ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها، أعدته مراسلتها الصحافية ماريا أبي حبيب، أن الأردن يواجه مشكلة في كيفية التعامل مع المتطرفين، الذين باتوا يتحدثون بشكل مفتوح، في وقت واجه فيه البلد سلسلة من الهجمات والعمليات المنسوبة لهم.
وتشير الكاتبة في تقريرها، الذي أعدته من مخيم البقعة، إلى إمام يتكنى بـ"أبو عتيبة"، الذي قام بأخذ مكان الإمام الراتب، الذي لم يحضر لمانع منعه من إلقاء الخطبة، لافتة إلى أنه كان واعيا لوجود المخابرات التي تملأ المساجد هذه الأيام، بطريقة تجعل من الصعوبة تجنيد أشخاص لقضيته، ولهذا فإنه قضى وقته لتحديد الأشخاص الذين يرى فيهم قابلية للتجنيد، حيث يقول: "نأخذهم إلى مزرعة أو بيوت خاصة، وهناك نناقش وننظم مباريات كرة قدم لجلبهم أكثر".
وتعلق أبي حبيب بأن كلماته تعكس ما تراه جرأة جديدة بين الجهاديين الأردنيين، الذين يتحدثون بشكل مفتوح، ويدعمون
تنظيم الدولة، مشيرة إلى أن الجرأة في الحديث، بالإضافة إلى سلسلة من الهجمات، تعكسان التهديد الذي نشره المتطرفون في هذا البلد المستقر نسبيا، والحليف للولايات المتحدة، الذي كان في الماضي حاجزا ضد انتشار
التطرف في الشرق الأوسط.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن المساجد لم تعد كما كانت النقطة الرئيسة للتجنيد، وتحولت الجامعات عوضا عنها إلى مراكز يقوم فيها الطلبة بالتشارك في الدعاية لتنظيم الدولة وتوزيعها في المهاجع الدراسية، ونوادي الرياضة، وأماكن أخرى لتجمع الشباب، بحسب مسؤولين غربيين يعملون في برامج لمواجهة التطرف العنيف في العاصمة عمان.
وتنقل الصحيفة عن المسؤولين قولهم إن الشبان الذين يتعرضون لمخاطر التجنيد من الجماعات الجهادية، هم "الشباب الذين يشعرون بالملل"، مشيرة إلى أن نسبة الشبان من الفئة العمرية 30 وما دون، الذي يشكلون ما نسبته 70% من سكان البلاد، تصل إلى 30%، وهي ضعف النسبة المسجلة على المستوى العالمي، وذلك بحسب تقرير أعدته منظمة العمل الدولية.
وتعلق الكاتبة بأن الولايات المتحدة تنظر اليوم إلى مواجهة تنظيم الدولة، من خلال التعليم والخطاب المدني، بقدر أهمية العمل العسكري، إن لم يكن أهم، مستدركة بأنه ومع ذلك، فإن المسؤولين الأمريكيين وبعض المسؤولين الأردنيين يقولون إن الملكية الأردنية فشلت في تطوير برنامج خلاق وقوي لوقف التطرف، ففي التقرير الصادر في حزيران/ يونيو، اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية عمان بأنها "متحفظة حول الاعتراف بمشكلة التطرف".
ويورد التقرير نقلا عن المسؤولين الأردنيين، قولهم إنهم يقومون ببذل ما يستطيعون من جهود، لكنهم يعانون من نقص في الموارد، مشيرا إلى أنه من المتوقع قيام الولايات المتحدة هذا العام بتزويد الأردن بـ 1.2 مليار دولار على الأقل، على شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية، بالإضافة إلى 600 مليون دولار إضافية لدعم صندوق الشراكة لمكافحة
الإرهاب؛ وذلك من أجل تقوية الأمن.
وتنقل أبي حبيب عن السكرتير العام لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية عبد المنعم الحياري، قوله: "يجب مواجهة أي أيديولوجية بأيديولوجية أخرى، وهذا ما نقوم بعمله"، وأضاف: "لكننا نتطلع إلى المجتمع الدولي" للمساعدة في دعم ذلك.
