نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للصحافي فلوريان نيهوف، من كويسنجق في جبال
كردستان العراق، حيث إن هناك مجموعة صغيرة من الرجال يجهزون أنفسهم للرحلة الخطيرة عبر الحدود
الإيرانية.
ويقول الكاتب: "وصل الربيع في الوديان الخضراء، وبدأ الثلج بالذوبان على قمم الجبال، التي تشكل حاجزا لا يمكن عبوره خلال أشهر الشتاء، ويعيش الرجال متفرقين في بيوت المزارع وبنايات معزولة مبنية على السفوح الشديدة الانحدار، بالقرب من الحدود، هؤلاء هم مقاتلو
البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، وهو حزب معارض مبعد يحاول العودة إلى الجمهورية الإسلامية".
ويضيف نيهوف أنه "بعد تحمل رجال البيشمركة ظروف الشتاء القاسية، سيكون عليهم تجنب الدوريات العسكرية وطائرات الهليوكبتر، بينما يتسللون إلى إيران لبناء قاعدة شعبية للحزب".
وينقل التقرير عن خضر بكدمان وهو قائد بيشمركة مخضرم يقود وحدة في قاعد قرب بلدة تشومان، قوله: "إذا كنا قريبين من شعبنا فسيلتف المزيد من الناس حولنا ونصبح أكثر قوة".
ويعلق الكاتب قائلا: "سمع الناس كثيرا بالبيشمركة في كردستان العراق بعد الانتصارات التي حققتها ضد تنظيم الدولة، وكذلك المقاتلين
الأكراد في سوريا وحزب العمال الكردستاني في تركيا بعد انهيار الهدنة العام الماضي، أما الأكراد الإيرانيون، وبالرغم من طول نضالهم، فهم منسيون تقريبا".
ويقول نيهوف: "قليل من يعرف أن كلمة بيشمركة، التي تعني (الذين يتعرضون للموت) أصلها من إيران من وقت جمهورية مهاباد القصيرة، التي بقيت إلى الآن الدولة الكردية المستقلة الوحيدة التي قامت بمساعدة روسية على يد قاضي محمد مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران عام 1946، وترنحت بعد أقل من عام عندما سحب الروس دعمهم".
ويسرد الكاتب قائلا: "بعد سقوط الجمهورية كاد الحزب يمسح عن وجه الأرض، لكنه أعاد ترتيب صفوفه وكان أحد الأحزاب التي أدت دورا مهما في الثورة ضد الشاة عام 1979، لكنه سحق في حملة عسكرية كلفت حياة 10 آلاف كردي تقريبا في ثمانينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين عاش الحزب في المنفى في كردستان العراق".
وينقل الموقع عن عضو المكتب السياسي للحزب قادر وريا، قوله: "لقد زاد نشاط الحزب في إيران على مدى العامين الماضيين"، وأضاف أن الحزب يقوم ببناء شبكة سرية من أعضاء الحزب في "روجهيلات"، كما يسمي الأكراد مناطقهم في شمال غرب إيران، ودعا الحزب إلى تفعيل "حماة روجهيلات"، وهي قوة أمنية سرية تتلقط الجواسيس، وتهدد وتقتل تجار المخدرات الذين يستغلون الشباب الكردي، ويقول وريا إن عضوية الحزب تتزايد، وإن "مئات الناس يتصلون بنا كل يوم".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الحزب يستفيد من تنامي الاستياء في (روجهيلات) جراء القمع والإهمال الذي تمارسه الحكومة، حيث يعيش في إيران ما بين أربعة إلى سبعة ملايين كردي، معظمهم في أقاليم كردستان وأذربيجان وإيلام وخرمنشاه، ولم تتخلص الدولة الدينية الشيعية في إيران من ارتيابها من الأقليات، ولا تدرس اللغة الكردية في المدارس، كما أن الأكراد، ومعظمهم من السنة، يجدون أن إيران تميز ضدهم على أساس ديني أيضا، وتحظر عليهم الأحزاب السياسية، ويسجن ويعذب الناشطون بشكل روتيني".
ويورد نيهوف نقلا عن المحلل في معهد واشنطن للدراسات الكردية، هيمان حسيني، قوله: "ما دامت طهران تتبع هذه السياسة المتعددة الأوجه من الحرمان، فإن الشعور بالغربة والاستياء سيبقى في حالة تصاعد".
