تزايدت المطالب القبطية إلى رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي بالاعتذار عن تعرض سيدة مسيحية في محافظة
المنيا بصعيد
مصر للتعرية، كإجراء انتقامي من أسرة مسلمة باعتبارها والدة شاب اعتدى جنسيا على إحدى نسائها.
وترجع جذور المشكلة، إلى وجود علاقة بين ربة منزل مسلمة (33 سنة)، وشاب قبطي (30 سنة) هو صاحب محل أدوات منزلية، ما أثار حفيظة زوجها، وقام بتطليقها، وتجمهر عدد من مسلمي القرية أمام منزل الشاب القبطي.
ووقعت اشتباكات عنيفة أسفرت عن إشعال النيران بمنزل الشاب القبطي، و6 منازل أخرى بالقرية، من بينها 3 منازل للمسلمين، ومخزن بلاستيك ملك للأقباط، فيما أصيب في الأحداث: عطية عياد فرج (58 سنة)، ونجله عياد (30 سنة).
وتحرر محضر بالواقعة، وتمكنت أجهزة الأمن من السيطرة على الموقف، وضبط خمسة من طرفي المشاجرة، وتم فرض كردون أمني على القرية لمنع تجدد الاشتباكات.
بيان الكنيسة
وأصدرت مطرانية المنيا وأبو قرقاص للأقباط الأرثوذكس بيانا مساء الأربعاء، ذكر أن الأحداث بدأت في قرية "الكرم" مركز أبو قرقاص، بعد شائعة علاقة بين مسيحي ومسلمة، حيث ترك القرية، واعتدى قرابة 300 شخص، يحملون أسلحة متنوعة، على 7 منازل للأقباط، وجردوا مسيحية مسنة من ثيابها مشهرين بها أمام الحشد الكبير بالشارع.
وأشار أسقف المنيا وأبو قرقاص، الأنبا مكاريوس، في البيان، إلى أن قوات الأمن وصلت إلى هناك بعد ساعتين من بدء الأحداث، وألقت القبض على ستة أشخاص، قائلا: "نحن إذ نشكر أجهزة الأمن، نثق بأنها لن تألو جهدا في القبض على جميع المتورطين، ومحاسبتهم"، وفق قوله.
الداخلية تكذب الكنيسة
في المقابل، نفت وزارة الداخلية واقعة الاعتداء على السيدة القبطية.
وحذر رئيس مباحث مديرية أمن المنيا، العميد عبد الفتاح الشحات، مما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفا إياه بالأكاذيب والشائعات المغرضة، حول تجدد أعمال الفتنة الطائفية، والتعدي على والدة شاب قبطي على علاقة عاطفية وربة منزل مسلمة.
وقال: "هذا غير صحيح بالمرة، ويقوم به مجموعة من مروجي الفتن من خارج المحافظة"، مشيرا إلى أن قوات الشرطة متواجدة بالقرية، وأن الأوضاع هادئة، نافيا تجدد أي أعمال تحرض على الفتنة الطائفية بعد الصلح بين الطرفين السبت الماضي، وفق قوله.
المعتدى عليها: جردوني من ملابسي كلها
لكن السيدة القبطية التي تم تجريدها من ملابسها، واسمها سعاد ثابت (70 عاما)، أصرت على تحرير محضر بالواقعة، داخل قسم شرطة أبوقرقاص، أثبتت فيه ما تعرضت له، فقالت: "بهدلوني.. حرقوا البيت، ودخلوا جابوني من جوه، ورموني قدام البيت، وخلعوني هدومي زي ما ولدتني أمي، مخلوش حاجة حتى ملابسي الداخلية، وأنا باصرخ وأبكي، وبعدين ربنا خلصني من أيديهم ، وناس (مسلمون) أخذوني جوه بيتهم.. أخذت جلابية قديمة، ولبستها".
وتابعت: "ابني أشرف مالوش علاقة بالست المسلمة، وهي جاءت المركز، وقالت إن زوجها يشهر بها، ورفعت قضية، وهو عمل كده علشان يطلقها، ولكن إحنا اتبهدلنا، وكل بيتنا اتحرق، وجوزي ضربوه، وأنا لحد دلوقتي مش قادرة أصلب جسمى بعد ما ضربوني".
وبكت "سعاد ثابت" قائلة: "ناس ماعندهاش ضمير.. يعروني في الشارع، وأنا ست كبيرة، وكل القرية تتفرج، وابني هرب، لأنهم لو شافوه كانوا قتلوه.. ما كانش يعرف أنه ممكن يعملوا كده فى ست كبيرة".
المحافظ: الحادثة بسيطة وليست وليدة اليوم
وتعليقا على الحادثة، قال محافظ المنيا اللواء طارق نصر، إن ما يدور بقرية "الكرم" أمر بسيط، وهناك بعض أشخاص من المتورطين ألقي القبض عليهم، وتم عرضهم على النيابة العامة، مشيرا إلى أن هناك إجراءات تم اتخاذها من جانب "بيت العائلة"، وأن الواقعة حدثت منذ خمسة أيام، وليست وليدة اليوم.
