نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا للصحافي باتريك كوكبيرن، حول الحياة داخل مدينة
الرقة، عاصمة ما يطلق عليها "الخلافة".
ويشير التقرير إلى أنه عندما وصل
تنظيم الدولة قبل عامين إلى قرية أمينة (51 عاما)، قالت إنها كانت سعيدة عندما طلب التنظيم من الناس الصلاة، وتتذكر قائلة: "ظننا أنهم مسلمون حقيقيون، لكنهم بدؤوا بعد أشهر قليلة بالتدخل في تفاصيل حياة الناس كلها".
وتنقل الصحيفة عن أمينة، وهي من بلدة الفاطسة في ريف الرقة، قولها إن شعبية تنظيم الدولة لم تأت من تدينهم، لكنها جاءت من اعتقاد الناس أنهم جزء من الثورة ضد نظام بشار الأسد، وتضيف: "عندما بدأ الناس بالحديث عن الإطاحة بنظام الأسد شعرنا بالسعادة مع أي قوة ستقوم بذلك، لكن عندما تحول من اعتقد الناس أنهم مخلصون إلى مجرمين يقتلون الناس لسبب تافه، بدأنا نحنّ لأيام النظام".
ويقول كوكبيرن إن لدى أمينة سببا قويا للغضب منهم؛ فهي تتهمهم بالقيام بغسل دماغ ابنها البالغ من العمر 15 عاما، وإقناعه بالانضمام إليهم، حيث لم تره منذ أن ترك البيت، ولا تعرف ماذا جرى له.
ويستدرك الكاتب، الذي التقى أمينة في بلدة الفاطسة، التي خرجت منها قوات التنظيم، ودخلتها ما تعرف بقوات
سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، بأنه رغم خروج الجهاديين من بلدتها، إلا أنهم خلفوا وراءهم الكثير من الألغام والمفخخات، ولهذا قررت أمينة الذهاب إلى مدينة الحسكة التي يسكنها العرب والأكراد.
ويلفت التقرير إلى أن قوات سوريا الديمقراطية، التي يدعمها 250 جنديا من القوات الأمريكية الخاصة، بدأت عملياتها، حيث تخطط للتحرك من عين عيسى، والسيطرة على مناطق زراعة القطن في الشمال، وبهذا تقترب نحو مدينة الرقة الواقعة على نهر الفرات، التي سيطر عليها الجهاديون في آب/ أغسطس 2013، مشيرا إلى أنها مدينة زراعية ومحطة مواصلات، يعيش فيها حوالي 200 ألف نسمة.
وتذكر الصحيفة أن مدينة الرقة تتميز بوقوعها على الطريق الذي يقع داخل "الخلافة"، الذي يربطها مع الموصل في الشرق والحدود التركية شمالا وحلب في الغرب، مشيرة إلى أنها واقعة قرب سد تشرين والطبقة ومحطة توليد الطاقة الكهربائية، حيث خسر التنظيم سد تشرين، وتتقدم قوات سوريا الديمقراطية نحو سد الطبقة.
ويبين كوكبيرن أنه حتى هذا الوقت لم تحدث معارك كبيرة، خاصة أن تنظيم الدولة يحاول توفير قوته، وينسحب من القرى المحيطة بالرقة، لافتا إلى أنه بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في بريطانيا، فإن التنظيم خسر 61 مقاتلا وقياديا من أصل فرنسي، و24 طفلا من "أشبال الخلافة".
وينوه التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن استراتيجية تنظيم الدولة في سوريا والعراق تقوم على عدم تعريض قواته لضربات طائرات التحالف الدولي المدمرة، والاحتفاظ بها لشن حرب عصابات، مستدركا بأن المنطق العسكري لا يمثل الاعتبار الوحيد هنا؛ لأن التنظيم سيتضرر سياسيا لو خسر المدن الثلاث الباقية في يده دون قتال، وهي الفلوجة والرقة والموصل.
وتكشف الصحيفة عن أن الناس الذين يعيشون في شمال الرقة يغادرون القرى المحيطة بها؛ من أجل تجنب القتال، رغم أن السكان داخلها ليس لديهم هذا الخيار، حيث يمنع التنظيم السكان من المغادرة؛ أملا بأن يجبر طيران التحالف بقيادة أمريكا على تحديد الغارات؛ تجنبا لوقوع ضحايا مدنيين، منوهة إلى أنه من بين 3715 غارة على سوريا، شن الطيران 235 غارة على الرقة.
