جددت أجهزة الأمن
المصرية حبس أفراد فرقة (أطفال شوارع) والمحبوسين أصلا منذ ما يزيد عن السبعين يوما، وهم محمد عادل أحمد محمد أبو الفضل، محمد عبد المجيد جبر، مصطفى أحمد زين، محمد يحيى محمد، ومحمد دسوقي سيد، وبناء على تحريات الأمن الوطني وجهت لهم النيابة العامة تهم محاولة قلب نظام الحكم والتحريض على التظاهر ونشر أخبار كاذبة عبر فيديوهات مسيئة لمؤسسات الدولة وواجهت النيابة المحبوسين احتياطيا بالأحراز وهي 4 فيديوهات (ساخره) أحدها ضد اتفاقية ترسيم الحدود وقصة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
وبالنسبة لفورمة الاتهامات الموجهة فهي ليست جديدة ولكن ما لفت انتباهي حقا في هذه الواقعة ضيق النفس الظاهر لهذه الحكومة من السخرية.
ومن المعروف أن عبقرية الشعب المصري في التنفيس وتناول مشكلاته غالبا تتجلى في مشاهد السخرية.
وعلى مر العصور ومنذ تاريخ الأوائل، عرف الشارع المصري مظاهر السخرية العفوية ولطالما ضحكنا على واقعنا وجلجلت ضحكاتنا على وقع نكتة أو قفشة أو مشهد درامي ومن المفترض أنه كلما ضاق الواقع من الطبيعي أن تتسع رقعة السخرية وليس العكس، ولكن يبدو أن هذا الواقع التعيس وشديد التعقيد أضحى أكثر جنونا من سخرية الساخرين.
فالواقع الذي تضيق معه الحكومة من تجمع لطلاب الثانوية العامة ممن طالهم الظلم وفقدوا الأمل في فرصة نجاح عادلة بعد فضيحة التسريبات وبدلا من سماع أصواتهم والتعامل بمسؤولية معهم بعد كل تلك المعاناة التي يتعرضون لها مع أسرهم، تجد الحكومة ضاقت نفسا ومنعتهم من حقهم في التعبير عن وجعهم وهو وجع جاد هذه المرة وليس ساخرا لأننا يوما فيوما نفقد جزءا من إنسانيتنا ونفقد معه القدرة على السخرية وعلى الحكومة أن تتنبه إلى أن الواقع التعيس والمزري وتراجع كافة سبل الحياة أمام المصريين وتدهور ملفات أساسية لحياتهم بداية من التدهور الاقتصادى وضيق ذات اليد للملايين وانتشار الفقر الذي لم يفارق للحظة فضلا عن انهيار نظام التعليم والخدمات وغيرها.. هو واقع تعيس ومنهك ينافس المصريين في الانقضاض على الجزء الباقي من إنسانيتهم بل ويعمل العد التنازلي فى القدرة على السخرية، ووقتها لا أحد يعرف كيف ستتطور مشاعر الظلم والحزن والمعاناة في العقل الباطن للأغلبية من المصريين المسحوقين والمنتهكين تحت عجلات قاسية جادة لحرب على إنسانية مجتمع بأكمله.
كيف مع كل هذه الجرعات المؤلمة من مشاهد العنف وأخبار الانتهاكات التي لم تتوقف منذ 3 يوليو 2013 والتي طالعتنا آخرها في تقرير مؤلم وجاد لمنظمة العفو الدولية وصفت به تزايد التعذيب والإخفاء القسري (رسميا أنت غير موجود) وراح التقرير يسرد المزيد من القصص الموثقه حول حالات تعذيب لمواطنين بطرق ممنهجة ويعرفها كافة متابعي ملفات حقوق الإنسان في مصر ولكن الأمر الأخطر والذي ألقت منظمة العفو الضوء عليه في تقريرها الأخير هو الارتفاع الحاد في استخدام الإخفاء القسري منذ تعيين مجدي عبد الغفار وزيرا للداخليه في مارس 2015، وكان قبلها يعمل في جهاز مباحث أمن الدولة وذكرت المنظمة في تقريرها الصادم ارتفاع موجة الإخفاء القسري لتشمل المئات من الطلاب والنشطاء السياسيين والمتظاهرين ومن بينهم أطفال لا تزيد أعمارهم عن 14 عاما.