وتذكر الصحيفة أن الأردن قام في عام 2014، وبناء على حث من الولايات المتحدة، بوضع خطة طموحة لمواجهة التطرف، التي لم تظهر للعيان، إلا بعد أيام من ظهور تقرير الخارجية الأمريكية في حزيران/ يونيو، لافتة إلى أن الخطة اعتمدت على تقديم أئمة ووعاظ صادقت عليهم الدولة لحوالي أربعة آلاف مسجد غير مرخصة، ولم تنتج الخطة سوى 200 إمام، قَبل منهم 70 شخصا التعيين فقط، فيما افتتحت 150 مسجدا جديدا دون ترخيص.
ويفيد التقرير بأن الأردن كثف أيضا عمليات القمع التي قامت بها أجهزة الأمن الأردنية المدعومة بشكل جيد، مشيرا إلى أن هذه العمليات اشتملت على اعتقال خلايا يشتبه بأن أفرادها يدعمون المتطرفين.
وتكشف الكاتبة عن أن بعض المعتقلين اشتكوا من المعاملة السيئة، بما في ذلك الإهانة الجنسية، وعبرت منظمتا "أمنستي إنترناشونال" و"هيومان رايتس ووتش" عن قلقهما من عمليات التعذيب في البلد، في الوقت الذي تنفي فيه الحكومة الأردنية استخدام التعذيب.
وتنوه الصحيفة إلى أن عدد الأردنيين المقاتلين في سوريا يبلغ حوالي 2500 شخص، معظمهم يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة، مشيرة إلى أنه بحسب مؤسسة صوفان في نيويورك، فإن الأردن يأتي في المرتبة الثانية في عدد المقاتلين في سوريا.
وبحسب التقرير، فإن البعض استمع إلى نداء تنظيم الدولة للبقاء في الأردن؛ من أجل شن هجمات في الداخل، خاصة أن الإجراءات الرقابية على الحدود منعت من تسلل المقاتلين إلى سوريا والعراق، لافتا إلى أن ضابطا أردنيا يعتقد أنه متعاطف مع تنظيم الدولة قام في تشرين الثاني/ نوفمبر، بقتل خمسة أشخاص، بينهم أمريكيان، وذلك في مقر برنامج تدريبي تشرف عليه الولايات المتحدة، كما قام مسلح في بداية حزيران/ يونيو، بقتل خمسة ضباط مخابرات في مقر عملهم في مخيم البقعة شمال عمان، وتم ربط المهاجم بتنظيم الدولة، بالإضافة إلى أنه في نهاية الشهر ذاته شن تنظيم الدولة هجوما على موقع عسكري أردني قرب الحدود مع سوريا، وقتل سبعة جنود، واعتقلت الدولة 24 إماما رفضوا تأبين الجنود باعتبارهم شهداء.
وتورد أبي حبيب نقلا عن دبلوماسيين غربيين في عمان، قولهم إن الحلول التي اقترحت لمواجهة التطرف لم تكن إبداعية، مثل إلقاء الملك عبدالله الثاني خطابات في مناسبات متعددة، كما أمرت الدولة الإعلام بعدم الحديث عن الهجمات الأخيرة، التي قام بها متطرفون، مشيرة إلى أنها خطوات غير عملية في عصر الإنترنت، الذي يعتمد عليه تنظيم الدولة.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول غربي يعمل في مكافحة الإرهاب في عمان، قوله: "الأردنيون يعيشون في عصر الثمانينيات من القرن العشرين، حيث يعتقدون أن بإمكانهم السيطرة على رواية الأحداث".
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى أن "أبو عتيبة"، الذي يعرج من جراح أصابته في الشيشان، ضحك من خطط الحكومة لمكافحة الإرهاب، وقال إن الأئمة الذين تصادق عليهم الدولة مشبوهون، ووصفهم بأنهم "عصا في يد الدولة، التي لا تحمل من الإسلام إلا الاسم".