أثارت المبادرات التركية الأخيرة بتحسين العلاقات مع
روسيا، وإعادة تطبيع العلاقات مع
إسرائيل التكهنات حول السياسة الخارجية التركية في المرحلة المقبلة.
وكان رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، أطلق حين كان في منصب وزير الخارجية، في عام 2009 سياسة "صفر مشاكل" مع الجيران، كأداة لتطوير
تركيا وتنميتها في الوقت الذي ينشغل فيه العالم في مشاكله، غير أن هذه السياسة بدأت بالتغير مع اندلاع ثورات الربيع العربي أواخر 2010.
الباحث في الشأن التركي الدكتور سعيد الحاج، أشار إلى أن سياسة تركيا الخارجية اختلفت مع انطلاق ثورات الربيع العربي، حيث بدأت بأخذ مواقف حادة من بعض الدول.
وأضاف في حديث لـ"
عربي21" أن تركيا تراجع سياستها الخارجية في ظل الظروف غير المسبوقة في المنطقة؛ كالحرب في سوريا، والتوتر مع روسيا، وقطع العلاقات سابقا مع إسرائيل، والتخوفات من المشروع الكردي في شمال سوريا، وتصعيد حزب العمال في الداخل التركي.
ورأى أن تركيا تقوم اليوم بتدوير الزوايا، وتقليل الأعداء وزيادة عدد أصدقائها في المنطقة، كانت أولى بوادرها إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، ومن ثم مد اليد لروسيا لإعادة العلاقات، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مرجحا أن تكون هناك تغيرات في الملف السوري والمصري قريبا، استنادا لتصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم.
وقال يلدريم، إنه لا مانع من تطوير العلاقات الاقتصادية بين تركيا ومصر وعقد لقاءات بين مسؤولي البلدين، مع استمرار الموقف التركي الرافض للانقلاب على محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ
مصر الحديث.
وتابع: "يمكن أن يذهب مستثمرونا إلى مصر، وأن يطوروا من استثماراتهم، وقد يؤدي ذلك مستقبلا لتهيئة المناخ لتطبيع العلاقات، وحتى إلى بدء علاقات على مستوى الوزراء، لا يوجد ما يمنع حدوث ذلك وليست لدينا تحفظات في ما يتعلق بهذا الموضوع".
المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية في القاهرة والخبير في الشأن التركي، الدكتور إبراهيم البيومي غانم، رأى في العرض التركي لإعادة العلاقات مع مصر مؤشرا على سياسة خارجية تركية جديدة تسعى لترميم العلاقات مع دول الجوار ومنها مصر.
ورأى في تصريحات لـ"
عربي21" أن كلام يلدريم عن العلاقات الاقتصادية مع مصر، هو توجه لعلاقات أكبر من ذلك وأشمل.
وتوقع غانم أن تلقى التصريحات التركية صدى في مصر، وتجاوبا رسميا لأن مصر بحاجة إلى علاقات إيجابية مع الجميع، خصوصا تركيا كونها على سبيل المثال طرفا في موضوع ترسيم الحدود بين دول البحر الأبيض المتوسط إلى جانب مصر.
وعن مصداقية مؤسسة الرئاسة في تركيا، قال الحاج إن
أردوغان رجل براغماتي جدا، وهيأ الظروف قبل أن يعلن الرغبة في إعادة العلاقات مع روسيا، رغم رفضه الاعتذار سابقا، فأرسل دعوة للإفطار للسفير الروسي، ورسالته إلى بوتين، وصيغة الاعتذار من عائلة الطيار الروسي القتيل.
وعلى الجانب الإسرائيلي، قال إن تركيا تحاول القول بأنها حصلت على كل شروطها مقابل إعادة العلاقات وإظهار الاتفاق بأنه كسر فعلي للحصار على غزة، إلى جانب اعتذار إسرائيل رسميا، وتعويض عائلات الضحايا الأتراك الذي قضوا في أحداث سفينة مرمرة.
وتوترت العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، عقب هجوم إسرائيل على أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية، في 2010، وأسفر عن مقتل 10 ناشطين أتراك كانوا على متن سفينة "مافي مرمرة".
وبين تصفير المشاكل أو تقليلها، تبقى الخطوات والأيام القادمة هي التي ستكشف حقيقة السياسة التركية الخارجية الجديدة.