نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلتها في القدس روث إغلاش، حول قضية
الأطفال المفقودين لليهود العرب، وبشكل رئيسي
اليهود اليمنيين، التي لا تزال تشكل لغزا بعد مرور قرابة السبعين عاما.
وتبدأ الكاتبة تقريرها بسرد قصة يونا يوسف، التي تبلغ من العمر 84 عاما، وتصفها بأنها مليئة بالطاقة والحيوية، ويشع بريق في عيونها عندما تتحدث عن أطفالها التسعة وعن أحفادها، مستدركة بأنه عندما تسألها ماذا حصل قبل 67 عاما، عندما وصلت عائلتها إلى "
إسرائيل" من اليمن، فإن عينيها تفيضان بالدموع.
وينقل التقرير عن يوسف قولها: "كان عمري 15 عاما، وجاء الناس وقالوا لي يجب أن تأخذي سعدية إلى العيادة"، ويتهدج صوتها عندما تستذكر المشهد عندما أخذت شقيقتها من أبيها، التي كانت تبلغ من العمر أربع سنوات حينئذ لفحص روتيني كان يجرى للوافدين الجدد، وتكمل قائلة: "في العيادة قالوا لي اذهبي إلى البيت، وقالوا إنهم سيحضرونها إلى البيت، وكيف كان علي أن أعرف ماذا سيحصل؟ فأنا نفسي كنت طفلة"، ولم تر يوسف شقيقتها بعد ذلك.
وتذكر الصحيفة أن يوسف، مثل غيرها من المهاجرين الجدد، كانت تعيش في مخيم مؤقت مع والدها وزوجته الثانية وطفلين، بينهم سعدية، مشيرة إلى أن الإسرائيليين سمعوا على مدى السبعين سنة الماضية قصصا كثيرة عن اختفاء أطفال لمهاجرين يهود من البلاد العربية، الذين ربما اختطفوا في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بعد وصولهم إلى "إسرائيل" بقليل، لافتة إلى أنه في بعض الحالات، أخذ الأطفال ولم يعودوا، وفي حالات أخرى كان يخبر الآباء بأن أبناءهم ماتوا فجأة.
وتشير إغلاش إلى أن بعض النظريات تقول إن الأطفال أعطوا لأزواج ليس عندهم أطفال، ربما لناجين من المحرقة يعانون من العقم، ويعتقد آخرون أنه ربما تم إرسال أولئك الأطفال لعائلات يهودية في الولايات المتحدة.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "من درسوا تلك القضية أشاروا إلى عملية بناء الدولة التي اتسمت بالعدوانية، التي تبنتها النخبة الحاكمة حينئذ، التي كانت تتألف من اليهود الأشكناز البيض من أوروبا، وربما (المفاهيم الأبوية)، التي شعروا بها تجاه أولئك اللاجئين المتحدثين باللغة العربية الأميين، الذين وصلوا دون مال، ولديهم الكثير من الأطفال، وربما ظن البعض أنهم كانوا يساعدون تلك العائلات بمنح أطفالهم حياة أفضل".
وتقول الصحيفة إن البعض يشتبه بأن موظفي الحكومة، من أطباء، وممرضين، وباحثين اجتماعيين، ومسؤولين حكوميين، كانوا متورطين بشكل أو بآخر في هذه القضية، مستدركة بأنه لا توجد إجابة إلى الآن عما إذا كانت هناك أوامر من مستويات عليا من الحكومة.
وتفيد الكاتبة بأن ثلاث لجان حكومية مختلفة، آخرها في تسعينيات القرن الماضي، حققت في القضية، وتوصلت كلها إلى أن أكثر الأطفال ماتوا بسبب المرض، وربما تم تبني أقلية منهم، لافتة إلى أن هذه النتيجة لم تقنع معظم العائلات.
وينوه التقرير إلى أن هذه القضية حظيت في الأشهر الأخيرة بالاهتمام من جديد، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه "يرفع الحصانة" بخصوص هذه القضية، وعيّن وزير الحكومة تزاهي هانغبي ليقوم بفتح الملفات "لاكتشاف الحقيقة"، وأضاف نتنياهو: "قضية الأطفال اليمنيين جرح مفتوح لا يزال ينزف بالنسبة لعائلات كثيرة ممن لا يعلمون ماذا حصل للرضع الذين اختفوا".
وتورد الصحيفة أن هانغبي قال لمحطة أخبار الشهر الماضي إنه بعد النظر في مادة التحقيقات الحكومية في القضية أصبح متأكدا بأن مئات الأطفال اليمنيين أخذوا من أهاليهم، مستدركة بأنه لم يستطع القول لماذا وأين ذهبوا، ما أعطى أملا مجددا لكثير من العائلات التي رفضت رواياتها طيلة الحقبة الماضية.