وأضاف - في تصريحات صحفية - أن الأمر تحت السيطرة، مشددا على أنه "من المفترض ألا تتناول وسائل الإعلام الأمر بشكل مبالغ فيه، خاصة أنه يمس "الشرف والعرض".
واستطرد: "بعض المسلمين العقلاء احتوى الأزمة"، وتابع: "دي قرية صغيرة مش مدينة.. بس الكلام في الإعلام سيثير مشكلة"، على حد قوله.
حقوقي مسيحي يطالب السيسي بسرعة الاعتذار
والأمر هكذا، لقيت الحادثة ردود أفعال غاضبة من مثقفين وحقوقيين أقباط، وصلت إلى حد مطالبة السيسي شخصيا بالاعتذار للسيدة، فيما اعتبرها بعضهم مؤامرة للنيل من عماد "ثورة 30 يونيو"، وهم الأقباط، في علاقتهم بالسيسي، وفق وصفه.
واستنكر الكاتب والحقوقي جرجس بشرى "الجريمة البشعة".
وقال - في تصريحات صحفية - إن هذه الجريمة اللاإنسانية تؤكد أن هناك مخططا لإسقاط مصر في حرب طائفية ومذهبية كبديل عن الثورات التقليدية.
وأضاف أن جريمة تعرية هذه السيدة وتجريدها من ملابسها استنادا إلى هويتها الدينية هي تعرية للحكومة بأسرها وتجريدها من شرعيتها ودورها في حماية الوحدة الوطنية التي هي أهم دعائم الاستقرار في مصر.
وطالب بشرى "الرئيس عبد الفتاح السيسي" بسرعة الاعتذار لهذه السيدة، ورد الاعتبار إليها؛ لأن الأقباط والمسلمين في حالة غضب بسبب هذه الجريمة التي هزت الضمير العام في مصر، بحسب قوله.
وقال: "حق هذه السيدة أن يعتذر لها السيسي أيضا باسم كل المصريين عن تعريتها في وطنها ووسط أهلها من بعض الرعاع".
وطالب بشرى بسرعة إقالة محافظ المنيا ومدير الأمن بزعم مشاركتهما في هذه الجرائم بالصمت الذي يصل إلى حد التواطؤ مع المتشددين خاصة بعد التهديدات التي أطلقها المتشددون بحرق منازل الأقباط في القرية على خلفية الشائعة، وحرق عدد من منازل الأقباط مع إفلات الجناة من العقاب، على حد قوله.
وأكد بشرى أن النظام الذي يصمت على الجرائم التي تهدد وحدة مصر وسلامها الاجتماعي نظام يفقد مشروعيته وشرعيته، ويعجل بسقوطه، محذرا من الإعلان عن قيام ولاية إسلامية في صعيد مصر، خاصة في محافظة المنيا التي فيها أكبر عدد من المتشددين والجماعات التكفيرية والإخوان، على حد وصفه.
واستنكر "بشرى" ما اعتبره "صمت الكنيسة" على هذه الجريمة، مطالبا بأن "تكون الكنيسة صوتا للحق، والدفاع عن أي مظلوم مسلم أو مسيحي، بدلا من أن تكون بوقا للسلطة".
واستنكر أيضا ما اعتبره "الموقف المتخاذل والمسيء" لبعض النواب الأقباط من مجلس النواب، الذين لا يسمع لهم أحد صوتا بعد دخولهم المجلس، وهو ما يجعل البعض يتساءل عن دورهم، وكيفية اختيارهم، والشروط التي على أساسها تم اختيارهم في المجلس"، حسبما قال.
وأضاف أن هناك نوابا أقباطا "عار" على الأقباط، وأن النائب المسلم أفضل منهم، وفق وصفه.
واستطرد: "حق هذه السيدة أن يعتذر لها السيسي أيضا باسم كل المصريين عن تعريتها في وطنها ووسط أهلها من بعض الرعاع".
"ائتلاف أقباط مصر" يطالبه بالاعتذار أيضا
وفي سياق متصل، طالب ائتلاف أقباط مصر، قائد الانقلاب، بالاعتذار للسيدة المسيحية.
وقال مؤسس الائتلاف، فادي يوسف، في تصريحات صحفية: "سيدة أبو قرقاص التي تعرت في الشارع لا تقل عن سيدة التحرير التي تم تعريتها، وذهب إليها السيسي بالمستشفى، واعتذر لها نيابة عن كل المصريين".
وتابع:"من حق هذه السيدة أن يعتذر لها السيسي أيضا باسم كل المصريين عن تعريتها في وطنها ووسط أهلها من بعض الخارجين عن القانون".
