إن الانتكاسات المتكررة لتجارب
الإسلاميين العرب تحديدا؛ ما هي إلا نتيجة للوضع العام الذي عاشته وتعيشه المنطقة منذ استقلال معظم أقطارها إلى اليوم، جرّاء الفشل الذريع الذي ميّز مسار الدول الوطنية وأنظمتها السياسية المتعاقبة، التي لم تتخلص بشكل كامل من بقايا مستعمريها السابقين ومشاريعهم وأذنابهم وعرّابيهم، ما أفشل كل محاولات الانعتاق المختلفة، خاصة السياسية والاقتصادية والعسكرية منها، حيث عملت هذه القوى الاستعمارية على إجهاض كل بوارق الأمل التي كان من الممكن أن تحدث بعض النقلات النوعية في دول المنطقة، كبقية دول العالم المشابهة لها في الظروف وتاريخ الاستقلال.
فقد حرصت هذه القوى على أن يكون وارثوها على رأس الأغلب من دول المنطقة، إما عائلات وأسر ذات حكم أبدي تتصرف وكأن الدولة والوطن ملكا خاصا لها، وإما أنظمة ديكتاتورية مستبدة أغرقت دولها وشعوبها في مستنقعات التخلف والفساد والفقر، وأنتجت وفرّخت دولا عميقة محاربة لكل مظاهر الإصلاح والتغيير والبناء، وهو الأمر الذي ساهم في إبقاء إرادة وسيادة أكثر هذه الأنظمة والدول مرتهنة بكلها أو جزء منها على الأقل لدى الأطراف الأجنبية الاستعمارية سالفة الذكر، وجعل هذه الأطراف تتحكم في قرارها وشريكة في ثروتها، وتتدخل حتى في وضعية هويتها من دين ولغة وثقافة وقوانين.
هذه البيئة بما تحتويه من أدوات ووسائل وبؤر ولوبيات، ساهمت في إفشال وعرقلة كل مشاريع التغيير ومحاولات الإصلاح الجادة، وصنعت ودعّمت كل الانقلابات على الإرادة الشعبية في المرّات القليلة التي أعطيت فيها الكلمة حقيقة للشعوب، لتصنع حاضرها ومستقبلها بإرادتها الحرة والسيدة ورأيها المستقل، ما جعلها تتسبب في الكثير من الفتن والصراعات والتمزيق وسفك الدماء، كانت هذه الأوطان في غنى عنها، حيث لم تجن من ورائها إلا الكثير من الخراب والدمار، ودق أسافين التفكك في نسيجها المجتمعي العام، وفتحت الأبواب على مصراعيها للعدو الأجنبي المتربص لكي يلعب كما يشاء وبالشكل الذي يريد تحت قاعدة مالك بن نبي الشهيرة: "القابلية للاستعمار".
هذه الأجواء مجتمعة كرّست منطق الفشل والإفشال والعرقلة في دول المنطقة، ومنعت حدوث أي تحول إيجابي لافت فيها، يكون في صالح الشعوب والأوطان والأمة ككل، وعمّقت وشجعت وصنعت وأعطت المبرر لمنهج التدمير والتفجير والتكفير، على حساب منهج الاعتدال والتعايش والتعمير، فكان الإسلاميون خاصة ممن يؤمنون بالتغيير الهادئ، ويرضون باللعبة الديمقراطية وحكم الصندوق، هم أول وأكثر ضحايا هذه الأجواء بأطرافها ومكوناتها وأدواتها المختلفة الداخلية والخارجية، التي تآمرت وانقلبت عليهم، وأفشلت تجربتهم، وعاقبتهم على اختيار الشعب الحر لهم في كل مرة، هذا كله وغيره صحيح وموجود ولا ينكره إلا جاحد أو مكابر. لكن بالمقابل، لا بد من الاعتراف بوجود مجموعة من المسارات لا يمكن إغفالها؛ متعلقة بالإسلاميين العرب أنفسهم ومن داخلهم، كان لها دور كبير في صناعة الفشل، وأوجدت لديهم ما يمكن أن نسميه بـ"القابلية للإفشال"، ولا يمكن لتجاربهم الحاضرة والمستقبلية أن تنجح وتؤتي أكلها، إذا لم يوجهوا أولوية اهتمامهم إلى الاشتغال الاحترافي والجريء والشجاع على إصلاح هذه المسارات، وحسمها بمنحى إيجابي أولا، ليكونوا فعلا في مستوى تطلعات شعوب المنطقة وتحقيق رغبتها في التحرر والتغيير، وإلا ستتكرر مآسيهم وانتكاساتهم حتما، ومن ورائهم أوطانهم وشعوبهم وأمتهم.
