نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، تقريرا حول أزمة المسيحيين في
الشرق الأوسط، قالت فيه إن تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، والاضطهاد الذي يتعرض له
المسيحيون من قبل "إسرائيل" وتنظيم الدولة؛ أدى لتناقص أعدادهم بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن أغلب ضحايا "الإرهاب" في الشرق الأوسط هم من المسلمين؛ لأنهم يمثلون الأغلبية الساحقة في المنطقة، ولكن رغم ذلك تشعر الأقلية
المسيحية بأنها مستهدفة بشكل خاص، ويتواصل تناقص أعدادها، وخاصة في مناطق التوتر.
وذكرت أن نسبة المسيحيين من سكان الشرق الأوسط انخفضت من 14 بالمائة في 1910 إلى أربعة بالمئة في الوقت الحالي، ما دفع بقادة الكنائس والمتابعين السياسيين إلى طرح تساؤلات حول إمكانية اختفاء الديانة المسيحية تماما من المنطقة التي ظهرت فيها قبل ألفي سنة.
وأوضحت المجلة أن عملية الرحيل الجماعي للمسيحيين؛ شجعها شعورهم بالانتماء للمجتمعات المسيحية الغربية، كما أن بعضهم يرحلون لأن الأجواء العامة تتسم بتفاقم العنف والركود الاقتصادي، فيما يخشى آخرون من الاضطهاد، مشيرة إلى أنه "قد ظهر مؤخرا تسجيل مصور؛ يظهر ثلاثة مسيحيين آشوريين يرتدون البدلات البرتقالية، ويتعرضون للإعدام على يد مقاتلي تنظيم الدولة".
وقال التقرير إن تناقص نسبة المسيحيين يمكن إرجاعها أيضا إلى ضعف نسبة النمو الطبيعي في صفوفهم، حيث أظهرت دراسة أجراها معهد "بيو" الأمريكي على مسيحيي
مصر؛ أن نسبة الولادات لديهم تبلغ 1.9 فيما تبلغ لدى المسلمين 2.2.
أما في مدينة الموصل التي كانت في الماضي تضم عشرات الآلاف من المسيحيين؛ فقد "تعرض هؤلاء للاضطهاد بتهمة مساندة الاحتلال الأمريكي، وكانوا ضحية لسلسلة من عمليات القتل في 2008، شملت رئيس أساقفة الكلدان. وعندما سيطر تنظيم الدولة على المدينة في سنة 2014، فإنه وضع المسيحيين أمام خيارات محدودة، وهي اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الموت، فهرب أغلب هؤلاء، وفي حزيران/ يونيو من العام نفسه؛ أعلن التنظيم أن المدينة "خالية من المسيحيين".
وأشار التقرير إلى وجود اتهامات للدول الغربية بالمبالغة في تصوير قصص معاناة مسيحيي الشرق الأوسط؛ من أجل تبرير تدخلها في شؤون المنطقة، ونقلت في هذا السياق عن متري راهب، وهو قس في كنيسة بيت لحم، قوله إن "الحديث عن اهتمام الغرب بالمسيحيين غير صحيح، فهم يسعون غالبا لاستغلال هذه القضية لخدمة أغراضهم السياسية، فالاحتلال الإسرائيلي -على سبيل المثال- يضر بالمسيحيين الفلسطينيين أكثر من التيارات المتشددة الإسلامية، ولكن الغرب يتجنب التطرق لهذا الموضوع، مع أن المسيحيين يعيشون في وضع صعب تحت الاحتلال، ولا يمكن لومهم على تفضيل المغادرة".
أما في
سوريا؛ فقد نشر أكبر قائد كاثوليكي في البلاد، البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، رسالة مفتوحة للمسيحيين في أيلول/ سبتمبر الماضي، كتب فيها: "رغم كل المعاناة؛ أرجو منكم البقاء والصبر، لا تهاجروا، ابقوا من أجل الكنيسة، ومن أجل وطنكم سوريا"، مطالبا أوروبا بالتوقف عن "تشجيع المسيحيين السوريين على الهجرة نحوها".
وبين التقرير أن قادة الطائفة المسيحية قبل اندلاع الربيع العربي، كانوا يقدمون الدعم للأنظمة الدكتاتورية، في مقابل ضمان الحماية لطائفتهم، وامتيازات أخرى لهؤلاء القادة، ولكن الوضع تغير مع سقوط هذه الأنظمة وظهور حالة الفراغ والفوضى.
ونقل في هذا السياق عن بطريرك المسيحيين المارونيين في لبنان، بشارة بطرس الراعي، قوله إن "حوالي مليون مسيحي هربوا من
العراق بعد سقوط نظام صدام، ليس لأن النظام سقط، بل لأنه لم تعد هنالك سلطة، وفي سوريا يوجد المشكل نفسه الآن، فالمسيحيون لا يساندون نظام بشار الأسد ولكنهم يخشون الفراغ".
وقالت المجلة إن بعض قادة المسيحيين كانوا غالبا ما يساندون من يمتلك القوة. ففي مصر؛ كان بابا الأقباط الراحل شنودة الثالث متحالفا مع الدكتاتور حسني مبارك، وقد حث الأقباط على عدم المشاركة في احتجاجات ثورة 25 يناير. وفي عام 2012 خلفه البابا تواضروس الثاني، الذي يقف الآن إلى جانب الجنرال الانقلابي عبدالفتاح
السيسي الذي يرأس النظام منذ انقلابه في 2013، وقد وصف تواضروس الربيع العربي بأنه "خريف خططت له أياد خبيثة لتقسيم المنطقة إلى دول صغيرة".
واعتبرت "إيكونوميست" أن الأقباط لم يستفيدوا من هذه السياسة التي انتهجها قادتهم، "فقد تعمد حسني مبارك في الماضي غض النظر عن تأزم العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في مصر، ولم يحمهم من موجة العنف الطائفي. وحتى في عهد السيسي الذي اقترح قانونا يسهل لهم عملية بناء الكنائس؛ فإنهم لا يزالون يتعرضون لصعوبات كبيرة".
وفي المقابل؛ أشارت إلى أن أعداد المسيحيين في دول الخليج في تزايد مستمر، بسبب توافد العمالة الأجنبية من الدول الآسيوية والغربية، وليس بسبب استقبال مسيحيي سوريا والعراق، "وبينما تمنع السعودية مثلا ممارسة الشعائر المسيحية؛ فإن الإمارات تمنع فقط الأعمال التبشيرية، وتقوم بدعم المسيحيين الذين تزايدت أعداد كنائسهم من 24 في 2005 إلى 40 اليوم".
وفي الختام؛ قالت المجلة إن اختفاء المجتمعات المسيحية القديمة من منطقة الشرق الأوسط يثير قلق الكنيسة، وخوفها من اختفاء المسيحيين تماما من دول كالعراق. ونقلت عن الأب بول كرم، رئيس منظمة كاريتاس الخيرية الكاثوليكية في لبنان، قوله إن "المسيحيين هم الأبناء الأصليون لهذه الأرض، ولكن لا أحد من الذين يرحلون نحو أوروبا يفكر في العودة لدياره، رغم أنه لا ينتمي إلى هناك".