صحيح أن كلمة شاويش الانقلاب كانت جزءا من خطة.. خطة تقوم على شحن بطاريات التعاطف لدى من تبقى من داعمي الانقلاب (تآكلت تلك الشريحة بشكل كبير) اعتمادا على حقيقة اكتشفها خبير الدعاية السوداء بالمخابرات الأمريكية، وهي أن شعوبنا عاطفية، حقيقة اعتمد عليها بول لاينبرجر في ترتيب حادثة المنشية كما روى خالد محيي الدين في كتابه "الآن أتكلم"، وكما روت عشرات المصادر الأخرى.
جاء هذا في ظل دعم دولي واضح للانقلاب (الحكومة البريطانية أصدرت تقريرها الذي يقول إن الارتباط بالإخوان مؤشر على التطرف، ولكن الجماعة لن تحظر)، ودعم إقليمي (منح الملك سلمان عصابة الانقلاب في
مصر 30 مليار ريال وضمن احتياجاتهم من البترول لمدة 5 سنوات).
قصدوا به توجيه ضربة معنوية للثورة قبيل أحد مواعيد الحشد المهمة، ولكن لأن الانقلابات لا تثبت بمجرد وجود دعم دولي وإقليمي، فكان لابد من محاولة تغطية الفشل الداخلي ولو مؤقتا، ومحاولة إثارة التعاطف مع شاويش الانقلاب.
ثم تنطلق أبواق مدينة التخريب الإعلامي بخطة معدة مسبقا، تطالبه بالبقاء في محاولة لإثارة التعاطف، ويكتب صحفيو الانقلاب، وتنتشر اللجان الإلكترونية لتصنع ما يبدو أنه رأي عام داعم لشاويش الانقلاب، وهي لعبة أجاد معسكر الثورة فهمها، وأصبحت غير ذات تأثير بعد أن أاستهلكت في أكثر من مناسبة.
من ناحية أخرى تم تجهيز الصوت الديكوري "المعارض وليس الرافض"، ليخرج متحدثٌ ما من بين من تبقوا من 6 إبريل، ليقوم بـ "تعريق" شاويش الانقلاب بتصريح يطالب بإجراء استفتاء على بقائه!!
(وهي خدعة قديمة تذكرك بدور فؤاد المهندس في فيلم البيه البواب، عندما خرج على المعاش ووظفه أحمد زكي في الشوشرة على المزادات والمزايدة على باقي المشترين).
وقصدوا من وراء ذلك أن يشتبك معهم المعسكر الرافض للانقلاب الذي يرفض الانقلاب بكل نتائجه، وتبدأ حالة من التراشق مما يوحي بوجود حالة من الشقاق في معسكر الثورة.
نعم كل هذا صحيح
نعم كان الشاويش يتحدث بخطة محسوبة
نعم هناك دعم إقليمي كامل للانقلاب
نعم يريدون تبريد الثورة في مصر
ولكنه كان مرتعبا خائفا مذعورا، ويبدو أن حديثه المعد مسبقا عن الرحيل إذا خرج الشعب، قد أثار مخاوفه الدائمة، فظهر الذعر على ملامحه.
الكلمات التي تم تجهيزها لتبدأ الخطة المعدة لتجاوز حالة الغضب وتغطيتها بمسرحية صغيرة تثير عددا من الفقاقيع، أصابت نفسه في مقتل، وحركت هواجسه وذكرته بكوابيسه.
الأمر في غاية الوضوح، عصابة الانقلاب تعلم أنها تحارب عن حياتها، وهم في سبيل ذلك مستعدون للقتل والاغتصاب والإفساد في الأرض، كما رأينا جميعا من بعد الانقلاب، وكما بدا واضحا في مجازر رابعة والنهضة وغيرها، ومعسكر الثورة من ناحية أخرى يدرك أنه خط الدفاع الأخير عن دين مصر وهويتها وحياتها ووجودها ذاته.
من ناحية أخرى اعتمد خطاب إعلام الانقلاب المصرائيلي على إشاعة حالة من المبالغة في معسكر الثورة والإيحاء بأن 25 يناير هي نهاية العسكر وأم المواجهات، وهو خطاب يهدف دون شك إلى رفع سقف الآمال لدى معسكر الثورة، ثم تحطيم الروح المعنوية حين لا يحدث شيء، وإن عكس ذلك الخطاب طبيعة مخاوف البعض دون شك، إلا أنه يستهدف الروح المعنوية عبر سلسلة من المبالغات.
وربما بدا ما سأقوله بعيدا عن حالة الحشد، إلا أنني أراه مهما في توضيح الصورة.
ففي كل خطط التقسيم التي لم تعد سرا (دراسة حدود الدم لنائب مدير المخابرات العسكرية الأمريكي الأسبق على سبيل المثال)، تم وضع خطط تقسيم للعراق وسوريا وتركيا بل وأراضي الجزيرة العربية، بينما تحدثت تلك الخطط عن ضم سيناء للكيان الصهيوني، وهو ما يقودك إلى أن من يقفون خلف تلك الخطط ربما يدخرون لمصر مصيرا أكثر سوادا من التقسيم، ونظرة إلى سد النهضة واحتمالات انهياره أو احتمالات بقائه، تجعلك تدرك بعضا من ذلك المصير، وهو ما يفسر لك توقف بعض الدول عن المراوغة، ويفسر الدعم الذي قدمه سلمان للانقلاب.
يجب أن ندرك أن الحل يأتي من داخل مصر، وأن مصر تخوض معركة فاصلة تكون فيها أو لا تكون، بل يجب أن ندرك أن من يقفون خلف الانقلاب ربما يرغبون في تثبيت العصابة ودعمها بأي ثمن حتى تنتهي أثيوبيا من ملء خزانات السد الشيطاني.
فلتسن الثورة أسنانها ولتحشد ولتجد الحشد ولتجهز لاستمرار الحشد إلى ما بعد 25 يناير، ولنستعد لمرحلة ثورية جديدة، ولنفعل ما ينبغي على أي ثورة أن تفعله.
ayat_oraby@yahoo.com
@ayaa00