ويجد الموقع أن ما يجعل الأمر أكثر سوءا هو أن الأكراد عانوا بشكل كبير من الركود الاقتصادي، حيث إن المناطق الكردية من أفقر المناطق والأقل تطورا في البلاد، وتأثروا بالعقوبات التي فرضتها أمريكا وأوروبا على إيران؛ لمنعها من الاستمرار في برنامجها النووي، مشيرا إلى أن هناك القليل من المصانع في "روجهيلات"، كما أن الاستثمار قليل. ويقول حسيني: "مع أن المقاطعة الاقتصادية كانت سياسة خارجية ناجحة لإدارة أوباما، إلا أنها تسببت بمعاناة كبيرة بين الطبقات الوسطى والمتدنية، التي يقع ضمنها معظم الأكراد".
ويلفت التقرير إلى أن كثيرا من الأكراد يأملون في أن تخفف إيران من موقفها تجاه الأقليات، بعدما فاز المعتدل حسن روحاني رئيسا لإيران عام 2013، وحل محل سابقه محمود أحمدي نجاد، مستدركا بأنه بحسب الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، فإن تلك الآمال لم تتحقق.
ويقول وريا للموقع: "توقع الأكراد في إيران أن يتحسن وضعهم مع الرئيس الجديد، لكن منذ الاتفاقية النووية لم يتحسن لا الوضع السياسي ولا الاقتصادي ولا الثقافي".
ويذكر الكاتب أن قمع الدولة وغياب الفرص عززا من صفوف الحزب المخضرم بشباب جدد، مثل رضا (24 عاما)، الذي ترابط وحدته على بعد ساعة من الحدود الإيرانية، حيث يقول رضا إنه كان ناشط حقوق مدنيا لمدة أربع سنوات في قريته إيلام قبل أن يحمل بندقية وينضم للبيشمركة، وأضاف: "ينتهي المطاف بمعظم الشباب بالنضال المسلح ضد الحكومة، ويعاني الناشطون المدنيون من القمع الشديد، وإن تم اعتقالك فإنك ستقضي عشر سنوات في السجن".
وينوه التقرير إلى أن رضا ساعد في محاربة تنظيم الدولة في العراق عام 2014 مع حزب الحرية الكردستاني، وهو مجموعة أخرى من الأكراد في المنفى، بالإضافة إلى أنه ساعد في صد هجمة لتنظيم الدولة على أراض كردية بالقرب من الموصل، قبل أن تتم إعادة نشر وحدته بالقرب من كركوك، حيث استقرت أوضاع الجبهة المحيطة بالمدينة، بعدما قامت القوات الكردية باستلامها من القوات العراقية المنهارة، لافتا إلى أن رضا يشعر الآن بأن العدو الحقيقي هو "الثورة الإسلامية" وليس "الدولة الإسلامية".
ويرى نيهوف أن "حمل السلاح ضد تنظيم الدولة يجعل من أولئك الشباب، مثل رضا، أبطالا في بلادهم، وقد شجعت النجاحات التي حققها أكراد العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة الأكراد بشكل عام، حيث إن مسعود برزاني لا يضيع فرصة للحديث عن طموحه للاستقلال، وقد سيطرت وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا على مناطق، وتطالب بالحكم الذاتي".
وينقل الموقع عن الأستاذ في جامعة أوبسالا في السويد هاشم الزمادح، قوله: "بسبب طبيعة قضية الأكراد العابرة للحدود الوطنية، فإن الأكراد الإيرانيين يتأثرون بما يحصل في أجزاء أخرى من كردستان".
ويورد التقرير نقلا عن الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، الذي تخلى عن النضال المسلح عام 1991، قوله إنه يريد السعي للحكم الذاتي بطرق سلمية، حيث تعلمت قيادة الحزب أنها لن تحرز تقدما من المنفى، فهي ليست غير قادرة على توسيع قاعدة التأييد الشعبية لها في إيران، لكنها محددة أيضا لدى مستضيفيها.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالقول: "ليس بإمكان الأكراد العراقيين إغضاب الجارة القوية إيران، فبالإضافة إلى أن قواتها مرتبطة بمحاربة تنظيم الدولة، فإنها ليست ندا للقوات الإيرانية، كما أن إيران في حالة الاستقلال عن العراق، فإنها تحتاج ألا يكون اعتمادها كله على تركيا".