وتنقل إغلاش عن أفي يوسف، ابن يونا يوسف، قوله: "نعتقد بأن على الدولة أن تجيب عن الأسئلة.. نعلم أن أطفالا اختفوا، حيث أخذت سعدية من يد أمي"، مشيرة إلى أن أفي يوسف، الذي أصبح محاميا، نشأ وهو يسمع عن اختفاء سعدية وطفلين لخالته، التي تكبر أمه، من المخيم المؤقت.
ويستشهد التقرير بما قالته يائيل تزادوك، التي كانت تعمل صحافية، والتي اهتمت بالقضية قبل أكثر من 30 عاما، حيث بدأت بإجراء مقابلات مع الأمهات اليمنيات على برنامجها الإذاعي، وقالت: "واضح أن هناك جريمة بشعة تم ارتكابها على نطاق لم يسبق له مثيل، ولا تريد الدولة أن تكشف عنها".
وتضيف تزادوك، التي أصبحت تعمل مع منظمة "أتشيم فيكاييم"، التي تسعى للتوصل إلى الحقيقة، والبحث عن الأقارب المفقودين: "كان من الصعب أن أسمع قصصهم، لم أكن أستطيع النوم في الليل، وكان واضحا بالنسبة لي أنهم يقولون الحقيقة، وهناك شهود كثيرون قالوا إن هؤلاء الأطفال تم أخذهم"، بحسب الصحيفة.
وتشير الكاتبة إلى أن معظم أولئك الأطفال أصبحوا في الستينيات والسبعينيات من العمر، لافتة إلى أن أحد هؤلاء الأطفال هو زيفي أميري، الذي اكتشف عندما كان في الثلاثينيات من عمره بأنه كان متبنى، وبدأ بالبحث عن أبويه، ويقول أميري، الذي يبلغ عمره الآن 64 عاما: "كنت أشعر دائما بأن هناك شيئا غير صحيح.. بقي والداي ينتقلان من مكان إلى آخر، وبقيت أسمع أنني كنت متبنى، ولكن عندما اعترف لي والداي بذلك بدأت بالبحث".
ويكشف التقرير عن أن أميري حصل على ملف تبنيه بمساعدة محام، واكتشف أنه ولد لمهاجرين من تونس، ووجد أخيرا أمه التي ولدته، لكنها كانت في مستشفى للأمراض العقلية، ويقول إنه ربما كانت خسارتها لطفلها الرضيع أمرا أكبر من أن تتحمله، لافتا إلى أن أميري اقتنع من الوثائق التي وجدها في ملف تبنيه، مثل الشهادة التي تقول إن أمه عرضته للتبني، التي لا تحمل توقيعا، بل بصمة إبهام، بوجود عملية تغطية وسرية في هذه القضية، ويتساءل أميري: "إن لم تكن (أمي) تعرف كيف تكتب اسمها، فكيف عرفت على ماذا كانت توقع؟".
وتبين الصحيفة أن القانون لا يسمح للعائلات التي خسرت أطفالا من الوصول إلى الملفات، في الوقت الذي لم يستطع فيه سوى عدد قليل من الأطفال التوصل لعائلاتهم الأصلية، مشيرة إلى أن هناك مئات العائلات المدرجة على موقع منظمة "أمرام"، التي تساعد في هذه الحالات.
وتذكر إغلاش أن هناك قصصا عن حديثي ولادة، تم أخذهم إلى وحدات خاصة، حيث أخبرت الوالدات بعد أيام بأنهم ماتوا، بالإضافة إلى عائلات لديها أطفال، طلب منها التخلي عن مواليدها الجدد للتبني، وعندما رفضت ذلك، قيل له إن المواليد ماتوا.
وبحسب التقرير، فإن عضو الكنيسيت نوريت كورين ترأس مجموعة ضغط برلمانية لعائلات الأطفال المسروقين، وقالت إن لديها أكثر من ألف ملف تفصل كيف اختفى الأطفال، ومعلومات عن العائلات التي ادعت فقدان أطفالها لعقود، وتعمل لإنشاء قاعدة بيانات للحمض النووي، تساعد الأطفال على التعرف على الأبوين الأصليين، لكن فقط بناء على طلب الأطفال.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول كورين: "لا نعرف ماذا حصل فعلا، لكن كلما جمعنا المزيد من المعلومات زادت فرص معرفة الحقيقة، والتعرف على الأشخاص، والمهم أنه إن حصل هذا، ونحن نعتقد أنه حصل بشكل منظم، فإن على الدولة أخيرا أن تعترف، وأن تتحمل المسؤولية".