نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا كتبه عمدة
لندن صادق خان، عن تجربة صوم شهر
رمضان هذا العام، حيث قال إن الصوم هذا العام لن يكون سهلا، مستدركا بأن أكثر ما سيفتقده هو القهوة، وأشار إلى أن "شهر الصيام في الإسلام يقدم فرصة لبناء الجسور مع المجتمعات".
ويقول خان: "هل هناك جرأة في أن تكون أول عمدة مسلم للندن، وألا تخشى التعبير عن كونك مسلما؟ فأنا لا أسمي نفسي السياسي الإسلامي، ولست متحدثا باسم المسلمين أو زعيما لهم، ومن المهم توضيح هذا الأمر؛ لأنه سيتم تعريفك من خلال دينك، فكلنا نحمل هويات متعددة، أنا لندني ابنا وأبا، وسيتي هول (مقر العمادة) ليس منبرا، ومع بداية رمضان فأنا أدرك أنه فرصة عظيمة من أجل القيام بعمل أشياء في المجتمع لكسر الغموض والشك حول
الدين، فإن كنت شخصا لا تعرف مسلما، أو ليس لديك أصدقاء مسلمون، فإن تجربتك عن الإسلام هي ما تسمعه وتراه في الأخبار، (الرجل الغاضب ذو اللحية، ويقوم بعمل أو قول شيء رهيب)، فإنك دون قصد ربطت ذلك الإسلام، وتعتقد أن هذا هو كل ما يعبر عنه الدين، ولهذا فإنني وضعت من أولوياتي في هذا الشهر أن أخرج وأبني جسورا، من خلال تنظيم إفطارات في أنحاء المدينة كلها، في الكنس والكنائس والمساجد".
ويضيف عمدة لندن في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21": "أفضل طريقة ليفهم الناس بعضهم، هي بالمشاركة في التجربة وتبادل الخبرات، والصيام هو وسيلة جيدة لتطبيق هذا الأمر؛ لأنك عندما تتناول طعاما مع شخص، وتدعو غير المسلمين لتناول وجبة الإفطار، فإن هذا يظهر أنه ليس عملا خارقا أو غامضا ومرعبا".
ويتحدث خان عن طفولته في لندن قائلا: "عندما كنت في مرحلة النمو كان عليك أن تشرح للآخرين السبب الذي يمنعك عن تناول الطعام، أما الآن، فأنت في مدينة مفتوحة مثل لندن، حيث كان يتم منذ أكثر من ألف عام تبادل في المعلومات والأفكار والناس والثقافة، ويعرف الكثير شخصا أو أشخاصا، ربما في العمل أو من خلال أصدقاء، ممن سيصومون في هذا الشهر، اسأل عنهم، فإن سؤالك فيه الكثير، خاصة عندما تقضي من وقتك دقيقة تسأل عن حال الآخرين، ولدي أصدقاء يصومون تضامنا معي، رغم أنهم لا يصومون طوال اليوم، ولكنها في النهاية لفتة كريمة".
ويشير عمدة لندن إلى أن "رمضان هذا العام سيكون صعبا؛ لأن رمضان يتحرك إلى الوراء، بحسب التقويم القمري، 12 يوما في كل عام، ونحن الآن في ذروة الصيف وأيامه الطويلة، وبعض هذه الأيام سيكون فيها الصيام لمدة 19 ساعة، إنه أمر مخيف، ومفكرتي في شهر رمضان مليئة، فلدينا الاستفتاء على البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن أكسر صيامي بكأس ماء على المسرح في بعض المرات، وفي العام الماضي كانت لدينا حملات أكثر تنوعا في رمضان، وكانت هناك أيضا نشاطات سياسية، حيث كان علي المشاركة فيها وأنا صائم، وهذا جزء منها".
ويستدرك خان قائلا: "ما لا تريد فعله هو محاولة تغيير نمط حياتك تماما؛ لأنك تقضي على الهدف من الصيام وهو التضحية، صحيح أن هناك تعاليم دينية في حالة أثر الصيام في عملك، إذا كنت جراح دماغ، أو إن كنت في القوات المسلحة، وما هو مثير هو قدرة جسدك على التحمل أكثر مما تتصور".
ويقول عمدة لندن: "كل شخص أعرفه، يعرف أنني أكون بائسا في رمضان، وقد يقول البعض إنني في حال يرثي له طوال العام، لكن الصيام لا يؤثر في مزاجي، وما أفتقده هو الكافيين، وأشارك في الكثير من اللقاءات المملة، (ليس هذا العام، حيث حصلت على أهم وظيفة في العالم)، وأحتاج الكثير من الكافيين حتى أواصل، ولهذا وتحضيرا (للصيام)، حاولت التقليل من تناول القهوة، والطعام ليس مهما تستطيع تناسيه، وهناك أسطورة كبيرة تقول إنك تفقد وزنا في رمضان، وهذا ليس صحيحا، وجزء من قيامي بالصيام هو لإظهار أنه من الممكن للشخص أن يكون غربيا ويحمل قيما ليبرالية، إضافة إلى كونه جزءا من التيار الرئيسي المسلم، وكشفت انتخابات عمدة لندن في 5 أيار/ مايو أنه بإمكانك جمع الأمرين في الوقت ذاته".
ويلفت خان إلى "دراسة أجرتها شركة الاستطلاعات (آي سي إم) قبل عدة سنوات، التي أظهرت أن المسلمين البريطانيين هم أكثر الناس فعلا للخير في بريطانيا، وأعتقد أن هذا يعود إلى رمضان، إنه شهر التضحية والتأمل والتواضع، وفيه تتجلى مظاهر المساواة الحقيقية، ولا يمكنك إلا أن تتعاطف مع غيرك، مثلا وكوني عمدة للندن، فأنا أكثر وعيا لوجود 100 ألف شخص يعتمدون على بنوك الطعام في هذه المدينة، رغم أنها خامس أغنى دولة في العالم، وأفهم لدرجة ما تلك التجربة".
ويختم عمدة لندن مقاله بالقول: "هذا هو الدور الذي يؤديه المسلمون أمام الرأي العام؛ لتطمين الناس أننا بخير، وليس لأننا مسؤولون، لكن لأننا أكثر فاعلية، وأنت لست بحاجة للصعود على أسطح المنازل والصراخ، إنها بشأن تبادل التجارب والخبرات، فنحن المدينة الأكثر تنوعا في العالم، لكن الناس لا يختلطون بما فيه الكفاية، وأريد تنمية شعور الناس بالانتماء".