ويفيد الكاتب بأن سكان القرى، التي دخلتها قوات سوريا الديمقراطية، قدموا وصفا حيا للحياة في ظل حكم تنظيم الدولة، حيث كان السكان كلهم يخشون استقطاب التنظيم لأبنائهم من خلال دعايته، ليدفعهم للتطوع في صفوفه.
ويورد التقرير نقلا عن جاسم أحمد (42 عاما) من بلدة الهشة في شمال الرقة، قوله إنه كان يشعر بالقلق على ابنه البالغ من العمر 15 عاما، ولهذا أرسله العام الماضي إلى الحسكة، ويضيف: "لم يكن مسموحا لأي شخص بمغادرة مناطق حكم التنظيم، لكنني قمت بتهريبه من القرية".
ويتابع أحمد قائلا للصحيفة إن تنظيم الدولة ركز على غسل دماغ أهل المدينة، حيث تم استبدال النظام التعليمي بآخر ديني الطابع، وأجبر الشبان والأطفال على دراسته في القرى والمدينة، ويقول: "عندما كانوا ينضمون إلى الدورات الدينية كان يطلق عليهم أشبال الخلافة، وبشكل عام لم يكن السكان راضين عن هذه الدورات، ولهذا حاولوا إبقاء أبنائهم بعيدين عنها".
وبحسب الصحيفة، فإنه كما هو الحال في مناطق التنظيم الأخرى، فإنه تم التدخل في التصرفات الشخصية، وضرورة الالتزام بالزي الشرعي، وفرض عقوبات قاسية لمن يخرق التعليمات، بدءا من الغرامات، ومن ثم الجلد لمن يكرر الجرم، لافتة إلى أنه بالنسبة للتصرفات اللاإسلامية، مثل تزيين الشعر، فإن الغرامة محددة من 25 إلى 30 دولارا، و30 جلدة، ومن يتخلف عن أداء الصلوات يعاقب بفرض دخوله دورة دينية لمدة 45 يوما، أما أداة الجلد فهي إما عصا كهربائية أو قطعة رقيقة من إطار داخلها سلك حديدي.
ويجد كوكبيرن أنه من الجيد نقل شهادة أحمد؛ لأنها تقدم صورة مخيفة عن الحياة في ظل تهديد مستمر بالعقوبة، حيث يقول: "قبض علي مرة وأنا أدخن، وفرضوا علي غرامة 10 دولارات، وقلت لهم لا أملك المبلغ، لهذا جلدوني 30 جلدة، وأغمي علي في الجلدة رقم 20، وأخذني ابن عمي إلى العيادة، وقضيت هناك أسبوعين بسبب الجراح والألم".
ويورد التقرير أن تنظيم الدولة بدأ حكم هذه المدينة الزراعية، من خلال تقديم خدمات متعددة للمزارعين، وتقديم الأسمدة لهم والمساعدة البيطرية، مشيرا إلى أنه مع تراجع عوائد تنظيم الدولة بسبب انخفاض مبيعات النفط، فإنه زاد من الضرائب والرسوم، وطلب من السكان دفع الضريبة بالدولار وليس بالليرة السورية، التي انخفضت قيمتها بشكل كبير، مستدركا بأنه رغم توفر الطاقة الكهربائية بسبب وجود السدين، إلا أن التنظيم فرض فواتير عليها.
وتشير الصحيفة إلى أن معارضة التنظيم قد تؤدي إلى عقوبة قاسية، لافتة إلى أن سكان بلدة حطين رفضوا معاقبة أحد سكان بلدتهم، فما كان من مسؤولي التنظيم إلا استدعاء تعزيزات، واعتقلوا 235 من رجالها، أي معظم سكانها، وبقوا في السجن لأشهر، حيث أطلق سراح بعضهم، أما البقية فلا يزالون في السجن.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن القرويين لاحظوا تطورا جديدا، وهو الخلاف بين مقاتلي التنظيم المحليين والأجانب، حول الطريقة التي يجب التعامل بها مع تقدم قوات سوريا الديمقراطية، حيث يريد المقاتلون المحليون الانسحاب، أما الأجانب، وغالبيتهم من الليبيين والسعوديين، فيريدون القتال.