هل كانوا ينتظرون صاعقة، كصاعقة عاد وثمود، حتى يعلموا أنهم بغباء البعض منهم، وسذاجة البعض، وانتهازية البعض الآخر، كانوا في مشاركتهم في هزيمة الثورة، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا؟!
هل كان الدكتور "
حازم عبد العظيم" ينتظر أن يُستدعى لمبنى المخابرات العامة للإعداد لتشكيل البرلمان، حتى يستقر في وجدانه، أن ما جري في 30 يونيو كان تمهيدا لانقلاب عسكري، أعاد
مصر لعصور الانحطاط، فصار تشكيل البرلمان يحتاج تخطيطا وتكتيكا في جهاز الاستخبارات، مع أن مصر عرفت الحياة النيابية منذ قرابة مائتي عام؟!
هل كانت حركة 6 أبريل بحاجة إلى أن ترى السيسي حاكما للبلاد، وأدوات حكمه هي الحديد والنار، التي يتعامل بها مع الجميع بمن في ذلك الذين مثلوا غطاء ثوريا لثورته المضادة، حتى يعرفوا حجم الجريمة التي شاركوا فيها بدعوتهم لإسقاط الرئيس المنتخب، في أروع وأنزه انتخابات في تاريخ مصر، ومنذ عام 1824، وهو العام الذي تشكل فيه أول برلمان مصري؟!
وهل كان "حسام فودة"، مسؤول تنظيم الفرد الواحد، وما يسمي بتنسيقية 30 يونيو، بحاجة إلى أن يخرج من "المولد بلا حمص"، ليعرف أن السيسي يؤسس لحكم عضوض، وينتبه إلى أن من يعارضه مصيره السجن، وإلى أن الأوضاع في مصر كئيبة للغاية، وهو الذي كان دائما وأبدا يدافع عن حكمه، وتجاوز رفاقه في الدفاع حد وصفه في مقابلات تلفزيونية السيسي بالرئيس المدني، إذ اعتبر الفتى أنه بمجرد أن خلع بدلته العسكرية صار مدنيا، كيوم ولدته أمه!
لقد وجدتني في ليلة التعليق على شهادة "عبد العظيم"، التي يروي فيها جانبا من مراحل تشكيل برلمان الانقلاب، وعلى "الجزيرة مباشر"، نتكلم كلاما متشابها، ونعزف لحنا واحدا، بدا لي أنه لحن حزين، لأن حالة الإفاقة جاءت للبعض بعد "خراب مالطة"، وهي تشبه التوبة حين "الغرغرة"، فماذا نفعل بتوبتهم ونحن أمام حاكم مقاومته تحتاج إلى ثمن فادح ونضال مرير؟!
لا أظن أن من خططوا لهذه الفقرة، في برنامج "النافذة المسائية" كانوا يعتقدون أن جميع ضيوفهم سيعزفون لحنا واحدا، وربما ظنوا أن بعض الأسماء ستمثل الرأي الآخر، لكن هذا الرأي اختفى في هذه الليلة، وفي الصباح قرأت مقال "خالد داود"، القيادي بحزب الدستور، بموقع جريدة "التحرير" تعليقا على الشهادة، فإذا به يشاركنا العزف، وعنوانه "برلمان المخابرات العامة"، وهو يرى أن "حازم عبد العظيم" فجر قنبلة خطيرة بشهادته.
"خالد داود"، كان من الذين استضافتهم "الجزيرة" مبكرا، ليعبروا عن الرأي المدافع عن 30 يونيو وما بعدها، وكان مناظري في بعض البرامج، ولا يرى في ما حدث انقلابا عسكريا، بل ثورة شعبية، وكنت أسوق بديهيات تؤكد أنه انقلاب مكتمل الأركان.
بيد أن "خالد داود"، كان من الذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب، فمبكرا انضم لمعارضة النظام الجديد، لكن غيره احتاج إلى كل هذا الوقت، وكل هذه المجازر، وكل هذه الدماء، وكل هذا القمع، وكل هذا التخريب المتعمد في حاضر مصر ومستقبلها.
منذ اللحظة الأولى للانقلاب كنت أتوقع أن (يفوق) القوم من الغيبوبة، ومنهم من دخل فيها بمحض إرادته، فقد كان يتحرك بدوافع الغل والحقد على تيار تمكن من الحصول على ثقة الشعب، بينما هم لم يشاهدوا هذا الشعب سوي في أعمال الدراما، ومسلسلات أسامة أنور عكاشة، وبعضهم لم يكن لديه مانع من أن تعود دولة مبارك، بل ويعود مبارك نفسه، في مقابل أن يحصل على نصيبه من "كعكة الحكم"، فلم يكن مغشيا عليهم، وهم ينحازون للانقلاب العسكري وللثورة المضادة!
