لا يزال ذوو
الشهداء الذين يحتجزهم الاحتلال
الإسرائيلي، ضمن ما يعرف بـ"
مقابر الأرقام"، بانتظار أن تتحقق أمنيتهم، وذلك باحتضان جثامين أبنائهم بعد طول غياب، ودفنها بشكل لائق.
تتلمس رفات ابنها الشهيد
تقف أحلام فروانة (أم علي)، من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، على عتبة الأمل، تنتظر أن ترى رفات ابنها محمد فروانة، أحد منفذي عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 25 حزيران/ يونيو 2006.
وتقول لـ"
عربي21": "محمد كان سببا في فك أسر ما يزيد عن ألف أسير وأسيرة
فلسطينية؛ تحرروا بفعل صفقة "وفاء الأحرار"، وذلك بعد تسليم الجندي شاليط الذي اختطفه"، مضيفة: "الكثير تحرر، وبقي محمد أسيرا لدى الاحتلال في مقابر الأرقام".
وعبرت أم علي عن شوقها؛ لكي تتلمس رفات ابنها بعد أكثر من عشر سنوات، لتسكنه قبرا يحمل اسمه، وتعرف مكانه لتعوده كلما أرادت.
وبحسب تقديرات إحصائية لمركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، فإن الاحتلال الإسرائيلي احتجز في مقابر سرية تسمى "مقابر الأرقام"، المئات من جثامين الفلسطينيين والعرب، سواء الذين قضوا في سجونها أو خلال عمليات نفذت ضد جنود الاحتلال، بحسب إفادة سلوى حماد، منسقة الحملة الوطنية التي أطلقها مركز القدس؛ لاستعادة جثامين الشهداء المحتجزة، والكشف عن مصير المفقودين لدى الاحتلال.
حفر متراصة عمقها 50 سم
وأوضحت حماد لـ"
عربي21" أن عدد الشهداء الذين وثقتهم الحملة في "مقابر الأرقام" يزيد عن 268 جثمانا، فيما يزعم الاحتلال الإسرائيلي أن ما بقي لديه في تلك المقابر 139 جثمانا (119 ما قبل عام 2004، و20 خلال حرب 2014 على غزة). وأشارت حماد إلى أن "أكثر من 129 جثمانا لشهيد لا يعرف الاحتلال مصيرها"، وذلك بحسب المراسلات الرسمية بين المركز والاحتلال.
وأكدت أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تحتجز جثامين تسعة ممن استشهدوا خلال الانتفاضة الثالثة، التي انطلقت في تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، في الثلاجات، ونوهت إلى أن جميع هؤلاء الشهداء هم ممن يحملون هوية القدس. وبذلك يصل عدد الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال إلى 277 جثمانا.
ولفتت حماد إلى أن "مقابر الأرقام" هي "حفر متراصة لا يزيد عمق الواحدة منها عن 50 سم، ولكل حفرة رقم خاص بها، يدفن فيها الشهداء الفلسطينيون".
وأضافت: "تقع هذه المقابر في مناطق عسكرية مغلقة بالقرب من الحدود، ولا يمكن لأحد زيارتها أو الاقتراب منها أو التصوير، وتخضع مباشرة لسيطرة جيش الاحتلال"، مؤكدة أن بعضا ممن يدفنهم الاحتلال في هذه المقابر هم "أسرى منذ عام 1967، ويرفض الاحتلال إعطاء أي معلومات عن مصيرهم، متذرعا بضياع الجثامين".
سرقة أعضاء الشهداء
وبالرجوع إلى الأسباب التي أدت إلى ضياع بعض جثامين الشهداء، بحسب حماد، فإن "أحد أهم الأسباب هو طبيعة المقابر التي تخلو من أي مقومات إنسانية وأخلاقية ودينية، والتي لم يزد عمقها عن 50 سم، ما جعل جثامين الشهداء عرضة لعوامل الطقس الطبيعية المختلفة".
وتابعت: "جيش الاحتلال كان يوكل أمر دفن الشهداء لشركات خاصة"، مشيرة إلى أنه "تم التواصل مع شركة تدعى (IAS)، لكنها نفت علمها بأسماء وأماكن دفن الشهداء الفلسطينيين".
وألمحت منسقة الحملة لـ"
عربي21"، إلى قيام "الاحتلال بسرقة أعضاء الشهداء قبل دفنهم"، واصفة هذا للعمل بـ"الإجرامي والعنصري، ويوازي جرائم الحرب"، وذلك بناء على "معلومات غير مؤكدة" تشير إلى ذلك. ودللت على ذلك باعتراف الإسرائيلي يهودا هيس، خلال مقابلة له مع القناة الثانية الإسرائيلية عام 2009، "بأنه أشرف على انتزاع أعضاء من جثامين شهداء فلسطينيين، منها الجلد والعيون، وذلك لزراعتها في أجساد جنود جرحى إسرائيليين".
وطالبت حماد المؤسسات الدولية بالتدخل لدى الاحتلال؛ من أجل الإفراج عن جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال "منذ ما يزيد عن نصف قرن؛ من أجل منحهم حقهم الإنساني بالدفن في مقابر تراعي الإنسانية الإسلامية".