وذكر التقرير حالة القاصر مازن محمد عبد الله الذي تعرض للإخفاء القسري وهو في الرابعة عشرة من عمره في سبتمبر 2015، وتعرض لانتهاكات بشعة مثل الاغتصاب المتكرر بعصا خشبية لانتزاع اعترافات وكذلك حالة آسر محمد ابن الرابعة عشرة أيضا، وكما جاء في التقرير أنه حال القبض عليه تعرض للضرب والصعق بالكهرباء على جميع أنحاء جسده والتعليق بغرض انتزاع اعتراف بعد إخفائه قسريا لمدة 34 يوما في يناير 2016 في مقر الأمن الوطني بمدينة السادس من أكتوبر، وبعدها تم عرضه على أحد وكلاء النيابة العامة الذي أنذره أنه سيواجه المزيد من الصعق بالكهرباء في حالة إنكار الاعتراف، هذان القاصران كانا من بين خمسة قصر تعرضوا للإخفاء القسري لمدد بلغت 50 يوما وعرضت المنظمة أيضا حالة إسلام خليل 26 عاما، وقالت إنه تعرض للإخفاء القسري 122 يوما في عام 2015 وتعرض للتعذيب وقامت المنظمة بنشر فيديو به إفادة من شقيقه حول الواقعة وسرد فيها ما تعرض له أخوه من تعذيب أيضا بالصعق بالكهرباء والتعليق والتعرية لساعات طويلة حتى غيابه عن الوعي، وذلك بمقر الأمن الوطني بمدينة طنطا.
وكل تلك الطرق الممنهجة في التعذيب والمتواترة في قصص الضحايا رسمت صورة لمنهج الأجهزة الأمنية في ارتكاب مثل تلك الوقائع، مما جعل أصبع الاتهام توجه إلى الأجهزة ذاتها في القضية الشهيرة لمقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو رجيني التي كانت ومازالت تشكل تطورا معرفيا على المستوى العالمي لما يحدث في الداخل المصري وكان لها تداعياتها على العلاقات مع إيطاليا.
وكما عادتها في التعاطي مع هذة التقارير والوقائع ردت الحكومة المصرية ووزير خارجيتها بالإنكار الشديد والاتهام للمنظمة بالانحياز.
لم ولن تكلف نفسها هذة الحكومة الجادة وغير الهزلية أن تتعاطى بجدية حقيقية مع تلك الوقائع الموثقه بدلا من سياسة الإنكار المطلق.
وهل هناك أشد قسوة وهزلية من سخرية حكومة قاسية تضيق نفسا بالمعارضين والساخرين من مواطني المحروسة وتغلق آذانها على سيمفونيتها الأشهر الحرب على الإرهاب ومعادلة الاستقرار مقابل الحريات وتمضي في سياسات إقرار إفلات الجناة من العقاب.
ونقول للحكومة الجادة مع عمنا الساخر جلال عامر هل لديك أقوال أخرى؟… أيوه من فضلك… مفيش حد بيحاسب حد هنا ولا أسيب الحساب وأمشي، ولكل ساخر لا تتوقف عن السخرية وعن فن إدارة الألم.
ولنردد مع أحمد مطر جميل ما كتب:
"مكتوب"
من طرف الداعي..
إلى حضرة حمّال القُرَح:
لك الحياة والفرح.
نحن بخير، وله الحمد، ولا يهمنا شيء سوى فراقكم.
ملحوظة أخيرة: نعم سنظل على موعد مع صباح جديد وسنحمل من روحه جينات الفرح ونتحدى بهزلنا جدران الألم ونظل نقفز فوق واقعكم التعيس!!!