وكانت الأمور واضحة تماما لهم، فحمدين صباحي وجماعته كانوا يعرفون ماذا يفعلون، وهم الذين وضعوا شروطا في جولة الإعادة للانحياز لرجل مبارك الفريق أحمد شفيق ومرشح الدولة العميقة، بأن يكون حمدين نائبا للرئيس، وما لا يعرفه كثيرون أن شفيق رفض هذا الشرط!
وحمدين صباحي نفسه، كان يعلم من هم رجال 30 يونيو، عندما خاطب أنصاره بأن عليهم ألا يسألوا من بجوارهم إن كان من الحزب الوطني ( الحزب الذي أسقطته ثورة يناير)؛ فخلافنا معه ثانوي لكن خلافنا جذري مع الإخوان المسلمين.
كان حمدين يحلم بأنه الرئيس المنتظر، وفي سبيل ذلك مكن وجماعته كل زناة الليل من الثورة، ليضاجعوها إلى أن نزفت، ثم صرخوا فيها أن تصمت صونا للعرض!
لدى اليسار المصري "عقدة رفعت السعيد"، الذي باع القضية، وباع مبادئ اليسار، بل وصفى اليسار في سبيل "كرسي" بالتعيين في مجلس الشورى، وحماية أمنية لموقعه كرئيس لحزب التجمع، وصفقات مع وزارة التربية والتعليم لمطبعة يشارك في ملكيتها مع زعيمه خالد محيي الدين، وطباعة لكتبه في هيئة الكتاب.
كلهم يهاجمون "رفعت السعيد"، ومعظمهم يريدون أن يكونوا "رفعت السعيد"، واعتبروا أن النظام الجديد، سيكون بحاجة إلى "رفعت السعيد" جديدا لا ينتمي للعهد البائد، فنفروا خفافا وثقالا، وغدوا خماصا وبطانا، انحيازا للسيسي، وتشبيهه بما لم يطلب، فهو عبد الناصر، الذي أذهل الدكتور "حسام عيسى"، لانحيازه الهائل للفقراء (!!) والرجل كان يمثل عندي الاستقامة السياسية، لكن من الواضح أنه كان ينتظر الفرصة، ورغم خروجه من الوزارة، إلا أنه لم يفقد الأمل في أن يكون "رفعت السعيد"!
لكن السيسي لم يفض عليهم بأي عطية، وعندما كانت منحة التعيين في برلمانه، منحها لخليفة "رفعت السعيد"، واختياره الحر المباشر، ورئيس حزب التجمع، الذي لم يكن يرفض صفقاته مع نظام مبارك، فقد كان ينظر إليه على أنه "الأستاذ المعلم"!
ولم يكونوا كلهم انتهازيين، ظنوا أن "الحداية تحدف كتاكيت"، فهم طرائق قدادا، فمنهم من كان يظن أنه يحمي الدولة، ولأنه دخل السياسة "على كبر"، ودون سابق خبرة، أو تدريب، فقد وقع تحت تأثير الدولة في خطر بسبب حكم "الفاشية الدينية"، وتأثر بمقولة أن الجيش هو بيت الوطنية المصرية، ولم يعلم أن الجيوش لا تُحكم برتبها الدنيا، وقيادة الجيش (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) هي من الاختيار الحر المباشر لحسني مبارك، وبالواحد.
وربما كان "حازم عبد العظيم" يطمع في منصب وزير الاتصالات في عهد الإخوان، فلما بخلوا به، "قيل يا داهية دقي"، وظن أن الحكم الجديد سيمكنه من ذلك، لكن فاته أنه محسوب على ثورة يناير، وهذا حكم الثورة المضادة، الذي كان أكثر ما يزعجه أن الشباب بوجه عام، وشباب الثورة بوجه خاص أدار ظهره للسلطة، فكان استدعاؤه لرئاسة لجنة في البرلمان "المحتمل"، لجمع الشباب، تماما كما تم اختياره عضوا في لجنة الدعاية الانتخابية للسيسي!
ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية في حد ذاته، كاشفا للأعمى أننا أمام انقلاب عسكري، وبالمعايير التي وضعها العسكر أنفسهم لمعنى الحكم العسكري سواء معايير قائد الجيش الثاني "أحمد وصفي"، أو معايير السيسي ذاته!
