لم ينعم أحد بأمان مثلما تنعم دولة الكيان الصهيوني، فالصهيونية تجد محاضنها في نُظم ومنظومة الاستبداد. كيان العدو لم يرتعب من قبل مثل ما أصابه الخوف والهلع بعد الثورات العربية، ومن ثم كانت إعلاناته أنه مول الثورات المضادة، باعتبار ذلك أهم عملية استثمار لأمن الكيان الصهيوني، القضاء على حالة المقاومة الناهضة من أهم أهداف العدو، ومحاولة تشويهها هو العمل اللازم للتهوين من مكانتها، بل المقدمة لإقصائها وتجريم أفعالها، هذا عمل العدو في معادلاته الإقليمية والدولية يحرث الأرض لقبول ظلمه واغتصابه، بل وإقرار مطامعه، والتمكين لذلك بكل الطرق، عمليات تسميم سياسي ممنهج ومقصود، ولكن فعل المقاومة البسيط في عبقريته، يعطي الدرس البليغ للكيان الصهيوني ويحرج هؤلاء الذين جعلوا من أمن إسرائيل أولى مهماتهم.
صاحب الانقلاب في
مصر ومتعهد
الثورة المضادة يجعل من أمن إسرائيل ركنا ركينا من سياساته وأمنه، يعبر عن ذلك دون وجل، ويصدع به دون خجل، يصوغ مفرداته بالبجاحة ويغلف مواقفه بمزيد من التناحة، إسرائيل جواز مرور المستبدين وضمان استقرار كراسي حكامهم، يقدم منهم فروض الطاعة والولاء للعدو الصهيوني من كل طريق، ألا ترى ماذا يفعل بشار الجزار والسيسي الغادر؟ فهذا الكنز الاستراتيجي قد تحول إلى حالة فاضحة من الانبطاح الاستراتيجي أمام العدو وأوامره، بل تستبق هذه النظم ما يريد العدو ويتلمس رغباته، فإذا انتهك الأقصى صمت هؤلاء صمت القبور وأطلقوا كلاب الحراسة في إعلامييهم وبعض مثقفيهم يشككون في قدسية القدس والأقصى يمررون كل ما يخدم العدو في خطته وتخطيطه.
ظاهرة "المتصهينين العرب تتمدد وتتعدد وجوهها، وتزداد قوة وحضورا وتأثيرا، يصدرون خطاباتهم العفنة ويدبجون كلماتهم الفجة ويسندون مواقفهم الخربة، يخربون بها الثوابت والمبادئ، تارة باسم الواقعية التي ماهي إلا سقوط ووقوعية، مالم ندرك خطورة هذا التيار الذي بدأ متسللا متلصصا ثم تغول وتضخم فصار فاجرا متطاولا، فإن الأمر سينتهي إلى كارثة محققة تحيق بالأمة ووجودها، يتضح لنا -كما يقول أحد الأكاديميين الشرفاء- "أن هذا التيار هو نتيجة لعملية ممنهجة ومنظمة، تجري رعايتها وحمايتها من أطراف عديدة، هدفها الأساسي تزييف الوعي، وقلب الحقائق، وإنهاء الصراع مع إسرائيل شعبيا، بعد أن انتهى رسميا. وما لم تتم مواجهة هذا التيار بشكل منهجي ومنظم وواع، فلربما يأتي اليوم الذي يطالب فيه البعض بالتطوع في الجيش الإسرائيلي، باعتباره جيش الله المختار".
الغريب أن هذه الجيوش من المبررين للعدو تبرّعوا بتبرير ممارسات العدو والعدوان كما لم يفعل الكيان الصهيوني نفسه، واجتهدوا في خلط الأوراق بمهارة يُحسدون عليها، وتنوّعت تبريراتهم المحرّضة على أهل غزة خاصة، وعلى فلسطين المقاومة عامة يستمرون في التبرير والتمرير والتزوير لمصلحة الكيان الصهيوني ليل نهار، وإذا ما اعترض البعض محذرا ومنبها، لا يتورعون عن وصف مَن يرفض منطقهم المتصهين بأنه متعصب، لا يحترم الرأي الآخر، أو مفلس لا يجيد إلا لغة التخوين في إسقاط مكشوف ومفضوح منقطع النظير، والغريب أن معظم هؤلاء كان قد صفّق، وما زال يصفّق، لمَن قتل مخالفيه بالرصاص الحي في الميادين العامة في مصر، ويأتي، الآن، ليطالب باحترام الخيانة الوطنية والتدليس والتثبيط والتخذيل والتصهين والتحريض على العزة والكرامة والمقاومة، بحجة أنها رأي آخر!.
