كتبت مراسلة صحيفة "فايننشال تايمز" اللندنية في القاهرة هبة صالح عن مئات
المصريين الذين اختفوا في السجون السرية المصرية.
ويشير التقرير إلى أن نور خليل تعرفت على شقيقها إسلام عندما ظهر من سجون سرية بعد 122 يوما. وتقول: "كان مقيد اليدين ويقف مع مجموعة من السجناء، وكان شعر رأسه ولحيته طويلين. وكانت بشرته حول عينيه بيضاء ومشوهة؛ بسبب العصابة التي وضعت على عينيه مدة 122 يوما".
وتذكر الصحيفة أن إسلام، الذي يقول إنه ضرب وعذب عندما اعتقل، وحاولت عائلته التواصل مع المسؤولين بحثا عن مكانه، هو واحد من مئات ممن يعتقد أنهم اختفوا في السجون السرية التي أقيمت في أنحاء متعددة من البلاد. وهو ما أنكرت وجوده وزارة الداخلية مرارا وتكرار، وقال المتحدث باسمها إنها لم تعذب أو تضرب المعتقلين.
وتستدرك الكاتبة بأن الناشطين يقولون إن التغييب الإجباري أصبح واحدا من أقسى ممارسات الدولة المصرية، التي لم تشهدها في تاريخها الأخير، وبدأت في عام 2013، بعد الإطاحة بالرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي.
ويلفت التقرير إلى أن إسلام كان يعمل قبل
اعتقاله مدير مبيعات في شركة لبيع المواد الإلكترونية، لكنه اليوم يواجه اتهامات بالانضمام لمنظمة إرهابية، والتحريض على العنف. ويصف شقيقه هذه الاتهامات بالباطلة، مستدركا بأنه رغم اعتقاله من بيته في منطقة الدلتا في 24 أيار/ مايو 2015، فإن ملف الشرطة الرسمي يقول إنه اعتقل في 21 أيلول/ سبتمبر 2015، كما تقول نور، وهو ما يمحو من السجل الرسمي أربعة أشهر قضاها في سجن سري.
وتورد الصحيفة نقلا عن المنظمة الحكومية "المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، قولها إنها تتابع على الأقل 101 حالة
اختفاء قسري. فيما قالت المؤسسة المستقلة "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" في كانون الأول/ ديسمبر، إنها تعرف عن 340 حالة.
وتنقل صالح عن ناصر أمين، الذي يقوم بمتابعة قضايا الاختفاء في المفوضية، قوله إن حالات الاختفاء كلها تصنف على أنها اختفاء قسري. ولكن استخدام مراكز الاعتقال السرية والأماكن غير المعروفة يعد تهديدا خطيرا على "حريات الضحايا"، خاصة أنه يترافق مع
التعذيب.
وينقل التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، عن محامي إسلام، حليم حنيش، وهو عضو المفوضية المصرية للحقوق والحريات، قوله إن الكثير من الأشخاص يظهرون أمام النظام القضائي بعد أشهر من اختفائهم لدى الشرطة لمواجهة اتهامات بالانتماء لمنظمة إرهابية، في إشارة للمنظمة التي ينتمي إليها محمد مرسي، وهي جماعة الإخوان المسلمين.
ويقول حنيش: "لا فكرة لدي عما حدث لإسلام، ولم يكن ناشطا سياسيا من أي نوع، ولم يكن أيضا إسلاميا. وهناك الكثير من الحالات ضعيفة، ولا يمكن تقديمها للمحكمة. وهناك عشوائية عالية في هذه الاعتقالات".
وتنوه الصحيفة إلى أن حالة إسراء الطويل تعد واحدة من أشهر حالات الاختفاء القسري. والطويل هي طالبة تدرس التصوير الصحافي، واختطفت عندما كانت في مطعم مع صديقين لها بداية حزيران/ يونيو 2015. وأنكرت السلطات اعتقالها، ولكن شخصا رآها بعد 16 يوما، عندما كان يزور سجينة وأخبر عائلتها.
وتبين الكاتبة أنه عندما ظهرت الطويل في المحكمة في تشرين الثاني/ نوفمبر، كانت تبكي وتمشي على عكازين؛ بسبب رصاصة أصابت رجلها، عندما كانت تغطي مظاهرة، وتم تبادل صورها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأفرج عنها بعد عدة أسابيع لأسباب صحية. ولا تزال الطويل تواجه اتهامات بالانتماء لمنظمة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة.
ويفيد التقرير بأن حنيش يعتقد أن الهدف الحقيقي الذي كانت الشرطة تسعى للقبض عليه هو واحد من الصديقين، وأنها والصديق الآخر اعتقلا بالمعية. وظهرت أشرطة فيديو للرجلين على التلفاز، وهما يعترفان بالتخطيط للقيام بأعمال عنف بعد أسابيع، ولكن عائلتيهما تقولان إن الاعترافات هي نتيجة للتعذيب.
وتنقل الصحيفة عن خالد عبد الحميد، من حملة "الحرية للشجعان" على الإنترنت، التي تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، قوله إنه من الصعب العثور على منطق وراء هذه الاعتقالات. ووصف الإفراج عن الطويل بأنه حالة نادرة تمت من خلال الضغط الشعبي، الذي أنتج نتائج إيجابية، ويضيف: "حققنا نجاحا محدودا في بعض الأحيان، وحتى لو منعت التظاهرات في الشوارع، فإن ضغط الرأي العام يؤدي إلى نتائج طيبة".
وتعلق صالح: "في جو يقتل فيه مئات من رجال الشرطة والجيش على يد تنظيم الدولة في سيناء وخارجها، فإن هناك دعما شعبيا قليلا لمن يتحدثون عن قضايا حقوق الإنسان. ويتعرض الناشطون الذين ينتقدون الشرطة لهجمات شرسة في الإعلام، وعادة ما يتم تصويرهم بالخونة الذي يتلقون دعما ماليا لتشويه صورة الدولة أو للدفاع عن الإرهابيين".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول أمين، إنه لا يوجد هناك إصلاح، أو إعادة بناء للخدمات الأمنية، لكن هناك اعتقالات عشوائية ردا على الهجمات التي تنفذها الجماعات المسلحة. ويضيف أن "الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه في الماضي".