شهد مركز حوش عيسى بمحافظة البحيرة (شمال
مصر)، مساء أمس الثلاثاء، حالة قتل جديدة بالسحل والتعذيب للمواطن "محمود علي عبد المجيد حميد"، (42 عاما)، اعتقل من منزله على يد ضباط القسم التابع للمركز على ذمة محضر تبديد أموال.
ولم تمض سويعات قليلة، حتى بات المواطن قتيلا نتيجة السحل والتعذيب على يد ضباط قسم الشرطة، وذلك بحسب رواية شهود عيان رووا أنّ قوات الأمن اقتحمت منزل المذكور أعلاه وألقت القبض عليه، وعند وصوله إلى القسم، وأثناء نزوله من البوكس، تم الاعتداء عليه بدنيا من قبل ضابط الشرطة المدعو "أحمد السيسي"، والمخبرين المرافقين له بالهراوات الخشبية "الشوم"، وبرأس الأسلحة، حتى أردوه قتيلا.
وتم تحرير تقرير طبي عنه يفيد وفاته نتيجة سكتة قلبية، مما دفع بأسرته للاعتصام أمام مقر المشفى المتواجد بها جثة القتيل، ويذكر أن الأسرة أحاطت ضابط الشرطة علما بأن المتوفى كان مريضا بالقلب، لكن ذلك لم يشفع له أمام قسوة وهمجية قوات الأمن، وفق شهود عيان.
وكانت المادة 126 من قانون العقوبات المصري تنص على أنّ "كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث إلى عشر سنوات، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقرر للقتل العمد".
وخرج أهالي مدينة حوش عيسى وثوارها مساء الأربعاء في مسيرة حاشدة تنديدا بمقتل المواطن "محمود حميد" على يد الضابط أحمد السيسي وقوة من قسم شرطة حوش عيسى بعد تعرضه للضرب المبرح دون أسباب بقسم الشرطة.
وقامت قوات الأمن بالاعتداء على المسيرة أثناء سيرها بشوارع المدينة بالغاز والخرطوش، فرد الأهالي عليهم بالشماريخ والألعاب النارية لصدهم حتى انصراف النساء والأطفال خوفا من إصابتهم في الوقت الذي قرروا فيه استكمال خط سير المسيرة.
جانب من اشتباكات أمس
وعلى صعيد آخر، شهدت محافظة الدقهلية، أيضا، حالة قتل أخرى بعد ساعات معدودة من الحالة الأولى، حيث توفي، الأربعاء، "محمد علي علي الشحنة"، (55 عاما)، يعمل مزارع، ويقيم بمنطقة الشبون بمحافظة الدقهلية، والذي لفظ أنفاسه الأخيرة في مُستشفى "المنصورة العام" جراء
الإهمال الطبي.
واعتقل "الشحنة" حال تواجده بمنزله في 25 كانون الأول/ يناير 2016، وأحيل إلى النيابة العسكرية على ذمة قضية عسكرية اتهم فيها بالتعدي على قوات الأمن، وتم احتجازه بسجن "المنصورة العمومي"، ليلقى حتفه بعد يومين من نقله فيما بعد إلى المشفى في 11 تموز/يوليو الماضي، بسبب تدهور حالته الصحية، حيث كان يعاني من مشاكل صحية بالقلب، كما أصيب بنوبات صرع في آخر شهر من حياته، بجانب تعمد السلطات منع دخول أية مستلزمات شخصية أو أدوية لعلاجه.
ويعد ذلك انتهاكا للقواعد النموذجية لمعاملة السجناء في الخدمات الطبية، حيث يجب أن توفر في كل سجن خدمات طبيب مؤهل واحد على الأقل، يكون على بعض الإلمام بالطب النفسي، وينبغي أن يتم تنظيم الخدمات الطبية على نحو وثيق الصلة بإدارة الصحة العامة المحلية أو الوطنية. كما يجب أن تشتمل على فرع للطب النفسي بغية تشخيص حالات الشذوذ العقلي وعلاجها عند الضرورة، أما السجناء الذين يتطلبون عناية متخصصة فينقلون إلى سجون متخصصة أو إلى مستشفيات مدنية.