تتهافت بعض الأنظمة العربية الموصومة بالاستبداد على مبادرات تنطلق من الرؤية
الصهيونية ومن شروطها القائمة على تصفية المقاومة ونزع سلاحها دون قيد أو شرط، مقابل وعود وهمية وأضغاث أحلام غير ذات مصداقية يبيعون الأوهام والأحلام، التي تعني في الحقيقة أن الكيان الصهيوني مطلق اليد في التدمير والقتل، وأن المجتمع الدولي يتكفل بإعادة البناء المشروط بان يتخلى الشعب الفلسطيني عن حقه في المقاومة، وإذا تحقق منها فإن جزءا كبيرا يكون بأموال عربية، ما يعني أن إسرائيل تقتل وتدمر، وأن الأموال العربية ضامنة ومتباطئة عن سبق إصرار وترصد.
لا غرابة، فقد تهافت المنقلب بسياساته قبل أن تفعل إسرائيل وسبق إلى تدمير الأنفاق والبيوت المجاورة وإقامة جدران فولاذي عازل وأغرقوا أرضا على الحدود بمياه مالحة، بدعوى القضاء على الأنفاق، مهددين القطاع بكارثة بيئية، لا غرابة أن يبتهج الصهاينة ويعبروا عن ارتياحهم لتعاون بل وتحالف دول مجاورة، أي في نهاية المطاف من فرض الحصار على الشعب الفلسطيني؛ لإذلاله وإخضاعه وإجباره على الاستسلام للشروط الصهيونية وإنه لشيء مخز أن نعيش حتى نرى كيف وصل البعض من متصهينة العرب إلى هذه الحالة من انعدام التمسك بثوابت الأمة في مواجهة عدوها، بل والانحطاط لأدنى درجة من درجات بالاستخفاف بالإنسانية، وأن تبلغ بهم الوقاحة إلى حد تبرير جرائم الحرب الصهيونية في غزة وأن يحملوا المسؤولية لحماس، بل ويتهمونها بالإرهاب عن كل ما يقع، كثير من هؤلاء المتصهينين العرب في بعض القنوات التلفزيونية الانقلابية التي تحولت إلى قنوات للتحريض على الإقصاء والقتل والكراهية وتبرير الجرائم والمجازر والإساءة إلى شعوب كاملة والمس بكرامتهم وشرفها ورموزها.
وهاهم كتاب عرب وصفهم الكيان الصهيوني "أنهم سفراء إسرائيل لدى الوطن العربي، ففي سابقة هي الأولى من نوعها أوصت خارجية الكيان الصهيوني بنشر ما يكتبه هؤلاء الكتاب على الموقع الرسمي للوزارة، باعتبار أن مقالاتهم تُمثِّل وجهة النظر الصهيونية الرسمية، وأن هؤلاء الكتاب هم سفراء "إسرائيل" لدى العالم العربي، وهم أفضل من يوصل وجهة النظر "الإسرائيلية" إلى الشارع العربي بشأن حركة "حماس، طالب بعضهم بفجر بيِن سحق الخونة والغدارين الفلسطينيين بلا رحمة ولا شفقة، وكتب البعض باستخفاف، وبجاحة أن القضية الفلسطينية لا تعنيني، واتهم أشرف ما في الأمة من حركات المقاومة بأوصاف هم الأحق أن يوصفوا بها.
جاءت التصريحات المتصهينة -في النهاية- بشأن إنكار عروبة وإسلامية القدس والتشكيك في وجود المسجد الأقصى بفلسطين، والزعم بأن الأقصى الحقيقي موجود علي طريق الطائف بالسعودية والدعوة إلى التخاذل عن نصرة الأقصى الجريح بدعوى أن المساجد لله وليست للمسلمين، وأن الرسول مات والأقصى لم يكن في أيدي المسلمين، لتشكل ذروة الخطاب المتصهين.
هذه التصريحات والدعوات المتصهينة المخزية والمخذلة معا غيض من فيض في طمس الذاكرة وتسميمها، ومن المؤكد أن المستفيد الأول من ترديد أكذوبة "يهودية القدس" هو الكيان الصهيوني.. خاصة أن لمواصلة تنفيذ المخطط العملي لهدم المسجد الأقصى فتغطي به جريمتها.
المشهد والحال لا يمكن أن يحتمل وقاحتكم ولا سخافة خطابكم، فنسبكم الفاسد معروف يرجع لاحتضان الكيان الصهيوني الثورات المضادة ورعاية الثورات المضادة لكم يا "متصهينة العرب"، معركة أهل الثورة أصبحت واضحة مع مستبدين انبطحوا ومع كيان صهيوني اغتصب ودمر.