"لا نرتهن لصندوق النقد الدولي وهو ليس مؤسسة استعمارية، ولم يأتنا على ظهر دبابة"، كلمات رددها رئيس الحكومة الأردنية عبد الله النسور مرارا الأعوام الماضية، في محاولة منه للرد على الأصوات المعارضة التي تنتقد "ربط السياسات الاقتصادية الأردنية برغبات وإملاءات
صندوق النقد الدولي"..
إلا أن لهجة الحكومة الأردنية تغيرت أثناء مناقشة مجلس النواب الأردني لموازنة الدولة لعام 2016، ليؤكد رئيس الحكومة أن "ما قام به من قرارات اقتصادية ورفع للأسعار جاء بناء على مطالب المانحين الذين يشترطون ترتيب البيت الداخلي"، ليكون وزير المالية الأردني عمر ملحس أكثر وضوحا ويتحدث عن "إصلاحات صعبة يريدها صندوق النقد الدولي في المرحلة المقبلة".
رهينة منذ الثمانينيات
وترى المعارضة الأردنية أن ما قامت به الحكومة منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي تحت مسمى "برنامج تصحيح اقتصادي"، ما هو إلا "رضوخ لصندوق النقد الدولي" وتطبيق لسياسات اقتصادية أفقدت الدولة حقها في مؤسسات حكومية بعد أن باعتها للقطاع الخاص.
ويرى أمين عام حزب الوحدة الشعبية، د.سعيد ذياب، في حديث لـ"
عربي21" أن صندوق النقد الدولي عمل مبكرا على ضمان أن يعيش العالم الثالث أزمات مالية وفتح أسواق جديدة للولايات المتحدة.
أما بخصوص الأردن والصندوق، فيقول سعيد: "إن المملكة بدأت ترضخ لسياسة الصندوق في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ومن حينها والصندوق يتحكم بالقوانين الاقتصادية كضريبة الدخل وقوانين أخرى لا تصاغ بعيدا عن رضا الصندوق، كما أن للصندوق دورا بسحب دور الدولة من عملية الرعاية الاجتماعية للمواطنين دون مراعاة لظروف المجتمع وغياب العدالة في توزيع الدخل".
وتابع: "الصندوق قاد المملكة إلى التبعية والارتهان، حيث باتت السياسة الاقتصادية الأردنية لا تنبع من المصلحة الوطنية ومن حاجتنا للتنمية بقدر استجابتنا للضغوط".
وجبة إصلاحات
وأنهى المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي المراجعة السابعة والأخيرة لبرنامج الاقتصاد الأردني الذي استمر 36 شهرا واقترضت المملكة بموجبه ملياري دولار. وتستعد المملكة لوجبة ثانية من الاقتراض بعد انتهاء البرنامج الأول، وتوقع خبراء اقتصاد أن يتضمن البرنامج الثاني وصفة من صندوق النقد تتضمن "إزالة باقي أشكال الدعم ومنها الخبز والأعلاف، وزيادة الإيرادات الضريبية من خلال تعديل قانون الضريبة".
وزير المالية الأردني الأسبق محمد أبو حمور بين لـ"
عربي21" أن "الاشتراطات الصعبة التي قد يطلبها صندوق النقد الدولي" ستفضي في النهاية إلى توجه الحكومة لرفع الإيرادات الضريبية لسد العجز والتخفيف من المديونية.
وتابع بأن الأردن يجري الآن مفاوضات مع الصندوق للبدء في برنامج تصحصح ثانٍ، وعليه فإنه يقوم بمراجعة المؤشرات الاقتصادية قبل البرنامج، ومعظمها بحسب الوزير الأسبق مقلقة.
وأضاف: "النمو الاقتصادي متواضع جدا وأدى إلى تراجع مستويات المعيشة للمواطنين، والمديونية ارتفعت بصورة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، وتجاوزت قانون الدين العام، وارتفعت معدلات البطالة والفقر بصورة كبيرة، كما أنها تراجعت معدلات الاستثمار بنسبة 28% بسبب عوامل، منها الخارجية كالظروف المحيطة والداخلية كالسياسات الحكومية والأعباء الضريبية".
أما المحلل والخبير الاقتصادي سليم أبو الشعر، فقال في تصريح لـ"
عربي21"، إن الصندوق "يتدخل قطعا في السياسة الاقتصادية الأردنية، ولهذا التدخل أشكال متعددة، منها ما كان يمليه الصندوق من برنامج تصحيح اقتصادي على الحكومة الالتزام به، والأردن مطالب الآن بإعادة النظر بالنظام الضريبي، ويرافق ذلك تصحيحات بالسياسة المالية والنقدية".
تفاؤل حكومي
في المقابل، أكد رئيس الوزراء الأردني، أن "توقعات النمو الاقتصادي المبينة في مشروع قانون الموازنة العامة تتوافق مع تقدير المؤسسات الدولية لنمو الاقتصاد الأردني خلال عام 2016".
وتقر الحكومة الأردنية على لسان وزير المالية عمر ملحس، أن الصندوق يشترط على الأردن وضمن نطاق المفاوضات للبدء بالبرنامج الجديد "أن تُخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ما دون 70 بالمائة مع حلول عام 2021".
وبحسب النشرة الدورية التي تصدرها وزارة المالية الأردنية، فقد بلغ حجم اقتراض الأردن من صندوق النقد الدولي حتى نهاية العام الماضي 1.4 مليار دينار، فيما بلغ حجم الاقتراض من البنك الدولي 923 مليون دينار، ومن بنك الاستثمار الأوروبي 86.1 مليون دينار، ومن البنك الإسلامي للتنمية 55.7 مليون دينار.
وأقر مجلس النواب الأردني مؤخرا موازنة الدولة لعام 2016 بعجز مالي مقداره 906 ملايين دينار؛ إذ يتوقع أنّ تبلغ الإيرادات 7.589 مليار دينار، بينما يتوقع أن تبلغ قيمة النفقات العامة 8.495 مليار دينار، ويرتفع الدين العام للمملكة إلى أرقام فلكية وصلت إلى 24.4 مليار دينار، وهو الأعلى في تاريخ المملكة، متجاوزا الـ90% من الناتج المحلي.