وقد أحصيت عشرين مسارا من مسارات الفشل الذاتي هذه يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 ـ الفشل في التسيير الصحيح والإدارة الحكيمة للخلافات الداخلية.
2 ـ الفشل في الاستثمار الإيجابي الاحترافي للفرص المتاحة.
3 ـ الفشل في صناعة الروافع الداعمة والبدائل المناسبة.
4 ـ الفشل في الاستشراف الصحيح والواعي للأحداث.
5 ـ الفشل في اللعب الصحيح على صراع المحاور المحلي والإقليمي.
6 ـ الفشل في إتقان أبجديات ثقافة الدولة بدل ثقافة التنظيم.
7 ـ الفشل في التنبؤ الكافي بالمؤامرة التي تستهدفهم وحسن الاستعداد لها.
8 ـ الفشل الذريع في مجالي المال والإعلام وعدم حسن توظيف الموجود منه.
9 ـ الفشل في الاقتحام الناجح للفضاءات المجتمعية المفتوحة وحسن توظيفه،ا والغرق المبالغ فيه في إكراهات التنظيم وقضاياه.
10 ـ فشل معركة التشبيب القيادي في أغلب التنظيمات والأحزاب الإسلامية.
11 ـ الفشل في مسألة الفصل أو التمايز العملي والتنظيمي والمؤسسي بين الدعوي والحزبي.
12 ـ الفشل في الإنتاج الفكري العام الموجه للجميع والمواكب للتحديات التي تواجهها الأمة بدل الموجه إلى الداخل التنظيمي.
13 ـ الفشل في أخذ العبرة العملية من تاريخهم وتجاربهم السابقة المختلفة، وتكرار أخطائهم واللدغ من الجحر نفسه مرات عديدة دون اعتبار.
14 ـ الفشل في صناعة لوبيات وجماعات ضغط محترفة، تعمل على حماية الفكرة وتسييج التجربة وتقوية الرصيد وحشد الدعم واكتساب المؤيدين.
15 ـ الفشل في الوجود المؤثر داخل المؤسسات العسكرية لبلدانهم، أو إيجاد صيغ مناسبة للتفهم والتفاهم مع هذه المؤسسات ورجالها، وإزالة حالة التوجس والشك بين الطرفين.
16 ـ الفشل في تجاوز فكر المحنة والمظلومية وكثرة التشكي ومنظومته الفكرية والتنظيمية والقيادية.
17 ـ الفشل في صناعة التحالفات والتوافقات والتنسيق الفعلي والفاعل مع القوى الأخرى.
18 ـ الفشل في منهج الطمأنة وإزالة التوجس من مشروع الأسلمة الذي يحملونه، لدى بعض الفئات المجتمعية القلقة منه أو الرافضة له.
19 ـ الفشل في صناعة أحزاب سياسية وطنية مفتوحة لجميع فئات مجتمعاتهم بعيدا عن المساطر التنظيمية المتشددة.
20 ـ الفشل في حسن استيعاب وتوظيف الطاقات والكفاءات التي غادرت التنظيمات لأسباب مختلفة، بعيدا عن منطق اللاثقة والشك والتجريم والشيطنة والاتهام.