التيار العلماني القبطي: ألاعيب إخوان ونتتظر ردع السيسي
وكان غريبا في هذا الصدد، ما صرح به مؤسس التيار العلماني القبطي، والكاتب السياسي، كمال زاخر، من القول بأن الأحداث التي وقعت بقرية الكرم "شغل إخوان".
وأضاف - في تصريحات صحفية - أن ما يجري موجه للسيسي مباشرة لأنه يستهدف عصب وأساس ثورة يونيو، وهم الأقباط، ويهدف لضرب العلاقة الوثيقة فيما بينهم، على حد قوله.
وأردف أن ما يجري محاولات لتفكيك الرباط بين الأقباط والرئيس لإسقاط ثورة يونيو، ومن بعدها البلاد في يد وقبضة جماعة الإخوان "الإرهابية" مجددا.
وشدد على أن الأمر لا يوصف بأنه حادث طائفي، وإلا سيكون هذا الفكر أحد دعائم الإخوان لاستلام البلاد بـ"المفتاح"، على حد قوله.
وتابع بأن التكتيك الذي سارت به الأحداث بقرية الكرم يكشف ضلوع جهات استخباراتية دولية وإقليمية بالحادث، قائلا: "لعل تغيير موعد الهجوم من بعد صلاة الجمعة إلى المساء، لا يبدو فكر إخوان، وإنما فكر ديلفري خارجي".
وشدد على ضرورة إجراء تحقيق مع الأمن، للوقوف على حقيقة وجود تواطؤ، وتحديد ما إذا كانت المنيا ما زالت تتوغل فيها الجماعات الإرهابية من عدمه.
وأردف: "الأمر يستدعى قرارات رادعة من القيادة السياسية للبلاد، ومحاسبة كل مسؤول في المحافظة، وتستهدف الخيوط والأيادي المحركة، وردع كل مسؤول عن الحادث لتكون رسالة واضحة للإخوان وأتباعهم بأن قيادة مصر يقظة، وستظل"، حسبما قال.
نائب برلماني: لن يمر مرور الكرام
ومن جهته، قال عضو مجلس نواب ما بعد الانقلاب عن دائرة شبرا وروض الفرج، جون طلعت (النائب المسيحي) إنه تقدم ببيان عاجل لوزير الداخلية بشأن واقعة الاعتداء على سيدة مسيحية من المنيا وتجريدها من ملابسها.
وأضاف طلعت أنه تواصل مع عدد كبير من الأطراف منذ عمله بالواقعة، لافتا إلى أن بيان مطرانية المنيا الذي أكد الواقعة جاء فاصلا بالنسبة له.
وأردف أن ما حدث عار على كل مصري، المسلم قبل المسيحي، وأن الأمر لن يمر مرور الكرام، وأنه ستكون هناك محاسبة شديدة لكل من قصر إلى أن وصل الأمر إلى هذا الحد.
واعتبر أن ما حدث ضد النخوة المصرية، وأنه لا يمكن أن يقبله أي مصري، مشددا على أن الأمر تعدى الحوادث الطائفية إلى جريمة.
وطالب بمحاسبة محافظ المنيا، مؤكدا أن ما حدث يتحمل مسؤوليته المحافظ والأمن في المنيا، مشيرا إلى أن الأهالي قاموا بعمل محضر قبل الواقعة، وبالتالي تم إبلاغ الأمن، وكان لديه علم بالخلافات، والمشاحنات، لكنه ترك الأمر، وفق قوله.
ناشط يساري: "السيسي" يتاجر بالمواطنة
في الوقت نفسه، هاجم الناشط اليساري، كمال خليل، قائد الانقلاب.
وقال في تدوينة عبر حسابه بموقع "فيسبوك": "يجب محاكمة كل مسؤولي الأمن في أبو قرقاص والمنيا على تصرفهم السلبي الذي أدى إلى جريمة سحل سيدة مسيحية تبلغ سبعين عاما بعد تجريدها من ملابسها، بالإضافة لحرق منازل وممتلكات العديد من الأسر المسيحية بالقرية تحت زعم علاقة عاطفية بين مسيحي ومسلمة".
وتابع: "السيسي يتاجر بقضية المواطنة حينما يظهر بالكنيسة كل عام في أعياد المسيحيين، ولا يحرك ساكنا إزاء هذه الجرائم"، مشددا على أن "حق جرجس زي أحمد، وحق مريم زي فاطمة.. دي تبقى المواطنة"، وفق تعبيره.
هاشتاج "مصر اتعرت".. وطوق أمني
إلى ذلك، دشن رواد موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وسما (هاشتاج) باسم: "#مصر_اتعرت"، تعاطفا مع المسنة القبطية، وتنديدا بتجريدها من ملابسها في المنيا بعد شائعة وجود علاقة بين ابنها المسيحي، وفتاة مسلمة.
وعبر المغردون عن غضبهم الشديد، وطالبوا بعودة حق السيدة، ووأد الفتنة في المنيا.
ومن جهتها، فرضت الأجهزة الأمنية طوقا أمنيا على مداخل ومخارج القرية.