من جهتها، اتهمت منظمة "هيومن رايتس مونيتور"، قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية بالقتل المتعمد للمواطنين باستخدام القوة المفرطة والعنيفة في التعامل الأمني معهم، دون مُراعاة لحقوق الإنسان، التي أقرتها مصر وصادقت عليها وتعهدت بالالتزام بها.
وشدّدت – في بيان لها الأربعاء- على أنّ القوة الممنوحة للجهاز الأمني في مصر إنما هي قوة محكومة بقوة القانون وليست قوة مطلقة، وهي لردع الخارجين عن القانون والدفاع عن النفس وتحقيق الأمان والاهتمام بسلامة المواطنين دون مساس بحقوقهم الأساسية.
وتابعت: "لا يزال مُنتسبو وزارة الداخلية يمارسون القتل الممنهج في ظل غياب الإرادة في وقف ممارسة القتل البطيء، وتحويل أماكن الاحتجاز في مصر إلى مقابر رسمية، ومسالخ بشرية للمعتقلين، وسط صمت سياسي بالداخل والخارج، بالإضافة إلى تكتم وزارة الداخلية، وسط شكوك محلية حول جدية التحقيقات التي تجريها الوزارة، وإمكانية مثول أفراد الشرطة أمام محاكمة عادلة، حيث بات القتل منهجا معتمدا وسياسة عدم المساءلة هي السياسة المُتبعة من قبل القائمين على إدارة السجن".
وأشارت إلى أن النيابة العامة مسؤولة ومشاركة في جريمة القتل البطيء للمعتقلين داخل مراكز الاحتجاز، بسبب عدم التحقيق الجدي في هذا الملف، وتجاهل مبدأ المساءلة، برغم وجود تقارير الطب الشرعي، والتقارير الفنية التي تؤكد عدم لياقة أماكن الاحتجاز، وأقسام الشرطة، ومقار الأمن المركزي لوضع المعتقلين والمحتجزين فيها.
وأردفت: "كما أن القضاء في مصر متورط سياسيا في قضايا المعتقلين السياسيين التي ينظرها، ويحكم فيها بتحريات الأمن الوطني، دون النظر أو الاستماع إلى الأدلة والشهود والمحامين، كما تتعمد سلطات
السجون قتل المعتقلين ببطء عبر إهمال طلباتهم للعلاج من أمراض صعبة تحتاج للنقل للمستشفى".
وأكملت: "وبسبب هذا توفي سجينان، وكذا تكديس المعتقلين في أماكن الاحتجاز بالسجون وأقسام الشرطة ومراكز الأمن بدون تهوية مناسبة وفي ظل درجات حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية، ما يؤدي لقتل العديد من المسجونين، ليصبح عدد قتلى السجون 496 حالة قتل منذ 11 شباط/ فبراير 2015".
وطالبت "مونيتور" الأمم المتحدة بإرسال لجنة تقصي حقائق لتفحص السجون وأقسام الشرطة وجميع أماكن الاحتجاز في مصر، والتحقيق في مقتل ما يزيد على 496 معتقلا داخل السجون، نتيجة للتعذيب الممنهج، والتحقيق في مقتلهم وجلب مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة.
وناشدت السلطات المصرية الالتزام بالتعهدات والقوانين الدولية الخاصة بمعاملة المساجين، وخاصة اتفاقية مناهضة
التعذيب، مؤكدة إدانتها الكاملة لكافة "
الانتهاكات غير القانونية التي تمارسها إدارة السجن بالتعنت مع النزلاء السياسيين والمُعتقلين بالأخص".
كما طالبت "مونيتور" الجهات المعنية بالالتزام الكامل بكافة النصوص الدستورية والقانونية والقوانين المُنظمة لطريقة التعامل مع النزلاء بالسجون بجانب القوانين المُنظمة لحقوقهم الإنسانية والقانونية، محملة السلطات مسؤولية سلامة المُعتقلين النفسية والبدنية والعقلية، ومناشدة السلطات لتحسين أوضاع المعيشة لتتناسب مع حقوق المُعتقلين المقررة قانونا وفق القواعد النموذجية لمُعاملة السجناء.