تشير حرب التصريحات بين
السعودية وإيران إلى اتساع الفجوة ما بين
العراقيين، بين الكتل السياسية من جهة، وتوقع حدوث صراع داخلي بين أطياف الشارع العراقي من جهة أخرى، بينما يحمّل سياسيون ونواب "أطرافا مستفيدة" بتصعيد الموقف في الداخل.
بدوره، قال المحلل السياسي عرفان جوهر، في حديث لـ"
عربي21"، إن العراق سيكون أكثر المتأثرين بأي صراع يكون في المنطقة بسبب غياب المصلحة الوطنية العراقية وانجذاب الكتل السياسية وارتباطها بعديد من أجندات الدول الأخرى، وبالتالي فإن أي تقاطع يحدث بين تلك الدول ينعكس سلبا على الشارع العراقي.
وأضاف جوهر أن "الصراع السعودي-
الإيراني هو صراع مصالح، هدفه الهيمنة لكل من الهلالين السني والشيعي على المنطقة برمتها، وكثير من الدول لا يعنيها هذا الأمر لكن العراق يتعامل معها بكل قوة وينقسم في هذا الموضوع، والدليل ما حدث مع السفير السعودي في العراق. فبعد قرار الحكومة باستبعاده هنالك كتل سياسية انقسمت، فمنهم من طالب ببقائه وهم الطبقة السنية ونصف الطبقة الكردية، ومنهم من طالب برحيله. بل إنهم يرفضون أي علاقة بين السعودية والعراق وهم الأغلب من الطبقة الشيعية"، على حد تعبيره.
وأضاف جوهر أن قيادات سياسية عبرت عن موقفها من الصراع الدائر بين السعودية وإيران، وأبرزها موقف رئيس الوزراء السابق نوري
المالكي، الذي كان له تصريح شديد اللهجة ضد المملكة العربية السعودية فضلا عن مسيرات نظمتها كتل سياسية معروفة ومشاركة في الحكومة، اتهمت فيها السعودية، بأنها تتاجر بأرواح العرب ويجب محاسبتها، ما يضع الحكومة في موقف محرج أمام السعودية في بيان رأيها من تلك المواقف.
واعتبر رئيس ائتلاف دولة القانون بالعراق نوري المالكي، السبت، أن بقاء السعودية حرة "بلا عقاب ووصاية دولية" يعني المزيد من القتل والتخريب والتدمير، فيما أشار إلى أن "النظام السعودي يتبع الازدواجية في علاقاته الخارجية"، حسب تعبيره.
وتوقع جوهر في حال استمرار مواقف الكتل واختلاف انضمامها أو مناصرتها لكل من السعودية وإيران، أن يكون هناك تصعيد كبير على المستوى السياسي، وتقاطعات تلقي بظلالها على المشهد العراقي، أبرزها المستوى التشريعي ومستوى القرارات الحكومية.
من جانبه، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية النيابية النائب عبد الباري زيباري، في حديث لـ"
عربي21"، إن لكل من السعودية وإيران أطرافا موالية لها في العراق، وبطبيعة الحال فإن تلك الأطراف ستستجيب لرؤية البلدين المتخاصمين، وهذا سينعكس طرديا على الوضع العام للعراق، لكن تبقى رؤية الحكومة إيجابية لأنها تتبع سياسة التوازن بالعلاقة والحيادية بين السعودية وإيران.
واستدرك بقوله إنه "في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة أن تنأى بنفسها عن المواقف الهشة التي تصدر من بعض الأطراف ضد السعودية أو إيران، فإن هذا لا يمنعها من محاسبة المتصدين للدولتين أو المتعاونين معها، لأن ذلك هو خيانة للسيادة الوطنية".
أما النائب عن ائتلاف دولة القانون عباس البياتي، فأكد أن لدى السعودية أذرعا داخل العراق تريد بها أن تدمر العراق وتجره في حرب طائفية "وآخرها تصريحات السفير السعودي ثامر السبهان"، الذي سعى إلى خلط الأوراق بين أطياف الشعب العراقي، فكان القرار الحكومي باستبعاده صحيح ومنقذ للبلاد.
