نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب روبرت فيركيك، يعلق فيه على نشر الشرطة البريطانية وحدات خاصة من شرطة مكافحة
الإرهاب المسلحين في شوارع لندن.
ويقول الكاتب إن "وجود هذه الوحدات في الشارع قد يطمئن العامة بأن الحكومة تحاول فعل ما تستطيع لمكافحة تهديد الإرهاب، لكن قائد الشرطة السير بيرنارد هوغان هاو حذر الأسبوع الماضي من أن السؤال حول وقوع هجوم إرهابي، هو ليس عما إذا كان سيقع، بل هو متى سيقع، فالمسألة هي مسألة وقت".
ويتساءل فيركيك: "هل يعني هذا اعترافا بفشل سياسة مكافحة الإرهاب، أم إنه مجرد تقدير واقعي للتهديد الرهيب الذي علينا أن نتعلم التعايش معه؟".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه "بإمكان رجال الشرطة المسلحين بالبنادق الآلية محاربة أعراض الجهاد العنيف، بعد بدء الهجوم، وخسارة أرواح بريئة، ويكون قد فات الأوان، حيث يستطيع أي إرهابي مصمم قتل العشرات من الناس قبل أن تصل إليه حتى أسرع وحدات الاستجابة السريعة".
ويجد فيركيك أن السؤال عن سبب رغبة الكثير من الشباب المسلمين بالسفر إلى الشرق الأوسط للمشاركة في الجهاد العنيف، هو سؤال معقد بقدر ما هو مثير للجدل، ويستدرك قائلا: "ما لم نكن مستعدين لقضاء العشرين سنة المقبلة خائفين من الهجوم الإرهابي القادم، فإنه يجب التعامل مع هذا السؤال برضا ومساعدة المجموعات الإسلامية جميعها".
وتلفت الصحيفة إلى أن الحكومة البريطانية وضعت ثقلها خلف استراتيجية "برفنت" لمكافحة الإرهاب، التي تهدف إلى مكافحة التطرف في المملكة المتحدة، "عن طريق استخدام الموظفين الحكوميين في مجالي التعليم والصحة بالذات، ليكونوا مخبرين للحكومة، بالإخبار عمن يشكون بميله إلى التطرف من المسلمين تحديدا"، مشيرة إلى أنه تم الإخبار عن حوالي 6 آلاف شخص، معظمهم
مسلمون، العام الماضي، بأنهم يقعون ضمن طيف التطرف.
ويذكر الكاتب أن الوزراء يحاولون الآن تطوير هذا البرنامج المثير للجدل، عن طريق إدخال فصول دراسية خاصة، تفرض على من يعتقد بأنهم يحملون أفكارا متطرفة؛ لإقناعهم بعكسها، ويعلق على هذا التطور بقوله: "إن هذا تطور مهم ومقلق في البرنامج الحالي، الذي يوفر ترتيبا تطوعيا لذلك".
وبحسب الصحيفة، فإنه ينظر إلى برنامجي "بريفنت" و"تشانل" بعين الريبة من أعداد كبيرة من المسلمين، الذين يشتكون من أن كثيرا من العائلات المسلمة البريئة وقعت تحت قيود فرضتها الدولة، بعد أن قام أساتذة أو باحثون اجتماعيون بإخبار السلطات عن أطفالهم، مشيرة إلى أنه "تم التحقيق في الوقت ذاته مع أكاديميين مسلمين؛ بسبب سوء فهم لطبيعة الأبحاث الإسلامية التي يقومون بها، حتى إن المحامين والأطباء واجهوا تداعيات سيئة؛ بسبب إساءة تفسير ما قالوه أو فعلوه".
ويرى فيركيك أن "لب المشكلة يكمن في تعريف التطرف أو التطرف غير العنيف، فالتعريف فضفاض والتدريب (الذي يجري للعاملين في التعليم والصحة لملاحظة علامات التطرف لدى الأشخاص) بدائي لدرجة أن أي شخص يهتم بالمشكلات التي يعاني منها الشرق الأوسط قد يقع ضحية لنظام هذا التبليغ، وقد يكون دافع التبليغ عن شخص كيديا، على خلفية خلاف شخصي، أو خلاف سياسي".
ويؤكد الكاتب أنه يعرف أبا مسلما خسر حقه في رؤية ابنته؛ لأن طليقته اشتكت للمجلس المحلي بأن زوجها شاهد تغطية محطة أخبار عربية لعملية إعدام قام بها
تنظيم الدولة، لافتا إلى أن حقيقة كون 9 من كل 10 إخباريات تأتي من خارج المجتمع المسلم، من أساتذة وأطباء وباحثين اجتماعيين ومحاضرين ورجال شرطة، هي مؤشر على اضطرار المجتمع المسلم، الذي يشعر بالغربة أصلا، للانطواء على نفسه، ما يؤدي إلى تراجع التعاون مع الأمن، الذي يعتمد بشكل كبير على المعلومات التي يقدمها الأفراد لمنع وقوع عمليات إرهابية.
وتنوه الصحيفة إلى أن من قام بهجمات باريس وبروكسل هم متطرفون نشؤوا في تلك البلدان، من الأقلية المسلمة التي تعيش في فرنسا وبلجيكا، مشيرة إلى أنهم استطاعوا بعد القيام بهجماتهم الذوبان في الضواحي الفقيرة.
ويتوصل فيركيك إلى أن "الفشل الأساسي في عملية جمع المعلومات في فرنسا وبلجيكا كان واضحا، أما المجتمعات المسلمة في المدن البريطانية فهي منفتحة على الأمن، وذلك بسبب أساليب الشرطة المتطورة، وشبكات التجسس، وهناك سبب آخر، وهو أن الحرية الدينية في
بريطانيا مقارنة مع السياسات المعادية للإسلام في الجمهورية الفرنسية جعلت المسلمين البريطانيين يشعرون بأنهم جزء من المجتمع العام".
ويخلص الكاتب إلى القول: "لقد وصلنا الآن إلى نقطة حاسمة في العلاقات، حيث يعتقد الكثير من المسلمين بأن الإخبار عن تصرف غريب يجعلهم عرضة للتحقيق، والخيار الأسلم بالنسبة لكثير منهم هو غض الطرف عما قد يكون بدايات تخطيط لعمل إرهابي، فبدلا من فرض دروس لمكافحة الأفكار المتطرفة يجب بذل جهود أكبر في الحصول على رضا المجتمع المسلم، لتقوم الشرطة بعملها، وجمع المعلومات الاستخباراتية بطريقة ذكية".