لكن، من الواضح أن "عبد العظيم" كان انشغاله بحماية الدولة مقدما عنده على الانتصار لقيم ومبادئ ثورة يناير، فلما وجد الأمر وصل إلى درجة أن يتم تشكيل البرلمان في المخابرات العامة، وفي حضور نجل السيسي، وسكرتيره عباس كامل، كانت اللحظة الكاشفة التي أكدت له أنه حكم مستبد يستهدف حماية شخص وليس حماية الدولة، فرفض الترشح على قوائمهم لعضوية برلمانهم وكتب شهادته بعد أن تشكل البرلمان، أي في الوقت الضائع. والشهادة لله فمن الذين انضموا لمعارضة السيسي الآن لو تلقوا هذا العرض لعضوا عليه بالنواجذ، ولاستمروا في دفاعهم عنه!
في الاستوديو، كنت أكثر ميلا للتعامل مع النص، وتجاوز سوابق صاحبه، ودوره في التمكين للانقلاب العسكري، على العكس من المتحدث باسم "6 أبريل" الذي غمز فيه ولمز، وإن تعامل على أن ما قاله هو الواقع المعروف للجميع.
وليس للحركة أن تتعالى على "حازم"، فهم في الهم شرق، وهل ننسى عندما ذهب ممثلون من 6 أبريل للقاء "المؤقت" عدلي منصور، وطرحوا عليه السفر ضمن آخرين من القوى الشبابية، لإقناع الغرب أن ما جرى ليس انقلابا ولكنه ثورة، وهو الاقتراح الذي رفضه الانقلاب نفسه بعد أن طعن الحاضرون في بعضهم؛ تسابقا في نيل الرضا السامي؟!
وراعني أنني كنت أكثر رحمة بحازم عبد العظيم من خالد داود، الذي استهل مقاله بقوله: "لا يهمني الأسباب والدوافع التي ساقها الدكتور حازم عبد العظيم لتبرير تقلباته الحادة وحديثه العبثي عن التفرقة بين المبادئ والمواقف"!
الشاهد أن 6 أبريل، وخالد داود، وحازم عبد العظيم، وحسام فودة، من الذين مثلوا غطاء ثوريا للثورة المضادة، وستارا مدنيا للانقلاب العسكري، والفرق بينهم في توقيت العودة، ومعلوم أن ما يجمع "حازم" و"حسام" كثير، فكلاهما كان شبيحا في موقعة اقتحام مقر جماعة الإخوان المسلمين في المقطم، والصور أظهرت الأول وهو يحمل في يده حجرا في يوم الأحداث، وأظهرت الثاني وهو يحمل "اللافتة الخشبية" التي تحمل اسم الجماعة وكانت معلقة في أعلى البناية، كغنيمة حرب، وكعلامة انتصار، في يوم تواطأت فيه وزارة الداخلية بالغياب مع الثوار!
وكأنهم بعد هذا كله كان ينقصهم الدليل ليتأكدوا أنهم كانوا مجرد ترس في الثورة المضادة، وهو أمر كان واضحا لي منذ البداية، وأنا في خندق المعارضة للإخوان ولحكمهم، فهل كنت الأذكى، أو الأكثر وعيا منهم جميعا؟
لا أعتقد، لكنها الحماقة التي أعيت من يداويها، فقد تصرفوا على طريقة الذي أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه!
إنه يعلم أنه يوقع ضررا بنفسه، ولكن في سبيل أن يغيظ السيدة حرمه، فلم يكن مشغولا بكل هذا!
لا أخفي أنني حزين، على ثورة بددها هؤلاء الحمقى، مع أن لحظة اكتشاف الحقيقة ينبغي أن تجعلني أكثر زهوا بنفسي، فلم أركن إليهم منذ البداية!
ربما حزني لأني أعلم حجم جريمتهم، ففاتورة إسقاط الانقلاب ستكون باهظة، وقد يرى العقلاء أن ما كتبته هو " تقليب للمواجع"، مما يحول دون الاصطفاف!
ولهؤلاء لست عاقلا حد نسيان جريمتهم، ولست محسوبا عليكم، ولا على أي تنظيم، أو حزب، أو جبهة، ليكون موقفي حائلا دون اصطفافكم المجيد.. أنا بالكاد أعبر عن نفسي، ونفسي لا تغفر لمن أجرموا، وصارت فاتورة رفع إجرامهم باهظة!
أنا لا أدعو الله أن يسامحهم، لأني لا أرجو الله أن يسامحهم.
azouz1966@gmail.com