ويؤكد البياتي، وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، أن الصراع السعودي الإيراني شأن داخلي بين البلدين، والعراق ليس طرفا فيه، وما يصدر من مواقف من بعض الأطراف هو سلوك خاص ولا يمكن منعه لأن الدستور كفل حق التعبير عن الرأي، وفي المقابل فإنه لا يمكن القبول بأي تجاوز على أي دولة جارة.
ويختلف عضو لجنة العلاقات الخارجية ظافر العاني، مع النائب البياتي، بحديثه لـ"
عربي21"، عن أن "المواقف التي ما زالت تصدر لا تعبر إلا عن كتل سياسية مشاركة في الحكومة والبرلمان وهي ذاتها اليوم التي تحمل السلاح، فإن أي تهديد لأي دولة جارة كالسعودية يعد بمثابة تجاوز على سيادة الدولة، وكان الأحرى بالحكومة أن تعبر عن رأيها إزاء تلك التجاوزات، سواء كانت من السعودية أم حتى من إيران".
ويتابع العاني بأن المفارقة في الأمر أننا لا نجد مواقف ومسيرات مناهضة للتدخل الإيراني السافر في العراق، وهذا يعبر عن وجهة نظر واحدة، أن هنالك ميولا لآراء إيران وما تريده في المنطقة، فهي تريد أن تجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات، محذرا من أن يستغل هذا الوضع الشارع العراقي ويرجع البلاد إلى المربع القديم، كما حدث في عامي 2006 و2007، وما برز فيه من اقتتال طائفي، بسبب شحن الكتل السياسية المختلفة مع الصراع الإيراني-السعودي لجمهورها ومؤيديها.
وبالنسبة للسياسي المستقل وعضو مجلس النواب السابق، وائل عبد اللطيف، فإنه قال لـ"
عربي21"، إن "الدولتين تمثلان الطائفتين السنية والشيعية في المنطقة، وخلافاتهما لن تنتهي، وبسبب وجود أتباع غير قليلين للدولتين في العراق، فإن أمر انعكاس هذا الصراع في العراق غير مستبعد بالمرة، وسيتسبب بخلافات وتشتت وتصدع في الوضع السياسي، وهكذا فإنه سيتأثر الوضع الأمني والاقتصادي وحتى الاجتماعي".
وأوضح عبد اللطيف أن على الحكومة العراقية أن تتعامل كدولة ذات سيادة ليس لها دخل بين الدولتين وأن تدعو للتهدئة بينهما، مشيرا إلى أن "الكتل السياسية التي تعتبر بيضة الجمهورية الإيرانية، معروفة لدى الجميع، والحكومة ليست مسيطرة على هذا الجانب"، لذا فإنها يجب أن تصرح وتؤكد بما لا يسيء للسعودية وإيران، على حد قوله.
وأوضح عبد اللطيف أن هناك قادة سياسيين مستقلين، ومنذ العام 2003، أبدوا استعدادهم للتدخل والتهدئة بين طهران والرياض، لكن بعض السياسيين الذين يمتلكون القرار السياسي لم يستجيبوا لهذه المداخلات، معتقدا أن في نهج رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي وسياسته الجديدة ممكن أن يتجه إلى خلق وساطة بين الدولتين، وفي حال نجح في ذلك فإن التاريخ سيسجل هذه المبادرة للعراق وللعبادي.
وهاجم مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، في خطابه السنوي للحجاج في 5 أيلول/ سبتمبر الحالي، التحالف الإسلامي السعودي، واتهم حكام السعودية بأنهم "صانعو الفتن" في المنطقة وحملهم أسباب الفوضى والخراب في مختلف مناطق العالم الإسلامي، مسميا على وجه التحديد العراق وسوريا والبحرين واليمن وليبيا.
بدوره، رد مفتي عام المملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، على الهجوم الذي شنه خامنئي على بلاده، متهما الأخير بـ"العداء للإسلام" والتحدث من منطلق الخلاف مع الطائفة السنيّة.