كما يخشون المليشيات الشيعية في العراق.
ويقول الكاتب: "تدخل بريطانيا حربا ضد التنظيم، الذي يطلق على نفسه (الدولة الإسلامية)، والذي ربما كان من أكثر التنظيمات خطورة وعنفا في العالم، ولكنها لا تملك سياسة واقعية لكسب الحرب. ومع أن كاميرون يؤكد على الطبيعة المحدودة للحرب، ولكن بريطانيا ستقاتل دولة هي عبارة عن طائفة شرسة لا تتفاوض وتنتقم بمجازر مماثلة لما جرى في باريس. وهذا ليس نقاشا يرفض العمل العسكري ضد تنظيم الدولة، ولكنه نقاش يدعو إلى التفكير مليا بأن ما نفعله يجب أن يقوم على استراتيجية تحقق النصر".
ويرى كوكبيرن أن بريطانيا تفتقد الشريك، الذي يوثق فيه في العراق، كما في سوريا. فحليفها هو الجيش العراقي، الذي تكبد خسائر في الموصل والرمادي، والحكومة العراقية الضعيفة.
وينقل التقرير عن المحلل والكاتب السياسي غسان العطية، قوله: "سوريا هي كابوس والعراق يتحول إلى كابوس أيضا". لافتا إلى أنه في حال فشلت الحكومة العراقية الحالية برئاسة حيدر العبادي، فستحل محلها حكومة موالية لإيران.
وتنوه الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة شنت وحدها 8300 غارة جوية، ولكنها لم تؤد إلا إلى إبطاء تقدم تنظيم الدولة، ولكنها لم تركعه. ويقول لانديز إن القوى الثلاث القادرة على ربح الحرب، هي جبهة النصرة وتنظيم الدولة والنظام السوري، مشيرا إلى أن "الولايات المتحدة لا تريد أيا منها بأن تكسب الحرب".
ويشير لانديز إلى ثلاث محاولات أمريكية لبناء قوى معتدلة في سوريا، مبينا أنها انتهت بالفشل والإهانة، "وفي كل محاولة قام الجهاديون بالسيطرة على الأسلحة الأمريكية، التي حصل عليها المقاتلون".
ويخلص كوكبيرن إلى القول: "هذا نزاع رهيب تتورط فيه بريطانيا، ولا تعرف عن المخاطر التي تنتظرنا إلا القليل".